حوار مع الشاعر جوان نبي
كثيراً ما ارتجفَ ونحنُ نتكلَّمُ عن صديقاتنا الشاعرات(الفاتنات طبعاً) في غرفة المدينةِ الجامعية ليهبَّ وكأنَ شبحاً قد لوَّحَ لهُ, كنتُ أعرف ماذا سيفعل سيكتب على الجدار أو على أي شيءٍ يصادفه. كنا كلنا نغار منه لأنه يتكلم اللغة الأم بطلاقةٍ مخيفة, إنه الشاعر الكوردي جوان نبي الذي أصدر إلى الآن ديواناً شعرياً يمكنني ترجمة عنوانه (بارداً كالخوف) ومعظم قصائد هذه المجموعة ترجمت إلى اللغة العربية, كما أن هناك ديواناً آخر له قيد الطبع, الملفت في تجربة الشاعر الشاب جوان نبي هو النضوج الذي ينفردُ به بين أقرانه ممن يكتبون باللغة الكوردية ويُعتبر من أهمّ الشعراء الشباب الأكراد في سوريا ومتحصل على جوائز كثيرة خلال المرحلة الجامعية, عن الشعر الكوردي وهواجس ذاته الشعرية كان هذا الحوار.
1- الشعرُ الكوردي , تاريخٌ طويل , لكن إلى الآن لا نجدهُ على خارطة الشعر العالمي , الشاعر جوان نبي برأيكَ ما هوَ السبب ؟
– خارطة الشعر العالمي هي ذاتها خارطة العالم, ولذلك فإننا نجد الشعر الكردي مبعثراً على الخارطة هذه, يتيماً ومتشرداً كتشرد الكرد ذاتهم, كتشرد شعراء الكرد أو الكورد كما تقول. هذا التشرد والعائد بأسبابه إلى وضع الأكراد السياسي هو ما يمنح سؤالك الشرعية, ولكن هذا لا يعني غياب الشعر الكردي عن الخارطة, بل له مكانته وإن لم تكن بالشكل المفترض والذي نرومه أنا و أنت. فالشعر الكردي مر بمراحله الطبيعية, مر بعصورٍ ذهبية, بعصورٍ غير ذهبية- وإن لم تلتفت الكاميرا إليه بعد- ففي العصر الحالي مثلاً هناك العديد من الشعراء الكرد الذين حققوا حضوراً شعرياً تجاوز بلادهم وترجمت قصائدهم إلى لغات كثيرة- وإن بقي هؤلاء الشعراء كتجارب فردية. فثمة شعر كردي في العصر الحالي يحاول البحث عن خصوصيته كمشروع, عن مكانته وإذ لم يبلغ أفقه بعد فلذلك أسبابه حيث يشكل وضع الأكراد السياسي وعدم وجود مؤسسات كردية أهم الأسباب, ليكون غياب الترجمة من وإلى الكردية سبباً مهماً أيضاً, غياب النقد, الشاعر الكردي والذي غالباً ما يكون منعزلاً عن حركات الشعر العالمي, مشغولاً بالشعر بطرق أخرى تختلف وخصائص العصر الشعري هذا, ولكن ثمة نقطة مهمة هنا وهي أن الكردي لم يعر الشعر اهتماماً كافياً بقدر اهتمامه بالأغنية التي شكلت وسيلة تعبير لديه فالملحمة الغنائية الكردية كانت البديل لدى الأكراد الذين وجدوا فيها خير وسيلة لتقولهم وتقول ما يريدون من قصص ورغبات.هذه الملاحم تنشد بلغة شعرية جميلة وفيها من الموسيقى والصور الشعرية والرؤى والأفكار ما يمنح المرء قدرة قراءتها دون لحن, بل وقراءتها كقصائد ولها أن تترجم أيضاً.
2- الشاعر جوان نبي, تجربتكَ الشعريّة تجربة شابَّة تحاول من خلالها تقديم قصيدة كورديَّة حداثويَّة إما عن طريق الفكرة أو الصورة الشعريَّة أو اللغة الشعريَّة, السؤال : ما هو مفهومكَ للحداثة في الشعر وما هيَ معايير القصيدة الحديثة , كيف يمكن تحديد الحديث في القصيدة (إن فكَّرنا في الموضوع كقواعد موجودة يمكن إتِّباعها)؟
– لكل من يطرق باب الشعر الرأي والذي ليس بالضرورة أن يتفق وآراء الشعراء الذين نظّروا وأتعبوا أنفسهم و أيضاً آراء النقاد المشغولين بإقناع الشعراء للكتابة عن مقالاتهم النقدية!! أنا وبعيداً عن الكتابة النقدية أو التنطيرية, لاسيما عن مفهوم يكثر الجدل عليه كمفهوم الحداثة والذي كلحظةٍ يصعب القبض عليها في تحولاتها التي لا تتوقف كما يقول الكاتب المكسيكي المعروف اوكتافيو باث, فإني أرى الضرورة في تعريف الحداثة وفتح أبواب القصيدة لها ولا أرى الضرورة في أن تكون هذه الحداثة متفقة مع القواعد الموجودة أو الحداثة في جغرافية أخرى تختلف عن جغرافيتنا فالحداثة مفهوم مكاني أكثر مما هو زمني فأنا أرى قصائد الملا جزري حداثوية وأرى العديد من قصائد شعراء زمننا كلاسيكية رغم أنها تكتب بأسلوب النثر, ففي ظل ما يسمى بالتفرد والذي هو الإبداع في نصفه تجتاحني الرغبة في كتابة هدفها الأول والأخير هو الجمال والذي هو الحداثة بذاته, ليطرح السؤال التالي نفسه وبعنف:
كيف نحقق الجمال شعراً؟
كيف للفكرة واللغة والصورة الشعرية أن يكونوا أدوات الجمال؟
والإجابة عن هذه الأسئلة لن تبتعد عن سؤال الحداثة والذي هو سؤال الحياة قبل الشعر, الذي هو بدوره ماء الحياة في صحراء أيامنا هذه. لغةً كانت,أو فكرةً, أو صورةً شعرية فللشعر الكردي أن يكون جميلاً وحداثوياً بالبحث عن طاقات اللغة الكردية المخزنة وغير المكتشفة, المختبئة في الحياة والشارع الكردي, وذلك لطرح أفكار وأسئلة تكون بقدر وجع وحلم الكاتب -وهي لن تكون دخيلةً أو غريبةً عن القارئ الذي لن يبحث عن نفسه فيها كثيراً- فلهذه الأفكار والأسئلة أن تحرض على حياة أجمل تكتشفها شعراً وتمنح لذة حين قراءتها والتي نسيها الشعراء بانشغالهم بحفظ القواميس, مبتعدين عن التصوير والذي هو كشف لعلاقات الحياة, لعلاقة الأشياء ببعضها, للمشترك وطرق الالتقاء بينها و لدلالات الحياة والأشياء. هذا التصوير وهذه الصور الشعرية هدفها تحريك مخيلة القارئ, وبذلك رغبته في الحياة وما يتفق معها بعد ظهور العديد من المفاهيم والتي جعلت من العيش مختلفاً.
3- ترجمة الشعر نجدها نَشِطَة في كل اللغات , لكن الملاحظ على الشعر الكوردي وجود فقر في الترجمة , الشاعر جوان نبي برأيكَ ما هو السبب ؟
– بتوجيه الكاميرا إلى حركة الترجمة من الشعر الكردي إلى اللغات الأخرى سنجدها جيدة بالمقارنة والحركة إلى اللغة الكردية, وذلك رغبةً من الكردي في التواصل وتقديم نفسه للآخر المتجاهل له ولثقافته. فالفقر في الترجمة وخاصة إلى الكردية له حضوره وهو السبب في غياب القصيدة الكردية المفترضة كما قلت وهذا الفقر يعود إلى الضغوط التي تمارس على اللغة الكردية, إلى غياب المؤسسات الكردية, لاسيما وإن الترجمة عمل مؤسساتي بامتياز, مؤخراً هنا وهناك بدأت حركة ترجمة جيدة إلى اللغة الكردية وذلك بجهود فردية من بعض الكتاب وقد أثرت هذه الحركة بشكل إيجابي على الثقافة والحياة الكردية.
4- الشاعر جوان نبي , كيف تنظر إلى الشعر الكردي الشاب في الرَّاهن ؟
– الشعر الكردي والذي يكتبه الشعراء الشباب كما تقصد وهو أيضاً شعرٌ شاب و متمرد, هو شعر له رؤيته, لغته الخاصة والتي تقترب من الحياة لتكون خريفها وطفولتها. ما يميز هذا الشعر هو أنه وليدٌ شرعي لثقافة الجيل الذي أتيح له فرصة قراءة الشعر العالمي وتجارب لم تكن متوفرة للجيل الذي سبقه وهو الجيل المشبع بالتراث الكردي قراءةً و معرفةً, لذلك تأتي قصيدته أكثر نضجاً وطرحاً للأسئلة و نزوعاً إلى العوالم الداخلية لشاعرها. هذه القصيدة وهي تعلن اكتشافاتها التي تستحق القراءة والترجمة تعلن تجربة توحي بولادة عصر ذهبي آخر للشعر الكردي, لا يقل عن عصر الملا الجزري وفقي تيران وإن اختلفت الأدوات و أعين الشعراء المراقبة.
5- الشاعر جوان نبي , حَدِّثنا عن ذاتك الشعريَّة ؟
– بدأت القراءة في زمنٍ من عمري لم يكن زمن القراءة , والذي ولد ورحيل خالي الذي فر هارباً إلى أوربا, لأرث مكتبته التي قرأتها وكرهت الكتب التي لم أفهمها آنذاك. قراءاتي والظروف التي تعرضت لها فيما بعد حرضتني على كتابة ابتسم كلما تذكرتها, ولكنها كانت الأصدق والأقرب إلى قلبي, ليمر الزمن وأرى أنني أدمنت الكتابة والبحث, والرغبة في الكشف والاكتشاف, أدمنت اللغة التي أصبحت أعيشها عن طريق الشعر وهو لا يترك لي فرصة الحياة كأصدقائي, أصبحت لا أعيد الكتب التي أستعيرها, أسرق من مكتبة أخي ما يعجبني من عناوين والكتب التي يتحدث أصدقائي عنها أشتريها قبلهم لأكون بمستوى الحوار معهم والآخرين, يوماً بعد الآخر وجدت أن الشعر يغزوا أفكاري ووجدت الحديث عن الشعر حواري الأساسي مع المحيط, لأنظر من خلاله إلى كل شيء وأراه مختلفاً. بدأت بالنشر, غدوت غزير النشر مع انتشار الصحافة الالكترونية والمتحررة إلى حد ما من الرقابة, أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى وغدوت أعرَف كشاعر وكشخص غريب وأنا لم أتمنى ذلك لي يوماً ما. لا أدري كيف وجدتني مشغولاً بالشعر حتى الغرق, وكيف إنني ما زلت كذلك؟! فالوقت هو للتأمل والمراقبة, للكتابة والعمل لأمضي من غبار القامشلي إلى قصيدتي, إلى اللغة التي أجاهد لإعادتها إلى طفولتها فتقول ما يحيرني- أنا العاشق, أتذكر أشياء كثيرة أحببتها, ولكن الشعر باحتلاله لي أعلنني مستعمرة وطرد كل شيء مني فكما كان ظهور القراءة المبكر في حياتي على حساب ألعاب طفولتي كذلك كان ظهور الكتابة والمبكر أيضاً على حساب مراهقتي, فأنا لا أجيد اللعب بالورق-الشدة- أسوة بأصدقائي ولم أعد أجيد لعب كرة القدم التي كنت ماهراً فيها, كل ما أريده هو أن أكتب, أن أفعل شيئاً يستحق أن يذكر, فروحي تفيض عن جسدي .
6- ثمَّة موضوعٌ يُدعى التأثُّر , الشاعر جوان نبي , بمن تأثَّرتَ من الشعراء ؟
– لا أعتقد أن هناك ما لا أتأثر به, سواء كانت قصائد شعرية أو حديث يدور بين شخصين في الباص مثلاً. أنا أتأثر بكل شيء وبكل ما أقرأه, أتأثر بصيحات الأطفال بائعي التبغ المهرب, بأحاديث الأصدقاء, بشتائمهم, أتأثر بكلمات الأغاني وبكل شيء, ولكن من الشعراء لا أتذكر أحداً تأثرت به دون غيره, لاسيما وأني أقرأ كثيراً وأقرأ شعراء ً لا تلتقي قصائدهم سوى تحت مظلة الشعر, لاسيما وأني أعرف الشعر مرآةً لي ولروحي وتعريفي للحياة, لحلمها, للحياة التي أرومها ولكل ما تحاول القصيدة اقتناصه لتقدم رؤيتها التي تجعل الحياة أجمل وأقل صعوبةً.
7- لكل شاعر طقوس معيَّنة لحظة الكتابة, الشاعر جوان نبي ما هيَ طقوس الكتابة لديك ؟
– لا لا توجد لدي طقوس محددة, لاسيما وأن الكتابة تشكل هاجساً لدي في كل لحظة, أمارسها بشكل شبه يومي وكل ما أريده حين الكتابة هو أن لا أكون مشغولاً بهواجس أخرى تعيق رغبتي في الكتابة, أن يكون الطقس هادئاً وأن أختلي بنفسي وهو السبب في أنني أبقى وحيداً كثيراً- الموضوع الذي يشغل أمي.
التعليقات مغلقة.