البحث عن سيناريو/فواز حداد
ظهور الدولة الإسلامية وانتشاراتها المتسارعة في العراق وسورية، وما يشاع ويتأكد عن وصولها إلى لبنان واليمن… وفي ما بعد، من يدري، إلى أين ستصل غزواتها؟ شكّل انكشافاً مخزياً للغرب، الذي تغافل عنها ولم يتنبه إلى خطرها إلا مرغماً، بعدما تحدّته، وأذلته بتنفيذ إعدامات بذبح أمريكيين وبريطاني، ما ورّط أوباما الأخلاقي بحرب كان ينأى بأمريكا عنها، بعد نجاحه في النجاة من الحرب السورية، التي تجاوز عدد ضحاياها ونازحيها الملايين. وأضاف إلى أخلاقياته واقعية سياسية، تجلّت في تعليقاته على الثورة السورية، مبالغاً في الاستخفاف بها، ومانحاً المزيد من المهل المفتوحة للنظام السوري. ومازال حتى الآن غير مقتنع بوضع حدّ للمأساة السورية، ويعاند منتقديه على تقاعسه طويلاً عنها، مستنداً في ردّه عليهم ما يوحي بأن لديه استراتيجية تملي عليه عدم التدخل. وعندما اضطر إلى التدخل، لم تكن لديه استراتيجية.
تعاني المنطقة من ارتدادات الربيع العربي، للأنظمة التي ابتليت به، لا تطمح إلى احتوائه، بل إلى سحقه، وتحويله إلى ذكرى بائسة عن الفوضى، لئلا تفكر أجيال قادمة، مازالت في علم الغيب بربيع آخر. فالرد على الثورة بمقاييس عالية من القتل والدمار، كان ناجحاً، ينبغي أن يكون عبرة في التاريخ وإلى الأبد. فالأنظمة ما زالت تدور في دائرته، بحيث الأفعال يجب أن تأخذه بالاعتبار دائماً.
المنطقة موغلة في الفوضى، على الأقل من انعكاسات عدم استقرار بلدانها على قرار واحد، ما الذي يجمع يا ترى بين دول الخليج المتفرقة في الرأي، والعراق المنقسم على نفسه، والأردن المتردّد، بينما دولتا لبنان وسورية قرارهما خاضع للاستراتيجية الإيرانية، بسطت سيطرتها عليهما، من دون أن تعمل حساباً للغالبية العظمى من شعبيهما، فلا أسف على الخراب الذي حاق بسورية، أو بما يمكن أن يحيق بلبنان، مصالحها أولى. وتركيا لديها حساباتها البراغماتية، لن تقدم على أية حرب، إن لم تكن فيها حماية لمصالحها. بينما إسرائيل تراقب أوضاعاُ، تقدم لها أكثر مما كانت تحلم به، منذ إنشاء دولتها.
لا يقتصر هذا التشرذم على المنطقة، العالم أيضاً ممزق، فالتحالف شكلي، أشبه بالمعارضة السورية، لدى كل دولة أهدافها، فأمريكا لتنفي تقصيرها، لا تجد في عين العرب (كوباني) التي اقتحمتها “داعش” وسيطرت على أجزاء منها مأساة، الغارات لن تنقذها، كما أنها ليست هدفاً استراتيجياً، لكنها لن تثنيها وحلفاءها عن مواصلة استراتيجيتها في المنطقة على المدى الطويل، من دون الزجّ بقواتها البرية، لكنها تطالب تركيا بتولي الحرب البرية، تركيا طالبت بإقامة منطقة عازلة لاستقبال النازحين، ومنطقة للحظر الجوي. باريس أيدت هذا الخيار. أمريكا علقته؛ الفكرة مطروحة وتحتاج إلى دراسة متأنية، ثم قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن المنطقة العازلة ليست أمراً قيد التفكير حالياً. ثم عاد المتحدث ونفى الفكرة نهائياً.
بلغ عدد بلدان التحالف أربعين دولة، وكما يبدو المشاركة رمزية، بعضهم شارك بطائرتين، ربما لاكتساب الخبرة وللتدرب على تدمير أهداف حقيقية، والتسديد على بشر حقيقيين، ومنهم من شارك بلا شيء، التحالف حتى الآن لا يحرز تقدماً، “داعش” تتقدم على أكثر من جبهة، بالإضافة إلى حصارها عين العرب، نجحت في اقتحام الرمادي في الأنبار، بأسلوب كان نسخة طبق الأصل عن الذي اتبعته في الموصل. الجيش العراقي انسحب من مواقعه. “بان” الأمين العام للأمم المتحدة، واصل قلقه، في الآونة الأخيرة كان قلقاً بشدة.
لا اتفاق على الهدف من الحرب، الاستراتيجية الأمريكية غامضة. أوباما لا يفصح حتى الآن عما إذا كان يريد التعاون مع تركيا، أو ربما مع إيران والنظام السوري، وليس مستبعداً أنه على تعاون معهما، أو أنه يتخبط. التحالف ليس موحداً، “داعش” متحدة، تعرف ما تريد.
هذا حال حرب اضطرت إليها أمريكا قائدة التحالف، تذهب إليها مضطرة دونما رغبة، لو وجدت الذرائع للانسحاب منها فلن تتأخر، ليس من المهم أن تكون الذرائع أخلاقية، أو لا أخلاقية، فهي لم تهتم بمئات آلاف الضحايا من قبل، وتراجعت عن الخط الأحمر الكيماوي، فلماذا لا تتراجع عن خط لا لون له، لكن لا بدّ من عملية إخراج، لا تنجح إلا بسيناريو متقن
عن المدن
التعليقات مغلقة.