(الحوار الكردي) مع النظام بين الوهم والحقيقة

194

كاظم خليفة

هناك اعتقاد شبه جازم من بعض الأحزاب والشخصيات الكردية على وجه الخصوص بوجوب التوجه إلى دمشق والحوار مع النظام بغية الوصول إلى حل للمسألة الكردية، ويرى هؤلاء بأن هذا الحوار هو السبيل الصحيح للوصول إلى دولة آمنة مستقرة.

ولعل البعض يوصف هذا الطرح بالموضوعية والعقلانية نتيجة ما آلت إليها الأوضاع السياسية والاقتصادية في سوريا حيث كاد أن يتلاشى مفهوم الثورة التي انطلقت من أجل الحرية واسقاط الاستبداد إلى مجرد أزمة ساهم في تفعيلها قوى خارجية وأخرى داخلية تعمل من أجل أجندات تلك القوى المتصارعة على الأرض السورية لتحقيق مصالحها بالإضافة إلى ترسيخ القناعات بعدم جدّية الدول الفاعلة في تطبيق القرارات الأممية ذات الشأن بحل المسألة السورية وإطالة الوضع المأساوي الذي يتعرض له الشعب السوري والدور الذي تقوم به روسيا على وجه الخصوص منذ بداية الثورة حيث استخدامها للفيتو ست عشرة مرة لعرقلة قرارات مجلس الأمن الداعية إلى انقاذ السوريين من القتل والتدمير والتهجير دفاعا عن وجود الأنظمة الاستبدادية التي تخدم مشروعها في المنطقة وقد استمرت روسيا بالوقوف مع النظام السوري والترويج بضرورة الحوار معه لما لها من وجود (شرعي) يؤهلها لتكون لها الدور الأكبر في إدارة الصراع والضغط باتجاه ما يخدم مصالحها بالتوازي مع ما تقوم به تركيا من خلال مرتزقتها وتهديداتها المستمرة بالسيطرة على المزيد من المناطق الكردية خاصة، كما فعلت من قبل بعفرين وسري كاني وكري سبي.

ولعل هذا الحوار المزمع مع النظام بتغطية أو توافق أميركي لتقاطع مصالحهما وكمساهمة في تفعيل مبادرة ملك الأردن عبدالله التي تبدو في ظاهرها تعويما للنظام ومحاولة لاحتضانه عربياً أو تغيير سلوكه كما يزعمون.

ولكن ما يهم هذه الدول ( روسيا أمريكا ) هو الجانب العملياتي لهذا الحوار حيث فتح بعض المعابر الحدودية والاشراف المشترك للقوات المتواجدة مع قوات النظام عليها وكذلك مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية ك داعش ومثيلاتها اضافة إلى العمل على انحصار النفوذ الإيراني في المنطقة. اما الجانب السياسي لهذا الحوار فليس له اية مدلولات واضحة وان الطرح السياسي في هذا الحوار لايختلف كثيرا عن الشعارات البراقة التي أطلقها النظام منذ عشرات العقود وكان من نتاجها الجبهة الوطنية التقدمية كمثال . و لعل ما صرح به مؤخرا وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قائلا: (يجب على الكرد ان يشعروا بأنهم جزء من المجتمع السوري حتى تكون روسيا على استعداد للوقوف مع مصالحهم ) لا يختلف في معناه عما كان ولازال الكرد متهمين به من قبل القوى المعادية للشعب الكردي على انهم (انفصاليون) وما عليهم إلا الذوبان في سوريا العربية واعتبار ذلك حقوقا ومكرمة منهم متجاهلين بان الكرد يعملون منذ عشرات السنين من اجل تحقيق الأخوة العربية الكردية ويعتبرون انفسهم مكونا أساسيا من مكونات الشعب السوري وساهموا بدمائهم وجهدهم واقلامهم في صون كرامة وحرية سوريا وكانوا ولازالوا يدعوون إلى الحوار إلا إن النظام لم يعترف بهم إلا موالين ومجرد ضيوف ويرفض الالتقاء بهم إلا على المستوى الأمني . اعتقد ان ما يذاع اليوم حول إمكانية حوار ( كردي مع النظام) خارج اطار القرارات الدولية ومن دون توافق كردي كردي على الأقل هو مجرد وهم واستنزاف لطاقات الشعب الذي يعيش على أرضه التاريخية وله حقوق قوميةوسياسية وثقافية يجب ان تصان في دستور البلاد. وليس من المنطق قبول فكرة ان سوريا يمكن أن تعود كما قبل ٢٠١١ او ان المسألة الكردية يمكن حلها بمعزل عن الحل السوري العام لذلك حتى وان تحقق هذا الحوار (الكردي مع النظام ) فلن تكون نتائجه إلا اوهاما قد تستفيد منه كل القوى المتصارعة باستثناء الكرد الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من القضية السورية عموما وكشعب يتصف بخصوصيته القومية والوطنية في ظل نظام استبدادي يفرض على الكرد وكل الوطنين ان يختاروا المعارضة كموقع صحيح لهم . وان تعثر العملية السياسية من خلال عمل اللجنة الدستورية او هيئة التفاوض لا يعني فشلها وان الكل بات يعلم بأن القضية السورية أضحت قضية دولية ولايمكن حلها إلا بتطبيق القرارات الدولية بالرغم من استفحال المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري .

المصدر: جريدة  نداء الاصلاح

التعليقات مغلقة.