«الملحمة الكُبرى بدأت وقائعها»

49

حقيقة_قتال_الأجانب_في_سوريا

سوريا.. وحقيقة توافد الأجانب للقتال على أراضيها..!!
فريد إدوار
تحت مُسمّياتٍ مختلفة ومن جنسياتٍ عديدة، يحملون السّلاح ويسفكون دماء السّوريين دون هوادة، ينادون ويهتفون باسم الإسلام والنبي محمد، وهم يقاتلون جنوداً يدافعون عن أنفسهم أولاً، ثم عن سيدهم الأسد الابن آخراً.
تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق والشّام التّنظيم المسلّح الذي يهدف إلى إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق شريعتها، هو أحد أكثر الكتائب المُقاتلة انتشاراً على الأراضي السّورية، إلى جانب عددٍ آخر من التّشكيلات التي تُنادي بالأهدافِ ذاتِها.
بداية نشوء هذا التنظيم الذي تبنّى الفكر السّلفي وَنُـعِتَ بالإرهاب، كانت من العراق وتحديداً في الخامس عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2006 بزعامة “أبو عمر البغدادي” الذي تم اختياره بعد اجتماع عددٍ من الفصائل المُسلّحة إبان الغزو الأميركي لبلاد الرافدين. لكن زعامة “البغدادي عمر” لم تدم طويلاً، فبعد مقتله في التاسع عشر من شهر نيسان/ أبريل 2010 صار “أبو بكر البغدادي” زعيماً للتّنظيم، خلفاً لمؤسّس الدّولة الإسلامية في العراق، غير أن طموحات الزعيم الجديد في بسط خلافته الإسلامية؛ تخطّت حدود بلد المنشأ، ليمتدّ جذور (دولة العراق) إلى الجارة سوريا أواخر 2011 بعد تحوّل الحِراك السّلمي إلى صراع مسلَّح؛ بين من ادّعوا إطاحةَ حكمِ عائلة الأسد، وبين المُدافعين عن بقاء إمبراطوريتها التي تعدّت أربعة عقود.
“أبو بكر البغدادي” حينها، وعبر رسالةٍ صوتية، أعلن دمج جبهة النّصرة بزعامة “أبو محمد الجولاني”، التي بدأت لتوّها قتال الجيش النظامي، مع (دولة العراق الإسلامية) تحت اسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش).
ولم تمضِ أشهر، حتى ظهر تسجيلٌ صوتي لـــ”الجولاني” ينفي فيه علاقته مع (دولة العراق الإسلامية)، فرفض فكرة الاندماج وأعلن مبايعة تنظيم القاعدة في أفغانستان.
مع كل ما يحدث من إراقة دماء، يُقاتل الآن في سوريا، التي تحوّلت إلى ساحة حربٍ طائفية، مُسلّحون من مختلف الدول العربية والأجنبية، فيوجد بين صفوف الكتائب الإسلامية مُقاتلون من روسيا، أميركا، الفلبين، الصين، بريطانيا، فرنسا، ماليزيا، السعودية واليمن وغيرها.
والقادمون إلى أراضي الشّام، مؤمنون بقول نبي الإسلام “محمد”: «الملحمة الكبرى بدأت وقائعها» فالمقاتلون الإسلاميون باتوا مُقتنعين تماماً بتلك النبوءات، فالصّراع الدّامي الذي بدأ قبل ثلاثة أعوام؛ أعمق كثيراً من أن يكون مجرّد نزاعٍ على كرسي السّلطة بين الأسد ومُعارضيه.
نفوذ الإسلاميين في سوريا يتخطّى اليوم الحصّة التي منحهم إياها الرئيس الأسد في وقتٍ سابق من عام 2013، عندما سلّمهم مدينة الرقة بالكامل في ربيع ذلك العام إضافةً إلى بلدة “خان العسل” بريف حلب في صيف 2013، ليُبسّطوا سيطرتهم على مناطق في محافظات (ريف اللاذقية، دمشق وريفها، دير الزور، حمص، حماة، إدلب والحسكة).
أواخر عام 2011 حينما قمعت السلطات السورية التّظاهرات السّلمية، تحوّلت المطالب الديمقراطية التي نادى بها المحتجون إلى حربٍ أهلية لم ينطفئ سعيرها حتى اللحظة، لتتحول صيحات وهتافات المُتظاهرين المطالبين بالحرية إلى انتقامٍ وسفك دَمٍ على الهوية.
فالعنوان بات واضحاً والصّراع الطائفي طغى على المشهد السوري. نزاعٌ بين السّنة تمثّله المُعارضة وبين الشيعة المُدافعين عن إرث أبناء الطائفة العلوية، بين من ينتظر ظهور المهدي وآخر يطمح لنيل الشهادة طمعاً بجنات الفراديس.
أكثر من 150 ألف ضحية حتى الآن في سوريا، ومعظم المُقاتلين الإسلاميين لا يزالون مُتمسّكين بعقيدتهم وإيمانهم بأن هذه الحرب قد ذكرها نبي الإسلام “محمد” قبل أربعة عشر قرناً من الزمن، وتناقلها فيما بعد أصحابه والتابعون.
يعتمد طرفا الصراع (مُقاتلو السنة والشيعة) في حربهم، على وقائع تُعدّ بمثابة إشاراتٍ على صدق قناعاتهم، فبالنسبة إلى مقاتلي السّنة، وفقاً للشهادات التي وثّقتها وكالة رويترز آذار/ مارس الماضي، فإن القادمين إلى البلاد مقتنعين دون أي شك أن الأزمة في سوريا هي ما تحدّث عنها النبي “محمد” عندما حث على الجهاد من أجل بناء دولةٍ إسلامية بعد وداعه الأخير.
فيما يرى بعضٌ، ودائماً حسب وثائقيات رويترز، أن الرسول تنبأ في بعض أحاديثه بما يجري في سوريا منذ انطلاق الشّرارة الأولى في آذار/ مارس 2011 ، حينما ارتفعت الصيحات بإسقاط النظام الحاكم، بعد إلقاء القبض على بعض الطّلبة السّوريين الذين دوّنوا عبارات على جدران مدرستهم؛ نادت بسقوط الحاكم.
الحديث الذي نُقل على لسان الرسول ويُترجم هذه الواقعة التي أدت إلى تأجيج نار الطائفية في سوريا، هو: «تكون فتنةٌ بالشام؛ أولها لــهْوُ الصّبيان، ثم لا يستقيم أمر الناس على شيء».
ومن بين الأحاديث النبوية التي تداولتها الأجيال، نقلاً عن الرواة، حديثٌ آخر يتحدث عن مواجهة كبيرة بين جيشين إسلاميين عظيمين في أرض الشام، وعن قرب اندلاع معركة كبرى تتدخّل فيها أطرافٌ من شماليِّ البلاد وغربيِّها.
بالمقابل؛ فإن أتباع المذهب الشّيعي الإسلامي لهم حصةٌ في الحرب السورية، وهؤلاء المُقاتلين القادمين من (إيران، العراق ولبنان) لهم معتقداتهم أيضاً، فهم مؤمنون بأن هذه الحرب تمهيدٌ لمجيء الإمام المهدي، الذي سيظهر ليعمّ العدل وقواعد الحكم الرشيد في آخر الزمان.
واستناداً إلى بعض المراجع الشّيعية التي ذكرها تقريرٌ لوكالة رويترز، فإن المهدي سيظهر من مكة بعد تشكيل جيشٍ عظيم، ثم يتّجه إلى اليمن فالعراق، وهناك يلاقيه الإيرانيون ويسلكون الطريق إلى الشام على رأس جيشه لإسقاط حاكمها الذي يحكم تسعة أشهر فقط.
بعضٌ من هؤلاء المُقاتلين يعترفون بأن قتالهم ليس لإطاحة النظام السوري، بقدر ما هو من أجل ظهور الإمام المهدي، فيما يُفصح آخرون عن عدم درايتهم بتاريخ الشرارة الأولى للحراك السوري، في الوقت الذي علّقوا مجيئهم إلى أراضي الشام، من أجل غسل خطاياهم والقتال إلى جانب من يودّون إقامة دولةٍ إسلامية.
ولحين استبيان الخيط الأبيض من الأسود، قد تبقى الدماء تسيل وتنزف في سوريا لأمدٍ طويل، من خلال حربٍ؛ سبّبتها نزاعاتٌ طائفية شهدتها مؤخّراً بقعٌ أخرى من الجوار السوري، خاصةً في عاصمة الرشيد (العراق) ولبنان، ما دفع بالكثيرين من المؤمنين للقتال على أراضي الشام، إيماناً منهم أن كل حروب المنطقة التي تندلع ضد حكامها، ما هي إلا جزءٌ من معركةٍ كُبرى لأجل مستقبلٍ مُنتظر تحدّث عنها الأنبياء في الماضي وصدقت نبوءاتهم في الزمن الحاضر.

 

التعليقات مغلقة.