مقاومة عفرين والخيارات الصعبة
عبدالسلام أحمد
لم يكن في حسبان أغلبية المراقبين والمحللين السياسيين وقادة ما سُمّي بالثورة في سوريا، أن يصمد النظام لمدة تزيد عن ستة أشهر حتى يرحل كما رحل من سبقه من الحكام العرب ممن شهدت بلادهم الثورات، إلا أنّنا ندخل هذه الأيام السنة الثامنة من المِحنة، ولا يظهر في الأفق المنظور أيّ بصيص أمل في الحل السياسي وانتهاء الأزمة.
حكام دمشق مع حلفائهم الروس والايرانيين نجحوا في الاستراتيجية التي اتبعوها لمواجهة الحراك المدني السلمي في سوريا، وهي مستقاة من التجربة الجزائرية في مواجهة جبهة الإنقاذ الإسلامية بقيادة عباس مدني وعلي بلحاج في بداية التسعينات من القرن الماضي، والتي انتهت بانتصار العسكر وعودة الحرس الجزائري القديم لسدة الحكم.
النظام استخدم كل الأساليب لإقناع المجتمع الدولي بأنّه يواجه مجموعات إرهابية ونجح فيها، ولتحقيق ذلك أطلق سراح آلاف المجرمين الجنائيين والمتطرفين الإسلاميين من السجون والمعتقلات وأقبية المخابرات، حيث قاد المفرج عنهم خلال فترة زمنية قصيرة عشرات الكتائب السلفية وسيطروا على مفاصل المليشيات العسكريّة والكتائب التي تشكلت تحت مسمى الجيش الحر، وتحققت مرامي وأهداف النظام بتبني أغلبية الفصائل العسكريّة المقاتلة الفكر الجهادي السلفي، وظهور القاعدة ودولة الخلافة الإسلامية في أرض الشام والعراق (داعش).
فيما يتعلق بالشأن الكردي عملت الحكومة السورية جهدها على تحييد المناطق الكردية وإبقاءها هادئة وعلى مسافة من الحراك السوري العام وحرصت على تجنب الصدام العسكري وتفادى قمع المظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن والبلدات الكرديّة المطالبة بالحرية والديمقراطية وحل القضية الكردية، فالأولوية لديه أنصبت على إجهاض الانتفاضة في المناطق ذات الغالبية العربية، ومن ثم العودة لقمع الكرد، وإنْ استدعى الأمر العمل العسكريّ المشترك مع دول الجوار وإحياء الاتفاقيات الأمنية التي تستهدف الشعب الكردي.
أجندات الانتفاضة ويومياتها واعتماد الجوامع ومنابرها للتكبير ومراكز للحشد والتظاهر أثارت الهواجس والمخاوف لدى حركة المجتمع الديمقراطي من أنّ الصراع ينصب على السلطة، وهو ما ظهر بشكل جليّ من خلال هيمنة الاخوان المسلمين على قرار المعارضة السورية الممثلة بالائتلاف السوري المعارض، واستنجاد النظام في سوريّا بإيران وحزب الله اللبنانيّ والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية، ولم يكن من الصعب قراءة ما بين السطور، لذلك جاء الانتصار للخط الثالث والانحياز لخيار الشعب بتغيير النظام بكافة رموزه ومرتكزاته وبناء دولة ديمقراطية تعددية لامركزية ودستور جديد يضمن الحقوق الديمقراطية للشعب الكردي وفق العهود والمواثيق الدولية، ولحماية المنطقة بكافة مكوناتها تم تشكيل وحدات حماية الشعب والمرأة التي تصدت لمليشيات الجيش الحر التي أرادت تحويل مدننا لساحة قتال بينها وقوات النظام.
خيبات حكومة العدالة والتنمية وفشلها في تسويق مشروعها الإسلامي في كل من تونس وليبيا وسقوط حكومة محمد مرسي الاخوانية في مصر وعجز الجيش السوري الحر وجبهة النصرة المدعوم من تركيا في اجتياح المناطق الكردية والهزيمة التي لحقت بهم في مدينة سري كانية، وبروز نجم وحدات حماية الشعب والمرأة والتصدي البطولي لجنود دولة الخلافة الإسلامية في الشام والعراق (داعش) والانتصار المدوي في كوباني جعلت أنقرة تعيد حساباتها وتقرر التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري.
التحرك العملي للقوات التركية باتجاه الداخل السوري بدعوى طرد الدواعش جاء بعد أيام من تحرير منبج، ولم يأتي اختيار يوم ٢٤ آب ٢٠١٦، لبدء عملية درع الفرات مصادفة فهو يتزامن مع الذكرى المئوية لمعركة مرج دابق وانتصار الجيش العثماني على المماليك وبداية احتلاله للمنطقة والذي دام أربعمائة عام ، وما كان لتركيا لتخطو خطوة واحدة داخل الحدود السورية وتحتل مدينة جرابلس وإعزاز والباب لولا الضوء الأخضر الروسي والمقايضة التي عقدتها مع الحكومة التركية وبموجبها انسحب مقاتلي المعارضة السورية حلفاء تركيا من حلب.
العدوان التركي على عفرين مع القاعدة وبقايا فلول الدواعش وركاب الباصات الخضراء المرحلين لمدينة إدلب من المناطق السورية التي شهدت المصالحات المحلية وخفض التوتر التي جرت في إطار اتفاقيات أستانة برعاية تركية روسية إيرانية يأتي في نفس سياق الصفقات التي عقدها الروس مع الحكومة التركية بخصوص حلب، عفرين مقابل إدلب والغوطة الشرقية.
الحكومة الروسية التي باتت وصية على القرار السوري تتحكم بخيوط اللعبة وتعقد الصفقات مع تركيا بالنيابة عن دمشق، وتفاهمات من تحت الطاولة مع الأمريكان وقوات التحالف الدولي لتقاسم مناطق النفوذ وتقسيم سوريا إلى شرق الفرات وغربها، الحكومة الروسية وبابتزاز رخيص وضعوا إدارة عفرين بين خيار القبول بدخول الجيش السوريّ للمدينة وتسليم إدارتها لحكومة دمشق أو رفع الغطاء الجوي ومواجهة الجيش التركي الذي يهدد بالاجتياح والعدوان.
اللوحة معقدة جداً وهي بمثابة لعبة شطرنج يقتضي تحريك الحجر فيها الكثير من الحنكة والذكاء، دول تحقق مصالحها على حساب دماء الشعوب، وعفرين من المدن التي تدفع ضريبة هذه المصالح، ومع إدراك الأمريكان بأنّ العملية العسكرية التركية في عفرين تستهدف مصالحهم في شرق المتوسط إلا أن الموقف الأمريكي بدا متخاذلا تجاه الدولة التركية المارقة التي تغرد خارج سرب الناتو، لا بل أن المتحدثة باسم البيت الأبيض أعطت المسوغ والمشروعية للعدوان عندما صرحت وقالت (نعرف مخاوف تركيا الأمنية المشروعة ونأخذها بشكل جدي بعين الاعتبار. سنواصل العمل مع تركيا كحليف في الناتو ) وأشادت بالدور التركي في محاربة داعش مع أن واشنطن وغيرها من عواصم القرار العالمي يعلمون علم اليقين بإن الحكومة التركية تحتضن كل الجماعات السلفية الجهادية ومن يهاجمون عفرين اليوم هم الوجه الآخر من الدواعش .
أمام الصمت الدولي والتواطؤ الروسي وتخاذل التحالف الدولي بات الاختيار بين السيئ والأسوأ من جملة الخيارات الصعبة أمام شعبنا في عفرين وقواته المدافعة عن المدينة ، هبّة الكرد في الأجزاء الأربعة والمغتربات هي هبّة رجل واحد ودعم المقاومة في عفرين كافية لتغيير المعادلة ولجم العدوان التركي.
* قيادي في حركة المجتمع الديمقراطي(Tev-Dem)
نشر هذا المقال في العدد /76/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/3/2018
التعليقات مغلقة.