سوريا بين سجنين
يعمل النظام السوري منذ آذار (مارس) 2011 وحتى اللحظة، على إنتاج نسخ جديدة، معدّلة، من كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” الصادر عام 1975. طوّر آليات التعذيب ومنح مفهوم العقاب أبعاداً جديدة، تطفو على الجسد والروح في آن، وتشمل معارضيه كما مواليه.
“البرميل” الذي يدفعه الجندي السوري برجله من الطائرة، لا يعرف وجهته جيداً. “برميل” عشوائي قد يسقط فوق عائلة معارضة، وربما يقتل عائلة موالية. القنص أيضاً. الصواريخ، القذائف، الطائرات، صوتها يملأ أنحاء “الوطن” بما فيه “سوريا المفيدة”. في المعارك الوجودية، على الموالين أن يتحمّلوا عبء العقاب مثلهم مثل المعارضين. وذلك العبء الذي تحمّلوه ثلاث سنوات ونيف، لا يؤجج غضبهم من نظام يبايعونه بـ”الروح والدم” ويقدّمون له أجساد أولادهم محتفظين بأرواحهم في صور معلقة على الجدران مع شريط أسود يعلن رحيلهم، بل يملأهم كراهية للسوري الآخر الذي “بسببه” يشنّ النظام حربه الطاحنة تلك.
السجن الذي يتحدث عنه فوكو في كتابه الشهير، حوّله النظام السوري إلى سجن مزدوج يشمل داخل الوطن كما خارجه. فيصبح جسد السوري أينما حلّ، هو سجن خاص يتنقّل به. يصبح الجسد، المهجّر واللاجئ والهارب، سجن الروح وزنزانتها. يصبح خارج “الوطن” هو السجن. ويصبح داخل الوطن سجناً من نوع آخر، له أبواب موصدة وأقفال. وبين السجنين، ثمة حدود تحكمها آله النظام الأمنية، التي تحولت مع الوقت إلى “قوة احتلال” أكثر منها آلة رقابة مخابراتية، قمعية، مستبدّة ومجرمة. النظام السوري فرّغ تلك المفردات من وظيفتها المفترضة كأداة ردع عندما ساوى بين “المذنب” و”البريء”. ساوى بينهما عندما عرّضهما للأخطار نفسها، وللخوف ذاته وصدى الأصوات المرعبة لكلا الطرفين.
اللاجئون السوريون الذين دمرت بيوتهم وقتل أولادهم وحرموا من “رفاهية” العيش تحت “سقف الوطن”، ليسوا معارضين بالضرورة. بل ضحايا لما يدّعيه النظام من “مؤامرة كونية”. إلا أنهم هربوا! من دون أن يحزروا أن هربهم “جريمة” سيحاسبون عليها. كان ينبغي عليهم الصمود تحت زخ الرصاص والصواريخ، إما يموتوا في “أرضهم” أو ينجوا. هربهم من الداخل المشتعل إلى الخارج “الآمن” نسبياً، جعلهم يعيشون سجنين. الداخل ممنوع والخارج ممنوع أيضاً. وتحوّلت أجسادهم إلى سجون متنقلة معهم بين خيمة وأخرى، وبلد وآخر، وقارب معرّض للغرق.
عندما رفض النظام السوري استقبال العائلات الهاربة من معارك عرسال قبل أسبوعين ثم استقبل النساء والأطفال بعد يومين من الانتظار، أعلن من دون مواربة، أنه “قوة احتلال”. العودة ليست متاحة والخارج بات سجناً. وعلى من قرّر الخروج، تحمّل وزر خطاياه. بينما يسمح للمقرّبين من النظام، الأثرياء، الذين يسكنون في وسط بيروت مطلّين على البحر أو على الجبل، العودة متى شاؤوا. مع أنهم ارتكبوا الجرم ذاته، حملوا عائلاتهم وسكنوا في بيروت خوفاً من الموت أو الخطف، وتركوا نظامهم وحيداً في وجه “الإرهابيين”. اللاجئون نفسهم، اقتيدوا إلى سفارة “بلادهم” للإدلاء بأصواتهم و”انتخاب” بشار الأسد، رئيساً لهم.
وقبلها بأشهر، تداول مقرّبون من النظام، قراره الاستيلاء على البيوت المهجورة التي تركها أصحابها هاربين من الموت. فكرة الاستيلاء هذه، تحمل أبعاداً أخرى من العقاب. من خرج، لا داعي لأن يعود. البيت بمعناه الرمزي، هو نوع من أنواع الانتماء إلى المكان، والحرمان منه يعني الحرمان من المكان والشعور بالانتماء. إنها نية النظام تفريغ البلد الذي يحكمها ويمتلكها وهو وحده من يقرّر أن يستقبل فيها أو يطرد منها من يشاء. هنا أيضاً يتحول البيت/الانتماء، إلى سجن أنت تملك مفاتيحه. إما تعيش فيه بإرادتك فتحافظ عليه، أو تهجره بإرادتك أيضاً فتفقده. مفهوم جديد للاستيطان، وولادة مستوطنين جدد يحملون الجنسية ذاتها ويتقاسمون الهواء نفسه والجغرافيا والتاريخ والذاكرة.
اليوم، يخترع النظام وسيلة جديدة للعقاب تتعدّى الجسد لتتسلل إلى الروح والنفس. أصدر “قوانين” جديدة بشأن تجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج مكرهين وللسوريين الفلسطينيين. وتشمل القوانين، باعتبار أنه هو القانون، المتخلفين عن خدمة العلم والمطلوبين لمراجعة أمنية، ومن لا يملكون إقامة في الدول التي لجأوا إليها. أي أنها تشمل كل سوريي الخارج تقريباً. أما من يسمح له بتجديد جواز سفره، فيمنح ستة أشهر غير قابلة للتجديد! قد تكون الستة أشهر كافية ليكرّر اللاجئ لجوءه إلى دولة أخرى غير لبنان أو الأردن أو تركيا، أو يواجه عقوبة السجن حسب قوانين البلد الذي لجأ إليه. إنها دعوة مفتوحة للسوريين ليرحلوا نهائياً، لحرمانهم حتى من ترف الوجود في مكان قريب من سوريا، والنظر إلى قمم جبال تفصلهم عمن يحبّون. إنها دعوة لحسم الخيارات، لتخليص “سوريا المفيدة” من أبنائها غير المفيدين. إنها محاولة للتضييق على الروح بعد أن نجا الجسد من الموت في الداخل.
ديمة ونوس / عن صحيفة المدن الإلكترونية
يعمل النظام السوري منذ آذار (مارس) 2011 وحتى اللحظة، على إنتاج نسخ جديدة، معدّلة، من كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” الصادر عام 1975. طوّر آليات التعذيب ومنح مفهوم العقاب أبعاداً جديدة، تطفو على الجسد والروح في آن، وتشمل معارضيه كما مواليه.
“البرميل” الذي يدفعه الجندي السوري برجله من الطائرة، لا يعرف وجهته جيداً. “برميل” عشوائي قد يسقط فوق عائلة معارضة، وربما يقتل عائلة موالية. القنص أيضاً. الصواريخ، القذائف، الطائرات، صوتها يملأ أنحاء “الوطن” بما فيه “سوريا المفيدة”. في المعارك الوجودية، على الموالين أن يتحمّلوا عبء العقاب مثلهم مثل المعارضين. وذلك العبء الذي تحمّلوه ثلاث سنوات ونيف، لا يؤجج غضبهم من نظام يبايعونه بـ”الروح والدم” ويقدّمون له أجساد أولادهم محتفظين بأرواحهم في صور معلقة على الجدران مع شريط أسود يعلن رحيلهم، بل يملأهم كراهية للسوري الآخر الذي “بسببه” يشنّ النظام حربه الطاحنة تلك.
السجن الذي يتحدث عنه فوكو في كتابه الشهير، حوّله النظام السوري إلى سجن مزدوج يشمل داخل الوطن كما خارجه. فيصبح جسد السوري أينما حلّ، هو سجن خاص يتنقّل به. يصبح الجسد، المهجّر واللاجئ والهارب، سجن الروح وزنزانتها. يصبح خارج “الوطن” هو السجن. ويصبح داخل الوطن سجناً من نوع آخر، له أبواب موصدة وأقفال. وبين السجنين، ثمة حدود تحكمها آله النظام الأمنية، التي تحولت مع الوقت إلى “قوة احتلال” أكثر منها آلة رقابة مخابراتية، قمعية، مستبدّة ومجرمة. النظام السوري فرّغ تلك المفردات من وظيفتها المفترضة كأداة ردع عندما ساوى بين “المذنب” و”البريء”. ساوى بينهما عندما عرّضهما للأخطار نفسها، وللخوف ذاته وصدى الأصوات المرعبة لكلا الطرفين.
اللاجئون السوريون الذين دمرت بيوتهم وقتل أولادهم وحرموا من “رفاهية” العيش تحت “سقف الوطن”، ليسوا معارضين بالضرورة. بل ضحايا لما يدّعيه النظام من “مؤامرة كونية”. إلا أنهم هربوا! من دون أن يحزروا أن هربهم “جريمة” سيحاسبون عليها. كان ينبغي عليهم الصمود تحت زخ الرصاص والصواريخ، إما يموتوا في “أرضهم” أو ينجوا. هربهم من الداخل المشتعل إلى الخارج “الآمن” نسبياً، جعلهم يعيشون سجنين. الداخل ممنوع والخارج ممنوع أيضاً. وتحوّلت أجسادهم إلى سجون متنقلة معهم بين خيمة وأخرى، وبلد وآخر، وقارب معرّض للغرق.
عندما رفض النظام السوري استقبال العائلات الهاربة من معارك عرسال قبل أسبوعين ثم استقبل النساء والأطفال بعد يومين من الانتظار، أعلن من دون مواربة، أنه “قوة احتلال”. العودة ليست متاحة والخارج بات سجناً. وعلى من قرّر الخروج، تحمّل وزر خطاياه. بينما يسمح للمقرّبين من النظام، الأثرياء، الذين يسكنون في وسط بيروت مطلّين على البحر أو على الجبل، العودة متى شاؤوا. مع أنهم ارتكبوا الجرم ذاته، حملوا عائلاتهم وسكنوا في بيروت خوفاً من الموت أو الخطف، وتركوا نظامهم وحيداً في وجه “الإرهابيين”. اللاجئون نفسهم، اقتيدوا إلى سفارة “بلادهم” للإدلاء بأصواتهم و”انتخاب” بشار الأسد، رئيساً لهم.
وقبلها بأشهر، تداول مقرّبون من النظام، قراره الاستيلاء على البيوت المهجورة التي تركها أصحابها هاربين من الموت. فكرة الاستيلاء هذه، تحمل أبعاداً أخرى من العقاب. من خرج، لا داعي لأن يعود. البيت بمعناه الرمزي، هو نوع من أنواع الانتماء إلى المكان، والحرمان منه يعني الحرمان من المكان والشعور بالانتماء. إنها نية النظام تفريغ البلد الذي يحكمها ويمتلكها وهو وحده من يقرّر أن يستقبل فيها أو يطرد منها من يشاء. هنا أيضاً يتحول البيت/الانتماء، إلى سجن أنت تملك مفاتيحه. إما تعيش فيه بإرادتك فتحافظ عليه، أو تهجره بإرادتك أيضاً فتفقده. مفهوم جديد للاستيطان، وولادة مستوطنين جدد يحملون الجنسية ذاتها ويتقاسمون الهواء نفسه والجغرافيا والتاريخ والذاكرة.
اليوم، يخترع النظام وسيلة جديدة للعقاب تتعدّى الجسد لتتسلل إلى الروح والنفس. أصدر “قوانين” جديدة بشأن تجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج مكرهين وللسوريين الفلسطينيين. وتشمل القوانين، باعتبار أنه هو القانون، المتخلفين عن خدمة العلم والمطلوبين لمراجعة أمنية، ومن لا يملكون إقامة في الدول التي لجأوا إليها. أي أنها تشمل كل سوريي الخارج تقريباً. أما من يسمح له بتجديد جواز سفره، فيمنح ستة أشهر غير قابلة للتجديد! قد تكون الستة أشهر كافية ليكرّر اللاجئ لجوءه إلى دولة أخرى غير لبنان أو الأردن أو تركيا، أو يواجه عقوبة السجن حسب قوانين البلد الذي لجأ إليه. إنها دعوة مفتوحة للسوريين ليرحلوا نهائياً، لحرمانهم حتى من ترف الوجود في مكان قريب من سوريا، والنظر إلى قمم جبال تفصلهم عمن يحبّون. إنها دعوة لحسم الخيارات، لتخليص “سوريا المفيدة” من أبنائها غير المفيدين. إنها محاولة للتضييق على الروح بعد أن نجا الجسد من الموت في الداخل.
– See more at: http://www.almodon.com/culture/ebab58a5-6a1d-4daf-8b11-25c4f2e33f87#sthash.oZxkTsJA.dpuf
يعمل النظام السوري منذ آذار (مارس) 2011 وحتى اللحظة، على إنتاج نسخ جديدة، معدّلة، من كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” الصادر عام 1975. طوّر آليات التعذيب ومنح مفهوم العقاب أبعاداً جديدة، تطفو على الجسد والروح في آن، وتشمل معارضيه كما مواليه.
“البرميل” الذي يدفعه الجندي السوري برجله من الطائرة، لا يعرف وجهته جيداً. “برميل” عشوائي قد يسقط فوق عائلة معارضة، وربما يقتل عائلة موالية. القنص أيضاً. الصواريخ، القذائف، الطائرات، صوتها يملأ أنحاء “الوطن” بما فيه “سوريا المفيدة”. في المعارك الوجودية، على الموالين أن يتحمّلوا عبء العقاب مثلهم مثل المعارضين. وذلك العبء الذي تحمّلوه ثلاث سنوات ونيف، لا يؤجج غضبهم من نظام يبايعونه بـ”الروح والدم” ويقدّمون له أجساد أولادهم محتفظين بأرواحهم في صور معلقة على الجدران مع شريط أسود يعلن رحيلهم، بل يملأهم كراهية للسوري الآخر الذي “بسببه” يشنّ النظام حربه الطاحنة تلك.
السجن الذي يتحدث عنه فوكو في كتابه الشهير، حوّله النظام السوري إلى سجن مزدوج يشمل داخل الوطن كما خارجه. فيصبح جسد السوري أينما حلّ، هو سجن خاص يتنقّل به. يصبح الجسد، المهجّر واللاجئ والهارب، سجن الروح وزنزانتها. يصبح خارج “الوطن” هو السجن. ويصبح داخل الوطن سجناً من نوع آخر، له أبواب موصدة وأقفال. وبين السجنين، ثمة حدود تحكمها آله النظام الأمنية، التي تحولت مع الوقت إلى “قوة احتلال” أكثر منها آلة رقابة مخابراتية، قمعية، مستبدّة ومجرمة. النظام السوري فرّغ تلك المفردات من وظيفتها المفترضة كأداة ردع عندما ساوى بين “المذنب” و”البريء”. ساوى بينهما عندما عرّضهما للأخطار نفسها، وللخوف ذاته وصدى الأصوات المرعبة لكلا الطرفين.
اللاجئون السوريون الذين دمرت بيوتهم وقتل أولادهم وحرموا من “رفاهية” العيش تحت “سقف الوطن”، ليسوا معارضين بالضرورة. بل ضحايا لما يدّعيه النظام من “مؤامرة كونية”. إلا أنهم هربوا! من دون أن يحزروا أن هربهم “جريمة” سيحاسبون عليها. كان ينبغي عليهم الصمود تحت زخ الرصاص والصواريخ، إما يموتوا في “أرضهم” أو ينجوا. هربهم من الداخل المشتعل إلى الخارج “الآمن” نسبياً، جعلهم يعيشون سجنين. الداخل ممنوع والخارج ممنوع أيضاً. وتحوّلت أجسادهم إلى سجون متنقلة معهم بين خيمة وأخرى، وبلد وآخر، وقارب معرّض للغرق.
عندما رفض النظام السوري استقبال العائلات الهاربة من معارك عرسال قبل أسبوعين ثم استقبل النساء والأطفال بعد يومين من الانتظار، أعلن من دون مواربة، أنه “قوة احتلال”. العودة ليست متاحة والخارج بات سجناً. وعلى من قرّر الخروج، تحمّل وزر خطاياه. بينما يسمح للمقرّبين من النظام، الأثرياء، الذين يسكنون في وسط بيروت مطلّين على البحر أو على الجبل، العودة متى شاؤوا. مع أنهم ارتكبوا الجرم ذاته، حملوا عائلاتهم وسكنوا في بيروت خوفاً من الموت أو الخطف، وتركوا نظامهم وحيداً في وجه “الإرهابيين”. اللاجئون نفسهم، اقتيدوا إلى سفارة “بلادهم” للإدلاء بأصواتهم و”انتخاب” بشار الأسد، رئيساً لهم.
وقبلها بأشهر، تداول مقرّبون من النظام، قراره الاستيلاء على البيوت المهجورة التي تركها أصحابها هاربين من الموت. فكرة الاستيلاء هذه، تحمل أبعاداً أخرى من العقاب. من خرج، لا داعي لأن يعود. البيت بمعناه الرمزي، هو نوع من أنواع الانتماء إلى المكان، والحرمان منه يعني الحرمان من المكان والشعور بالانتماء. إنها نية النظام تفريغ البلد الذي يحكمها ويمتلكها وهو وحده من يقرّر أن يستقبل فيها أو يطرد منها من يشاء. هنا أيضاً يتحول البيت/الانتماء، إلى سجن أنت تملك مفاتيحه. إما تعيش فيه بإرادتك فتحافظ عليه، أو تهجره بإرادتك أيضاً فتفقده. مفهوم جديد للاستيطان، وولادة مستوطنين جدد يحملون الجنسية ذاتها ويتقاسمون الهواء نفسه والجغرافيا والتاريخ والذاكرة.
اليوم، يخترع النظام وسيلة جديدة للعقاب تتعدّى الجسد لتتسلل إلى الروح والنفس. أصدر “قوانين” جديدة بشأن تجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج مكرهين وللسوريين الفلسطينيين. وتشمل القوانين، باعتبار أنه هو القانون، المتخلفين عن خدمة العلم والمطلوبين لمراجعة أمنية، ومن لا يملكون إقامة في الدول التي لجأوا إليها. أي أنها تشمل كل سوريي الخارج تقريباً. أما من يسمح له بتجديد جواز سفره، فيمنح ستة أشهر غير قابلة للتجديد! قد تكون الستة أشهر كافية ليكرّر اللاجئ لجوءه إلى دولة أخرى غير لبنان أو الأردن أو تركيا، أو يواجه عقوبة السجن حسب قوانين البلد الذي لجأ إليه. إنها دعوة مفتوحة للسوريين ليرحلوا نهائياً، لحرمانهم حتى من ترف الوجود في مكان قريب من سوريا، والنظر إلى قمم جبال تفصلهم عمن يحبّون. إنها دعوة لحسم الخيارات، لتخليص “سوريا المفيدة” من أبنائها غير المفيدين. إنها محاولة للتضييق على الروح بعد أن نجا الجسد من الموت في الداخل.
– See more at: http://www.almodon.com/culture/ebab58a5-6a1d-4daf-8b11-25c4f2e33f87#sthash.oZxkTsJA.dpuf
يعمل النظام السوري منذ آذار (مارس) 2011 وحتى اللحظة، على إنتاج نسخ جديدة، معدّلة، من كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” الصادر عام 1975. طوّر آليات التعذيب ومنح مفهوم العقاب أبعاداً جديدة، تطفو على الجسد والروح في آن، وتشمل معارضيه كما مواليه.
“البرميل” الذي يدفعه الجندي السوري برجله من الطائرة، لا يعرف وجهته جيداً. “برميل” عشوائي قد يسقط فوق عائلة معارضة، وربما يقتل عائلة موالية. القنص أيضاً. الصواريخ، القذائف، الطائرات، صوتها يملأ أنحاء “الوطن” بما فيه “سوريا المفيدة”. في المعارك الوجودية، على الموالين أن يتحمّلوا عبء العقاب مثلهم مثل المعارضين. وذلك العبء الذي تحمّلوه ثلاث سنوات ونيف، لا يؤجج غضبهم من نظام يبايعونه بـ”الروح والدم” ويقدّمون له أجساد أولادهم محتفظين بأرواحهم في صور معلقة على الجدران مع شريط أسود يعلن رحيلهم، بل يملأهم كراهية للسوري الآخر الذي “بسببه” يشنّ النظام حربه الطاحنة تلك.
السجن الذي يتحدث عنه فوكو في كتابه الشهير، حوّله النظام السوري إلى سجن مزدوج يشمل داخل الوطن كما خارجه. فيصبح جسد السوري أينما حلّ، هو سجن خاص يتنقّل به. يصبح الجسد، المهجّر واللاجئ والهارب، سجن الروح وزنزانتها. يصبح خارج “الوطن” هو السجن. ويصبح داخل الوطن سجناً من نوع آخر، له أبواب موصدة وأقفال. وبين السجنين، ثمة حدود تحكمها آله النظام الأمنية، التي تحولت مع الوقت إلى “قوة احتلال” أكثر منها آلة رقابة مخابراتية، قمعية، مستبدّة ومجرمة. النظام السوري فرّغ تلك المفردات من وظيفتها المفترضة كأداة ردع عندما ساوى بين “المذنب” و”البريء”. ساوى بينهما عندما عرّضهما للأخطار نفسها، وللخوف ذاته وصدى الأصوات المرعبة لكلا الطرفين.
اللاجئون السوريون الذين دمرت بيوتهم وقتل أولادهم وحرموا من “رفاهية” العيش تحت “سقف الوطن”، ليسوا معارضين بالضرورة. بل ضحايا لما يدّعيه النظام من “مؤامرة كونية”. إلا أنهم هربوا! من دون أن يحزروا أن هربهم “جريمة” سيحاسبون عليها. كان ينبغي عليهم الصمود تحت زخ الرصاص والصواريخ، إما يموتوا في “أرضهم” أو ينجوا. هربهم من الداخل المشتعل إلى الخارج “الآمن” نسبياً، جعلهم يعيشون سجنين. الداخل ممنوع والخارج ممنوع أيضاً. وتحوّلت أجسادهم إلى سجون متنقلة معهم بين خيمة وأخرى، وبلد وآخر، وقارب معرّض للغرق.
عندما رفض النظام السوري استقبال العائلات الهاربة من معارك عرسال قبل أسبوعين ثم استقبل النساء والأطفال بعد يومين من الانتظار، أعلن من دون مواربة، أنه “قوة احتلال”. العودة ليست متاحة والخارج بات سجناً. وعلى من قرّر الخروج، تحمّل وزر خطاياه. بينما يسمح للمقرّبين من النظام، الأثرياء، الذين يسكنون في وسط بيروت مطلّين على البحر أو على الجبل، العودة متى شاؤوا. مع أنهم ارتكبوا الجرم ذاته، حملوا عائلاتهم وسكنوا في بيروت خوفاً من الموت أو الخطف، وتركوا نظامهم وحيداً في وجه “الإرهابيين”. اللاجئون نفسهم، اقتيدوا إلى سفارة “بلادهم” للإدلاء بأصواتهم و”انتخاب” بشار الأسد، رئيساً لهم.
وقبلها بأشهر، تداول مقرّبون من النظام، قراره الاستيلاء على البيوت المهجورة التي تركها أصحابها هاربين من الموت. فكرة الاستيلاء هذه، تحمل أبعاداً أخرى من العقاب. من خرج، لا داعي لأن يعود. البيت بمعناه الرمزي، هو نوع من أنواع الانتماء إلى المكان، والحرمان منه يعني الحرمان من المكان والشعور بالانتماء. إنها نية النظام تفريغ البلد الذي يحكمها ويمتلكها وهو وحده من يقرّر أن يستقبل فيها أو يطرد منها من يشاء. هنا أيضاً يتحول البيت/الانتماء، إلى سجن أنت تملك مفاتيحه. إما تعيش فيه بإرادتك فتحافظ عليه، أو تهجره بإرادتك أيضاً فتفقده. مفهوم جديد للاستيطان، وولادة مستوطنين جدد يحملون الجنسية ذاتها ويتقاسمون الهواء نفسه والجغرافيا والتاريخ والذاكرة.
اليوم، يخترع النظام وسيلة جديدة للعقاب تتعدّى الجسد لتتسلل إلى الروح والنفس. أصدر “قوانين” جديدة بشأن تجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج مكرهين وللسوريين الفلسطينيين. وتشمل القوانين، باعتبار أنه هو القانون، المتخلفين عن خدمة العلم والمطلوبين لمراجعة أمنية، ومن لا يملكون إقامة في الدول التي لجأوا إليها. أي أنها تشمل كل سوريي الخارج تقريباً. أما من يسمح له بتجديد جواز سفره، فيمنح ستة أشهر غير قابلة للتجديد! قد تكون الستة أشهر كافية ليكرّر اللاجئ لجوءه إلى دولة أخرى غير لبنان أو الأردن أو تركيا، أو يواجه عقوبة السجن حسب قوانين البلد الذي لجأ إليه. إنها دعوة مفتوحة للسوريين ليرحلوا نهائياً، لحرمانهم حتى من ترف الوجود في مكان قريب من سوريا، والنظر إلى قمم جبال تفصلهم عمن يحبّون. إنها دعوة لحسم الخيارات، لتخليص “سوريا المفيدة” من أبنائها غير المفيدين. إنها محاولة للتضييق على الروح بعد أن نجا الجسد من الموت في الداخل.
– See more at: http://www.almodon.com/culture/ebab58a5-6a1d-4daf-8b11-25c4f2e33f87#sthash.oZxkTsJA.dpuf
يعمل النظام السوري منذ آذار (مارس) 2011 وحتى اللحظة، على إنتاج نسخ جديدة، معدّلة، من كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” الصادر عام 1975. طوّر آليات التعذيب ومنح مفهوم العقاب أبعاداً جديدة، تطفو على الجسد والروح في آن، وتشمل معارضيه كما مواليه.
“البرميل” الذي يدفعه الجندي السوري برجله من الطائرة، لا يعرف وجهته جيداً. “برميل” عشوائي قد يسقط فوق عائلة معارضة، وربما يقتل عائلة موالية. القنص أيضاً. الصواريخ، القذائف، الطائرات، صوتها يملأ أنحاء “الوطن” بما فيه “سوريا المفيدة”. في المعارك الوجودية، على الموالين أن يتحمّلوا عبء العقاب مثلهم مثل المعارضين. وذلك العبء الذي تحمّلوه ثلاث سنوات ونيف، لا يؤجج غضبهم من نظام يبايعونه بـ”الروح والدم” ويقدّمون له أجساد أولادهم محتفظين بأرواحهم في صور معلقة على الجدران مع شريط أسود يعلن رحيلهم، بل يملأهم كراهية للسوري الآخر الذي “بسببه” يشنّ النظام حربه الطاحنة تلك.
السجن الذي يتحدث عنه فوكو في كتابه الشهير، حوّله النظام السوري إلى سجن مزدوج يشمل داخل الوطن كما خارجه. فيصبح جسد السوري أينما حلّ، هو سجن خاص يتنقّل به. يصبح الجسد، المهجّر واللاجئ والهارب، سجن الروح وزنزانتها. يصبح خارج “الوطن” هو السجن. ويصبح داخل الوطن سجناً من نوع آخر، له أبواب موصدة وأقفال. وبين السجنين، ثمة حدود تحكمها آله النظام الأمنية، التي تحولت مع الوقت إلى “قوة احتلال” أكثر منها آلة رقابة مخابراتية، قمعية، مستبدّة ومجرمة. النظام السوري فرّغ تلك المفردات من وظيفتها المفترضة كأداة ردع عندما ساوى بين “المذنب” و”البريء”. ساوى بينهما عندما عرّضهما للأخطار نفسها، وللخوف ذاته وصدى الأصوات المرعبة لكلا الطرفين.
اللاجئون السوريون الذين دمرت بيوتهم وقتل أولادهم وحرموا من “رفاهية” العيش تحت “سقف الوطن”، ليسوا معارضين بالضرورة. بل ضحايا لما يدّعيه النظام من “مؤامرة كونية”. إلا أنهم هربوا! من دون أن يحزروا أن هربهم “جريمة” سيحاسبون عليها. كان ينبغي عليهم الصمود تحت زخ الرصاص والصواريخ، إما يموتوا في “أرضهم” أو ينجوا. هربهم من الداخل المشتعل إلى الخارج “الآمن” نسبياً، جعلهم يعيشون سجنين. الداخل ممنوع والخارج ممنوع أيضاً. وتحوّلت أجسادهم إلى سجون متنقلة معهم بين خيمة وأخرى، وبلد وآخر، وقارب معرّض للغرق.
عندما رفض النظام السوري استقبال العائلات الهاربة من معارك عرسال قبل أسبوعين ثم استقبل النساء والأطفال بعد يومين من الانتظار، أعلن من دون مواربة، أنه “قوة احتلال”. العودة ليست متاحة والخارج بات سجناً. وعلى من قرّر الخروج، تحمّل وزر خطاياه. بينما يسمح للمقرّبين من النظام، الأثرياء، الذين يسكنون في وسط بيروت مطلّين على البحر أو على الجبل، العودة متى شاؤوا. مع أنهم ارتكبوا الجرم ذاته، حملوا عائلاتهم وسكنوا في بيروت خوفاً من الموت أو الخطف، وتركوا نظامهم وحيداً في وجه “الإرهابيين”. اللاجئون نفسهم، اقتيدوا إلى سفارة “بلادهم” للإدلاء بأصواتهم و”انتخاب” بشار الأسد، رئيساً لهم.
وقبلها بأشهر، تداول مقرّبون من النظام، قراره الاستيلاء على البيوت المهجورة التي تركها أصحابها هاربين من الموت. فكرة الاستيلاء هذه، تحمل أبعاداً أخرى من العقاب. من خرج، لا داعي لأن يعود. البيت بمعناه الرمزي، هو نوع من أنواع الانتماء إلى المكان، والحرمان منه يعني الحرمان من المكان والشعور بالانتماء. إنها نية النظام تفريغ البلد الذي يحكمها ويمتلكها وهو وحده من يقرّر أن يستقبل فيها أو يطرد منها من يشاء. هنا أيضاً يتحول البيت/الانتماء، إلى سجن أنت تملك مفاتيحه. إما تعيش فيه بإرادتك فتحافظ عليه، أو تهجره بإرادتك أيضاً فتفقده. مفهوم جديد للاستيطان، وولادة مستوطنين جدد يحملون الجنسية ذاتها ويتقاسمون الهواء نفسه والجغرافيا والتاريخ والذاكرة.
اليوم، يخترع النظام وسيلة جديدة للعقاب تتعدّى الجسد لتتسلل إلى الروح والنفس. أصدر “قوانين” جديدة بشأن تجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج مكرهين وللسوريين الفلسطينيين. وتشمل القوانين، باعتبار أنه هو القانون، المتخلفين عن خدمة العلم والمطلوبين لمراجعة أمنية، ومن لا يملكون إقامة في الدول التي لجأوا إليها. أي أنها تشمل كل سوريي الخارج تقريباً. أما من يسمح له بتجديد جواز سفره، فيمنح ستة أشهر غير قابلة للتجديد! قد تكون الستة أشهر كافية ليكرّر اللاجئ لجوءه إلى دولة أخرى غير لبنان أو الأردن أو تركيا، أو يواجه عقوبة السجن حسب قوانين البلد الذي لجأ إليه. إنها دعوة مفتوحة للسوريين ليرحلوا نهائياً، لحرمانهم حتى من ترف الوجود في مكان قريب من سوريا، والنظر إلى قمم جبال تفصلهم عمن يحبّون. إنها دعوة لحسم الخيارات، لتخليص “سوريا المفيدة” من أبنائها غير المفيدين. إنها محاولة للتضييق على الروح بعد أن نجا الجسد من الموت في الداخل.
– See more at: http://www.almodon.com/culture/ebab58a5-6a1d-4daf-8b11-25c4f2e33f87#sthash.oZxkTsJA.dpuf
يعمل النظام السوري منذ آذار (مارس) 2011 وحتى اللحظة، على إنتاج نسخ جديدة، معدّلة، من كتاب ميشيل فوكو “المراقبة والمعاقبة” الصادر عام 1975. طوّر آليات التعذيب ومنح مفهوم العقاب أبعاداً جديدة، تطفو على الجسد والروح في آن، وتشمل معارضيه كما مواليه.
“البرميل” الذي يدفعه الجندي السوري برجله من الطائرة، لا يعرف وجهته جيداً. “برميل” عشوائي قد يسقط فوق عائلة معارضة، وربما يقتل عائلة موالية. القنص أيضاً. الصواريخ، القذائف، الطائرات، صوتها يملأ أنحاء “الوطن” بما فيه “سوريا المفيدة”. في المعارك الوجودية، على الموالين أن يتحمّلوا عبء العقاب مثلهم مثل المعارضين. وذلك العبء الذي تحمّلوه ثلاث سنوات ونيف، لا يؤجج غضبهم من نظام يبايعونه بـ”الروح والدم” ويقدّمون له أجساد أولادهم محتفظين بأرواحهم في صور معلقة على الجدران مع شريط أسود يعلن رحيلهم، بل يملأهم كراهية للسوري الآخر الذي “بسببه” يشنّ النظام حربه الطاحنة تلك.
السجن الذي يتحدث عنه فوكو في كتابه الشهير، حوّله النظام السوري إلى سجن مزدوج يشمل داخل الوطن كما خارجه. فيصبح جسد السوري أينما حلّ، هو سجن خاص يتنقّل به. يصبح الجسد، المهجّر واللاجئ والهارب، سجن الروح وزنزانتها. يصبح خارج “الوطن” هو السجن. ويصبح داخل الوطن سجناً من نوع آخر، له أبواب موصدة وأقفال. وبين السجنين، ثمة حدود تحكمها آله النظام الأمنية، التي تحولت مع الوقت إلى “قوة احتلال” أكثر منها آلة رقابة مخابراتية، قمعية، مستبدّة ومجرمة. النظام السوري فرّغ تلك المفردات من وظيفتها المفترضة كأداة ردع عندما ساوى بين “المذنب” و”البريء”. ساوى بينهما عندما عرّضهما للأخطار نفسها، وللخوف ذاته وصدى الأصوات المرعبة لكلا الطرفين.
اللاجئون السوريون الذين دمرت بيوتهم وقتل أولادهم وحرموا من “رفاهية” العيش تحت “سقف الوطن”، ليسوا معارضين بالضرورة. بل ضحايا لما يدّعيه النظام من “مؤامرة كونية”. إلا أنهم هربوا! من دون أن يحزروا أن هربهم “جريمة” سيحاسبون عليها. كان ينبغي عليهم الصمود تحت زخ الرصاص والصواريخ، إما يموتوا في “أرضهم” أو ينجوا. هربهم من الداخل المشتعل إلى الخارج “الآمن” نسبياً، جعلهم يعيشون سجنين. الداخل ممنوع والخارج ممنوع أيضاً. وتحوّلت أجسادهم إلى سجون متنقلة معهم بين خيمة وأخرى، وبلد وآخر، وقارب معرّض للغرق.
عندما رفض النظام السوري استقبال العائلات الهاربة من معارك عرسال قبل أسبوعين ثم استقبل النساء والأطفال بعد يومين من الانتظار، أعلن من دون مواربة، أنه “قوة احتلال”. العودة ليست متاحة والخارج بات سجناً. وعلى من قرّر الخروج، تحمّل وزر خطاياه. بينما يسمح للمقرّبين من النظام، الأثرياء، الذين يسكنون في وسط بيروت مطلّين على البحر أو على الجبل، العودة متى شاؤوا. مع أنهم ارتكبوا الجرم ذاته، حملوا عائلاتهم وسكنوا في بيروت خوفاً من الموت أو الخطف، وتركوا نظامهم وحيداً في وجه “الإرهابيين”. اللاجئون نفسهم، اقتيدوا إلى سفارة “بلادهم” للإدلاء بأصواتهم و”انتخاب” بشار الأسد، رئيساً لهم.
وقبلها بأشهر، تداول مقرّبون من النظام، قراره الاستيلاء على البيوت المهجورة التي تركها أصحابها هاربين من الموت. فكرة الاستيلاء هذه، تحمل أبعاداً أخرى من العقاب. من خرج، لا داعي لأن يعود. البيت بمعناه الرمزي، هو نوع من أنواع الانتماء إلى المكان، والحرمان منه يعني الحرمان من المكان والشعور بالانتماء. إنها نية النظام تفريغ البلد الذي يحكمها ويمتلكها وهو وحده من يقرّر أن يستقبل فيها أو يطرد منها من يشاء. هنا أيضاً يتحول البيت/الانتماء، إلى سجن أنت تملك مفاتيحه. إما تعيش فيه بإرادتك فتحافظ عليه، أو تهجره بإرادتك أيضاً فتفقده. مفهوم جديد للاستيطان، وولادة مستوطنين جدد يحملون الجنسية ذاتها ويتقاسمون الهواء نفسه والجغرافيا والتاريخ والذاكرة.
اليوم، يخترع النظام وسيلة جديدة للعقاب تتعدّى الجسد لتتسلل إلى الروح والنفس. أصدر “قوانين” جديدة بشأن تجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج مكرهين وللسوريين الفلسطينيين. وتشمل القوانين، باعتبار أنه هو القانون، المتخلفين عن خدمة العلم والمطلوبين لمراجعة أمنية، ومن لا يملكون إقامة في الدول التي لجأوا إليها. أي أنها تشمل كل سوريي الخارج تقريباً. أما من يسمح له بتجديد جواز سفره، فيمنح ستة أشهر غير قابلة للتجديد! قد تكون الستة أشهر كافية ليكرّر اللاجئ لجوءه إلى دولة أخرى غير لبنان أو الأردن أو تركيا، أو يواجه عقوبة السجن حسب قوانين البلد الذي لجأ إليه. إنها دعوة مفتوحة للسوريين ليرحلوا نهائياً، لحرمانهم حتى من ترف الوجود في مكان قريب من سوريا، والنظر إلى قمم جبال تفصلهم عمن يحبّون. إنها دعوة لحسم الخيارات، لتخليص “سوريا المفيدة” من أبنائها غير المفيدين. إنها محاولة للتضييق على الروح بعد أن نجا الجسد من الموت في الداخل.
– See more at: http://www.almodon.com/culture/ebab58a5-6a1d-4daf-8b11-25c4f2e33f87#sthash.oZxkTsJA.dpuf
التعليقات مغلقة.