سوريا: معركة حماية الاحتياطي النقدي
يصدر مصرف سوريا المركزي، وبصورة دورية، قوائم تضم أسماءا لأشخاص سوريين مخالفين لأنظمة شراء القطع الأجنبي في البلاد. وهي أنظمة فرضت منذ اندلاع الثورة السورية قيوداً كثيرة على التعامل بالقطع الأجنبي، وذلك في محاولة لتخفيف وتيرة استنزافه.
وكان مصرف سوريا المركزي قد سمح للسوريين بشراء القطع الأجنبي من المصارف المرخص لها، وذلك للحد من تعامل السوريين مع السوق السوداء وتخفيف درجة تحكم تلك الأخيرة بسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار. لكن فتح باب الشراء كان مشروطاً في البداية بأن لا يتجاوز المبلغ الـ1000 دولار أميركي أو ما يعادله من العملات الأجنبية شهرياً، أو مبلغ 10 آلاف دولار أو ما يعادله سنوياً، وذلك لمن تجاوزت أعمارهم الـ18 عاماً، ولتمويل الأغراض “غير التجارية”. لكن المركزي قام في وقت سابق من هذا العام بتخفيض الحد المسموح بشرائه إلى 500 دولار فقط للمواطنين، و مبلغ 30 ألف دولار للتجار.
وحتى مع تلك المبالغ الزهيدة، وجد المصرف المركزي مئات المخالفين لقراراته، ما دفعه لإصدار قوائم بأسماء المخالفين بصورة دورية وخلال فترات تراوحت بين شهر وشهرين.
وضمت القائمة الصادرة أمس السبت أسماء 484 شخصاً ممن خالفوا أنظمة شراء القطع الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء وعن “هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”. وتراوحت المخالفات بين تجاوز الحد المسوح بشرائه (310 أشخاص)، وشراء القطع لغايات السفر من دون الإقدام على السفر (137 شخصاً)، وتجاوز الحد المسموح بشرائه لغاية السفر
(37 شخصاً).
ووجه المصرف المركزي للمخالفين إنذاراً بضرورة مراجعة المصرف خلال مدة أقصاها 30 يوماً لتسوية أوضاعهم أو “ملاحقتهم بجرمي تهريب القطع وغسل الأموال، إضافة إلى غرامة مالية نسبتها 100 في المئة من قيمة القطع الذي حصلوا عليه”.
يقول أبو قصي (50 عاماً)، وهو تاجر قطع أجنبي في السوق السوداء ويعمل في دمشق، بأن المصرف المركزي يشدد باستمرار سياسته تجاه كل مؤسسات الصرافة، سواء المرخصة أو تلك التي تعمل في السوق السوداء. ويصف أبو قصي في حديث لـ”المدن” سياسة المركزي في هذا السياق بأنها “حربية”. يقول: “يشن المركزي منذ نحو عام حرباً حقيقية على كل من يتعامل بالقطع الأجنبي، وخصوصاً على تجار السوق السوداء. حتى أن معظم هؤلاء التجار أوقفوا أعمالهم خوفاً من اعتقالهم”. وكانت أجهزة الأمن السورية قد اعتقلت العديد من تجار السوق السوداء وأجبرتهم على الظهور على التلفزيون الرسمي للاعتراف بـ “الأعمال التخريبية” التي قاموا بها. كما أغلقت العديد من محال الصرافة واعتقلت بعض أصحابها بتهمة مخالفة أنظمة القطع الأجنبي. وامتدت تلك المداهمات لأول مرة لتطال الساحل السوري، معقل النظام، ما يشير إلى أن الاخير لن يسمح بالتلاعب في تلك القضية الحساسة، أي قضية الحفاظ على مستوى مناسب وآمن من الاحتياطي النقدي.
لكن، وعلى النقيض من تلك السياسة الحذرة التي قد تشير إلى معاناة حقيقية من جراء استنزاف الاحتياطي النقدي للبلاد، تأتي تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة لتقلل من حدة هذا الاستنزاف. إذ أكد ميالة في وقت سابق لإحدى الصحف الحكومية أن “المخزون الاستراتيجي من القطع الأجنبي في الخزينة العامة السورية متوافر وبنسب عالية تكفي احتياجاتها”. وأضاف بأن “القطع الأجنبي الذي يدخل إلى المركزي أكثر من القطع الأجنبي الذي يخرج منه”.
لا يمكن التأكد من صدقيه تصريحات ميالة، رغم أن تقارير عديدة أفادت بحصول المصرف المركزي في العام الماضي على وديعة إيرانية “مجزية” بالقطع الأجنبي. ويمكن أن تكون تلك الوديعة هي ذاتها “الخط الائتماني” بمبلغ مليار دولار أمريكي، الموقع مع “بنك تنمية الصادرات الإيراني” قبل نحو عام ونصف، والذي يستخدمه النظام السوري للاستيراد.
عن المدن
التعليقات مغلقة.