الطابور الخامس الكردي….

65

 

رشيد_NR

م. رشــيد
يعرف الطابور على أنه جمع غفير من الناس يشتركون في أداء مهمةٍ ما لبلوغ غاية معينة، ثم أضيفت كلمة الخامس ليصطلح عسكرياً على جيش ٍ مقاتل في المعركة دون أن يحمل سلاحاً، وغالباً ما يكون دوره حاسماً، لذلك كان الطابور الخامس موضع حسابات صعبة ودقيقة لدى قادة الحروب وأبرزهم نابليون الذي لم يخفِ يوماً تخوفه من دور الطابور الخامس وتأثيره على مجريات المعارك ونتائجها.
يقوم الطابور الخامس على صناعة الخبر ويروّجه على صورة دعاية أو شائعة ليبثّ اليأس والتشاؤم، أو النفور والتذمر من حالة ما في وسط ما(سياسي أو عسكري أو ثقافي أو اجتماعي ..) لخلق البلبلة والفوضى والفتنة ..، وذلك لتوجيه الرأي العام باتجاه محدد لإفشال برامج وخطط معلنة، أو إسقاط نظم وإدارات قائمة، أو إحباط حملات ومهمات جارية، أو نسف مشاريع قيد الإنجاز والتنفيذ من خلال تحريض الجماهير وتعبئتها بمعلومات مغلوطة أو مزيفة أو مشوشة..
هنا وفي هذا العصر يبرز دور وسائل الإعلام والاتصالات المتوفرة وتقنياتها الحديثة والسريعة والدقيقة، فالفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكات الانترنت التي تخترق وتتجاوز كل الحواجز والضوابط مهما بلغت متانتها وصرامتها ..
يعرف عن الطابور الخامس على أن أفعاله سلبية وآثاره وخيمة في كثير من التجارب والأحداث عبر مختلف الأماكن والأزمان .. فهزائم العسكر، وسقوط الحكومات، وفضّ الاعتصامات، وتفكّك الحركات، وفشل الثورات، ونزوح المجتمعات، وجلب المصائب والويلات .. إلخ، جميعها نتائج حقيقية ملموسة للضخّ الإعلامي المحرّض والمغرض الذي يمارسه الطابور.
نورد فيما يلي بعض النماذج الواقعية التي تعيش في المجتمع الكوردي، والتي حملت على عاتقها مهمة تشكيل الطابورالخامس (من حيث تدري أولا تدري) وتسعى لخلق تيار الشك والتشويش والقلق والتمرد على الحالة السياسية الكوردية دون أن ترعى اهتماماً بما تؤول إليه الأمور من عواقب وتداعيات مضرّة بالصالح العام والقضية الكوردية (قومياً ووطنيا ً):
1- المنتقد: وهو يدّعي أنه ضمير الأمة ويعبّر عن رأيها، ولا يترك موضوعاً ولا حدثاً إلا وينتقده بشكل لاذع ومزاجي، ممارساً التقريع والتجريح والتشهير لبعض رموز الحركة ومكوناتها دون غيرها، مستنداً على معلومات خاطئة وتكهنات مغلوطة، لذلك تراه يحدث جعجعة دون طحين لأنه لا يمتلك حلولاً ولا مقترحات للمشاكل والمسائل التي يتناولها، تقتصر مهمته على إحداث العكر والزوابع ثم يختفي، يلاحظ هذا النموذج غالباً على صفحات الانترنت والمجالس العامة.
2- الفضولي: وهو طفيلي يتنقل من وسط لآخر بشكل مستمر ومتواصل ليتلقى المعلومات ويجمعها، ثم يدعي الاطلاع على تفاصيل الأحداث ودقائق الأمور ومعرفة حيثياتها وخفاياها، وبالتالي يقف وراء القرارات والمواقف التي يتخذها بعض الشخصيات والأطراف في الحركة، وذلك للتغطية على حقيقة أنه مهمل ومنبوذ وتافه، يمارس النفاق والخداع لإثارة الخلافات وتعميق النزاعات وسط الاضطراب والخلاف والفوضى ، لأن مثل ذاك الوسط يكفل له الحضور والظهور، ويوفر له المجال للتحرك والاستمرار.
3- المتحامل: وهو الانتهازي التائه الذي قضى جل عمره وحراكه ضمن منظمات وتيارات (شمولية أو سلطوية) تحارب حركة الشعب الكوردي وخصوصياتها، وتعادي ممثليها ورموزها وتطلعاتها القومية ولما رأى نفسه مهملاً ومعزولاً ومنبوذاً ضمن المجتمع الكوردي الذي يتعاظم شأن حركته يوماً بعد يوم، بدأ يصعّد من خطابه ويرفع من سقف شعاراته، وينعت الحركة الكوردية بالمتخلفة والمتخاذلة ويسعى عبثاً من تشكيل زمر وكتل وتجمعات من أمثاله تحت عناوين مختلفة وبمسميات شتى للتنشط ضمن الأوساط الفاعلة، كي يجد له موطئ قدم فيها ليتسلق فيمارس انتهازيته المعتادة ويؤمن مكاسبه الشخصية ويحقق مآربه الخاصة ضمن الظروف والمعطيات الجديدة، وكي يقود حملاته الشعواء ضد الحركة وفعالياتها.
4 – المتخاذل: وهو السفيه المتذبذب الجبان الذي لا موقف له، سوى التستر بعباءات كالثقافة والديموقراطية والاعلام والاغاثة والأدب.. (وجميعها منه براء )، واستخدامها للعبور والاختراق والتسلق، واستعمالها كوبوناً لحضور المحافل والمجالس، وجعلها شماعة يعلق عليها تهربه من الاستحقاقات الوطنية والقومية، وعدم مواجهة الحقائق والوقائع، لا بل الانتقال إلى مرحلة التشويه والتمييع والتخريب، وذلك بإجهاض كافة المحاولات الرامية لتشكيل أو توحيد أو تفعيل المؤسسات والجمعيات والمنظمات (المدنية والشعبية والمهنية) المعّول عليها في خدمة القضايا الكردية المصيرية، وذلك حرصاً منه للحفاظ على نمطية حراكه وشرعنتها.
5- المجنّد : وهو الأخطر لأنه المراوغ الماكر الذي يتقن اللعبة ويجيد ممارستها، يمتلك شهادة عليا أو مهنة مميزة أو ثروة معتبرة ويستثمرها لاختراق مفاصل الحركة من أبواب مختلفة ومنافذ متعددة، فينصب نفسه وصياً أو ناطقاً أو ممثلاً عنها ومصدراً للاعتماد في المحافل والأطر القومية والوطنية، ويستثمر ذلك بذكاء وحنكة لتأمين مصالحته الشخصية والعائلية، وتحقيق مآربه الخاصة، وتنفيذ أجندات الجهات التي تتبناه وترعاه وتسوقه لتلك المواقع، وقيمة الفاتورة تدفعها الحركة الكوردية وقضيتها، والطابور الخامس يستفيد من تحركاته ومعلوماته التي يزوده بها بعد تحويرها وتشويه مضامينها وتحريف مآلاتها.
6- الساذج: وهو البسيط العاطفي الذي يثق مخاطبه الماهر المحنّك بسهولة ويتبعه ، ويردد أقواله ويقلّد أفعاله، ويطيع أوامره وينفذ تعليماته من منطلق الإخلاص والحرص والصدق والجدية..، دون أن يدري بوقوعه في شرك الضلال والخداع المسبق التصميم والتخطيط، وهو الذي يضخم أعداد الطابور الخامس ويشرعن وجوده ويسهل تأثيره، لذلك فالساذج هو الفاعل والحاسم من بين مكونات الطابور الخامس.
ختاماً, من المؤكد وجود نماذج أخرى (غير الآنفة الذكر) اسماً وشكلاً وأسلوباَ، والمهم في الأمر أن مكونات الطابور الخامس جميعها تشترك في الوسيلة والغاية، وتحمل نفس المسؤولية والمهمة، وإن اختلفت في تفاصيل الوظيفة والأداء تبعاً للخبرة والأسلوب والاختصاص والبيئة، ووفقاً للمنطلقات والأجندات والدوافع..، وما على المعنيين والمهتمين بالحركة الكردية إلا الحذر والحيطة من نشاطاتها، وعدم تسويقها كحالة طبيعية أو عرضية ضمن المجتمع الكردي، وذلك بالحجر عليها ووأدها، وعدم السماح للطابور بالانتعاش في أكنافها وأوساطها مهما كانت المسميات والمبررات والاعتبارات..

التعليقات مغلقة.