من التحريض على “قسد” إلى الانضمام معها ضمن “التحالف الدولي”

19

 

شورش درويش 

خلال الأيام القليلة الماضية شهدت مدن سوريا تجمّعات هاجم خلالها “المتظاهرون” قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ورغم المشاركة الهزيلة في تلك التجمّعات، إذ لم تصل في حدها الأعظمي لعشرات المشاركين، فإن ما جرى يكشف حضور مسألتين: الأولى، مشاركة المحسوبين والمقرّبين وإعلامي الدائرة الضيقة للسلطة مشفوعة بتحريض إعلامي من المنصّات الرديفة المموّلة من قبل السلطة، أي أن التظاهرات كانت ذات طابع موجّه من قبل السلطة. أما المسألة الثانية، فهي محاولة نسف مضمون الاتفاقات بين الحكومة الانتقالية وقسد من خلال ترديد شعارات رافضة لمبدأ الشراكة المقرّة في تلك الاتفاقات.

جاءت محاولات التعبئة والشحن العرقي بعد اللقاءات المتواصلة بين قسد ودمشق؛ فوفق وزير خارجية الحكومة الانتقالية أسعد الشيباني جرت خمسة لقاءات خلال الشهر الماضي. فريق قسد أوضح أن اللقاءات الأخيرة جاءت إيجابية في مجملها ويمكن البناء عليها، وبالمثل أكّد ممثل واشنطن توماس براك بأن “الأوضاع تمضي في الاتجاه الصحيح”، فيما لم يرشح عن سلطة دمشق أي تعبير يشي بالتوصل إلى تفاهمات جديدة لا سيما المسائل الفنية التي أفصحت عنها قسد كتشكيل ثلاث فرق عسكرية وألوية مرتبطة بها، بل إن الشيباني صرّح بأن ليس هناك “خطوات عملية” باتجاه تنفيذ اتفاقية 10 آذار/مارس، بمعنى أن الاجتماعات الأخيرة لم تمثّل أي خطوات عملية يمكن البناء عليها.

 التحريض المتواصل ضد قسد، وضد اتفاقية 10 مارس على وجه التحديد، يوضّح مستويات لتعدد خطاب السلطة التي تظهر للجانب الأميريكي والخارج التزامها المطلق ببنود الاتفاق، في حين تؤلّب أنصارها على قسد وعلى الاتفاقية نفسها عبر اتهام الأخيرة بالمماطلة دون تحديد أين تكمن تلك “المماطلة”، وكل ذلك ضمن حالة من الاعتباط والتخبط في سلوكها وعملها الأمني والحكومي وإصرارها على سياسة الأبواب الموصدة في وجه السوريين على تعدد مكوّناتهم واتجاهاتهم السياسية.

يُحسب لقسد أنها لم تنجر إلى خطاب تحريض موازٍ، ولا إلى دعوة أنصارها ومؤيديها، لا سيما في الخارج على درجة فاعليتهم وقدرتهم على التحشيد والمناصرة، للتنديد بالسلطة وسلوكها وماضيها القريب في ارتكاب المجازر. مثل هذا الانضباط يمكن وصفه بأنه قراءة هادئة للظرف الإقليمي المرتبط بمسار السلام الكردي – التركي وتأثير التصعيد في سوريا على أنشطة دعاة السلام داخل تركيا، مع الأخذ بالحسبان طبيعة الموقف الأميركي الراعي لعملية التفاوض، إذ إن الولايات المتحدة مقتنعة بالتزام قسد بتنفيذ التزاماتها تجاه دمشق، خاصة أن مسوّدة الاتفاق الأخير حول تشكيل فرق منبثقة عن قسد تنتشر في مناطق سيطرتها، هي واحدة من الأفكار التي تروق لواشنطن، مضافاً إلى ذلك تأييدها لفكرة تشكيل “غرفة أمنيّة مشتركة” لمحاربة تنظيم داعش. من شأن تشكيل هذه الغرفة أن تُسند عملية مكافحة الارهاب للطرفين بصورة رسمية، وهو ما يعني ترسيخ حضور قسد في المشهد العسكري والأمني في عموم سوريا، وقد يكون تطلّع واشنطن لمثل هكذا تعاون بأنه يمثّل فرصة لتخفيف الاحتقان ومنع انتكاس حالة السلام الهشّة بين دمشق وقسد.

بيد أن السؤال الكبير يتمحور حول قدرة سلطة الشرع على الاندماج العكسي، أي العمل تحت إشراف التحالف الدولي وقسد والاستفادة من خبرتهما الطويلة في مسار مكافحة الإرهاب. كما لا يبدو أن تصريحات الثنائي (الشرع والشيباني) حول قدرتهما على محاربة داعش مقنعة للولايات المتحدة، فوق أن خطاباتهما الموجهة للغرب حول مواجهات سابقة مع التنظيم غير مقنعة وتفتقر لأي دليل حول صدقيتها.

من المزمع أن يزور الرئيس الانتقالي أحمد الشرع البيت الأبيض هذا الشهر. أحد الملفّات التي سيجري التركيز عليها هو الإعلان عن انضمام دمشق للتحالف الدولي لمحاربة داعش، وهذه مسألة تبدو محرجة لسلطة قادمة من متنٍ جهاديّ كان يزاحم داعش حتى وقتٍ قريب على المكانة والنفوذ، وقد يكون من شأن الانضمام حصول انشقاقات داخلية، فالسلطة التي بدت ضعيفة وغير حازمة في معالجة ملف مخيم الفرنسيين، وقبلت بوساطة الجهاديين الأوزبك والتركستان، لا يمكنها أن تدير ملف داعش، كما لا يمكنها كسب المجموعات الجهادية الأجنبية إلى جانبها عند إعلان الحرب على داعش، ولأجل ذلك فإن التصوّر الأقرب هو أن تنضم دمشق للتحالف الدولي دون أن تفي بالتزاماتها أو أن تشتغل بجدية ضد داعش والجماعات المتطرّفة أو المدرجة على قوائم الإرهاب.

خلال لقاء الرياض في 14 مايو/أيار الماضي عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائمة مطالب مقتضبة على الشرع، كان بينها “تحمّل المسؤولية” عن مراكز احتجاز عناصر تنظيم داعش في شمال شرق سوريا، ومساعدة الولايات المتحدة في منع عودة التنظيم. لكن، منذ ذلك اللقاء وحتى اللحظة لم يُقدِم الشرع على أي خطوة تعبّر عن رغبته في تحمّل مسؤولياته، وقد يكون السبب وراء ذلك هو إصراره على أن يتولّى الملف بمفرده دون مشاركة قسد، ولعلّ تساهل واشنطن وترحيبها بإدماج سلطة الشرع في المجتمع الدولي ورفع بعض العقوبات لا يعني بحال التساهل في مسار مكافحة داعش وتنصيب الشرع مسؤولاً أوحداً عن هذا الملف الذي حقّق فيه التحالف بين واشنطن وقسد نجاحات متراكمة.

من الناحية الشكلية ستقدّم دمشق نفسها للرأي العام الدولي من الآن فصاعداً كطرف يحارب الإرهاب، وهي واحدة من مفارقات المشهد السوري الكثيرة، لكنها في الوقت ذاته ستتوخّى الانخراط الجدي في هذا المشروع لعطب داخل السلطة نفسها حيث لا يمكنها أن تعمل كجهاز يكافح التطرّف فيما تقوم بتسمينه داخل ثكنات الجيش ومخيّمات المقاتلين الأجانب وداخل بعض المساجد وعبر نشر أفكارها الخاصّة داخل الحواضن السنّية المعتدلة مستهدفةً الأجيال الجديدة. ورغم ذلك ستكرّر سلطة دمشق ما قاله الشرع حين عرض عبر محطة تلفزيونية أميركية خدماته في مسار مكافحة الإرهاب والدعوة تالياً للاستغناء عن قسد. لكنّ عرض الخدمات يحتاج إلى تعاون مع الوكالات الأميركية والبنتاغون ومع قسد، ذلك أن التعاون مع واشنطن لا يعني الشطب على قسد لأجل شريك غير موثوق لم يقدّم أي دليل حتى اللحظة في مجال محاربة التطرّف.

يبدو أن تجريب واشنطن خطّة سحب الشرع من يد عُصبته الجهادية، لن يخلو من العقبات، هذا إن لم نقل بأن هذا التجريب لن يكلّل بالنجاح، لأنه مشابه حتى درجة بعيدة لسياسة واشنطن السابقة حين سعت إلى تقديم الإغراءات لبشار الأسد لتغيير سلوك نظامه وفكّ ارتباطه بالمحور الإيراني وتساهلت معه في مسار التطبيع السوري العربي، لكنها صدمت في النهاية بتجذّر التحالفات داخل بيت النظام الأسدي.

ثمة طريقٌ سهلة لاستكشاف جدّية الشرع في مجال محاربة داعش وهي قدرته على التفاهم مع قسد قبل كل شيء، وليس التحريض ضدها بوسائل لا تخلو من الابتذال وتهديدها والتأليب عليها والدعوة لنسف اتفاقية 10 مارس/آذار. من منظور عمليّ لن يستطيع الشرع تقديم نفسه كبديل لقسد ذلك أن الكلمة الفصل في هذا المسار ستبقى للوكالات الأميركية والبنتاغون والمشرفين على الأرض ضمن قوات التحالف الدولي.

المصدر: المركز الكردي للدراسات

 

التعليقات مغلقة.