الصناعة والمهن اليدوية الكردية في أوائل القرن العشرين.. زيت الزيتون

135

 

 

فارس عثمان

– كانت في منطقة كرداغ 12 معصرة للزيتون، قبيل الاحتلال الفرنسي، ونتيجة التوسع في زراعة الزيتون ازدادت عدد المعاصر في أربعينيات القرن الماضي إلى حوالي مائة معصرة

– بعد قطف وجمع وتنظيف الزيتون من الأغصان والتراب والحصى، من خلال تذريته في الهواء، يتم جمعه في أكياس من الخيش، ويفرز حسب استخدامه إما للأكل بعد كبسه وتحليته بطرق مختلفة، أو عصره في معاصر خاصة، وانتشرت هذه المعاصر بكثرة في منطقة كرداغ ” عفرين”.

 

لم تكن هناك صناعات بمعنى الصناعة، أي ما يمكن أن تسميه بالصناعة في بداية القرن العشرين وحتى خلال فترة الانتداب الفرنسي في المناطق الكردية في سوريا، إنما كانت هناك بعض الحرف والمهن اليدوية التي توارثها الكرد عن آبائهم وأجدادهم، أو التي تعلموها من اليهود والأرمن وفيما بعد من السريان.

الكاتب والباحث فارس عثمان

كان غالبية الكرد يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون في معيشتهم على نمط الإنتاج الريفي الكلاسيكي، ونظراً لانعدام المصانع والآلات الصناعية وحتى أية فكرة عن الإنتاج الصناعي واستخدامات الآلات الميكانيكية في معظم المجالات حتى في مجال الزراعة بشكل شبه كلي في المجتمع الكردي، لذك ضعف الاهتمام بالصناعة الحديثة، التي تطورت بشكل كبير في تلك الفترة في الدول الغربية، وانتقلت إلى مدن سورية الرئيسية خاصة حلب ودمشق.

إلا أن ذلك لا يعني أن الكرد كانوا متخلفين ومعزولين عن العالم، فقد ساهمت زياراتهم المتكررة إلى حلب ودمشق وغيرهما من المدن السورية، أو إلى العراق ولبنان وتركيا في التعرف على التطور التقني الكبير في مجال الصناعة والزراعة، وقد دفع ذلك البعض ولا سيما الأغنياء والميسورين منهم إلى إرسال أولادهم إلى دمشق وحلب للدراسة، لاكتساب العلم والمعرفة، والاستفادة من خبراتهم فيما بعد، وخلال الانتداب الفرنسي على سوريا، وبعد الاطلاع على النهضة الفرنسية والأوربية، ومن خلال التواصل مع الحرفيين والمهنيين الأرمن واليهود والسريان، احترف قسم كبير من الكرد بعض الحرف والمهن وأصبحوا حاذقين فيها. في الجزيرة  وكوباني وعفرين، وغيرها من المناطق التي استقر فيها الكرد، كدمشق وحلب وغيرهما من المناطق السورية التي استقر فيها الكرد.

تنوعت الحرف والمهن اليدوية لدى الكرد حسب طبيعة عملهم وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية مع محيطهم، ومن أهم هذه الحرف:

 

– زيت الزيتون:

بعد قطف وجمع وتنظيف الزيتون من الأغصان والتراب والحصى، من خلال تذريته في الهواء، يتم جمعه في أكياس من الخيش، ويفرز حسب استخدامه إما للأكل بعد كبسه وتحليته بطرق مختلفة، أو عصره في معاصر خاصة، وانتشرت هذه المعاصر بكثرة في منطقة كرداغ ” عفرين”.

 

تتكون المعصرة من رحى حجرية وزن الحجر بين 1500 – 3000 كغ تبعا لعدد الاحجار في المدرس الذي يتراوح بين 2 – 4، وتصنع الحجارة من الغرانيت الصلب، ويجب أن لا يكون سطح حجر الرحى أملسا لتحاشي إنتاج جزيئات ناعمة من عجينة الزيتون تعيق عملية فرز الزيت في المكبس، ويجب أن لا تتجاوز مدة طحن ثمار الزيتون عن حوالي نصف ساعة، أي بين20 – 30 دقيقة، وخاصة إذا كانت الأحجار ثقيلة لأن العجينة الناعمة لا تسمح بتشكل فراغات فيها أثناء الضغط مما يقلل من جريان الزيت وبالتالي نقص الإنتاج.

 

يعصر الزيتون على ثلاث مراحل، فبعد قطف الثمار وتنظيفها، وتنقية الزيتون من التراب والحصى والأوراق العالقة به، يوضع في منطقة مخصصة في المعصرة، وهي عبارة عن جرن كبير مملوء بالماء يسمى ” الجرن”، ليتم غسل الثمار جيداً، ويُنقل إلى القسم الآخر، وهو “الكسارة” ليتم طحن الحب، و”الكسارة” عبارة عن حجر كبيرة تشبه “الرحى” مثقوبة بالوسط يصب الزيتون بهذا الثقب، ولها من أحد أطرافها ثقب آخر، تُعلق به عصا كبيرة تربط إلى ظهر أحدى حيوانات الجر ليقوم بتحريكها من خلال الدوران بهذه “الرحى” الكبيرة، وخلال عملية الدوران يتم طحن الحب بشكل كامل ليصبح جاهز للعصر. يتم نقل المعجون ويوضع على قطع كبيرة من القماش القاسي تسمى “العلائق”، ليوضع الزيتون المطحون بداخلها، ويتم ربطها بإحكام، وتوضع فوق بعضها البعض، وبعد ذلك توضع بآلة العصر ويتم ضغطها بـ”الكباس”، وهو قطعة دائرية من المعدن تركب على مجرى فيه شرار من الأعلى، ويعتمد على طريقة التدوير، ويحتاج إلى قوة عضلية كبيرة، حتى يتم ضغط “العلائق” بقوة ليعصر الزيتون الموجود بداخلها ويخرج الزيت، وبعد أن توضع “العلائق” بآلة العصر يُسكب عليها ماء ساخن لكي يساعد على الضغط بشكل أفضل، ويسيل الزيت والماء العالق به إلى “الجرن”، وهو جب محفور بالصخر تحت آلة العصر، وبعد أن يمتلأ هذا الجب يترك برهة من الوقت حتى يطفو الزيت على سطحه، وينزل “الزبار – العفارة” إلى الأسفل، و”الزبار” هو الماء والشوائب الأخرى التي بقيت معه، فيأتي عامل مختص ويقوم بتعبئة الزيت في أوعية خاصة، ويبقى “الزبار” بأسفل الجب الذي يوجد ثقب بأسفله يُفتح فيخرج “الزبار” عبر ساقية محفورة بالصخر إلى خارج المعصرة، وأما ما يبقى داخل “العلائق” فيسمى “البيرين”، يعبأ بأكياس الخيش ليتم بيعه في مراكز المدن. أما الزبار فيتم جمعه في أوعية نحاسية خاصة، ويتم معالجته بطريقة معينة، ليصنع منه الصابون، ويطلق على النساء اللواتي يأخذن “الزبار” ويصنعن منه الصابون اسم “البلادات”.

 

تحتاج المعصرة إلى معلم ومشرف على المعصرة وعدد من العمال لا يقلون عن  عشرة عمال وحرفيين حتى يستطيعوا تشغيلها بشكل جيد، عاملان يقومان بغسل الزيتون وتنظيم الدور، وعاملان آخران للعمل على الكسارة ومراقبتها، وعامل على النار لتسخين الماء وسكبه على “العلائق”، و”تربجيان”،و”التربجي” هو العامل الذي يقوم بتعبئة “العلائق” بالزيتون المطحون، و”المعلم” وهو الذي يعمل على آلة العصر ويضع “العلائق” في مكانها على “المكبس” ويساعده عاملان في عملية ضغط “المكبس”، إضافة إلى عدد من النسوة لنقل الماء إلى المعصرة.

كانت في منطقة كرداغ 12 معصرة للزيتون، قبيل الاحتلال الفرنسي، ونتيجة التوسع في زراعة الزيتون ازدادت عدد المعاصر في أربعينيات القرن الماضي إلى حوالي مائة معصرة، انتشرت هذه المعاصر القديمة في كافة المدن والبلدات  وأغلبية القرى في عفرين. ونتيجة رواج تجارة وبيع الزيت والصابون تم تحويل هذه المعاصر بشكل تدريجي إلى معاصر آلية أكثر إنتاجا، وأقل كلفة.

صناعة صابون بعد جمع الزبار من المعصرة يوضع في قدور نحاسية كبيرة خاصة، ثم تضاف إليها ماءات الصوديوم، بعدها توضع هذ القدور على نار حتى تغلى بشكل جيد، تقترب حرارتها من مئتي درجة مئوية، حيث يتم تقليب الخليط وهو على النار وذلك حتى تحدث عملية التصبين أي تحرير الجليسيرين من الخليط، ثم وبعد ذلك تتم إزالة القدور من فوق النار ويصب الخليط في قوالب خشبية او حجرية ويترك حتى يبرد ويتماسك لعدة أيام متتالية، ثم يقطع إلى قطع مربعة متساوية او مستطيلة، لتباع في الأسواق.

 

نشر هذا التقرير في العدد /74/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/2/2018

التعليقات مغلقة.