المؤتمر الوطني الكردستاني…رؤى وآمال

42

حكم خلو

لا أدري لمَ يحضرني مشاهد مقدمة فيلم “الطريق” للراحل الكبير يلماز غوني كلما حاولت أن أقيّم أزمة الشرق الأوسط وثورات ما يسمى بربيع الشعوب وما أنتجت من قتل وتدمير ودخول تيارات جهادية إلى ساحة الصراع وتسلقها وتنصيب نفسها راعية لهذه الثورات.

هل لأن المشاهد والمعالجة تتشابه إلى حد التطابق؟

في مقدمة الفيلم تتشاجر عائلتان كرديتان في قصبة نائية من كردستان المحتلة من قبل تركيا، تحتدم المعركة ويُقتل من يقتل ويُجرح من يجرح دون تدخل القوى الأمنية، وعندما ينتهي الشجار وتلقى الجثث على قارعة الطريق تتدخل الجندرمه التركية بحركة استعراضية لحل المشكلة.

هل نحن اليوم أمام نفس المشهد ونحن نعيش ثورات وأزمات منطقة الشرق الأوسط؟

من يقرأ التاريخ يرى إن إتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت إرث السلطنة العثمانية في منطقة الشرق الأوسط وفقا لمصالح الحلفاء وخاصة فرنسا، وبريطانيا الرابحتان في الحرب العالمية الأولى آنذاك قد انتهت ولم تعد صالحة لتعبّر عن مصالح الدول الاستعمارية بعدما تغيّر مواقع اللاعبين وموازين القوى.

اليوم يتصدر المشهد السياسي في العالم قوتان جديدتان هما أمريكا والاتحاد الروسي  كقوى أساسية في هذه الأزمة إضافة إلى دور أقل  للاتحاد الأوروبي  ودول تفقد مواقعها كتركيا وإيران.

نتيجة لتغير اللاعبين الأساسين في العالم والتطورات التي حصلت منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى والأزمة الأخلاقية والاقتصادية المعاشة على مستوى الأنظمة التي تقود العالم وللخروج من أزمتها من خلال تصديرها والبحث عن الحلول خارج جغرافيتها كانت فكرة إنشاء الشرق الأوسط الجديد والذي أخذ اهتمام الساسة والمفكّرين الغربيين  لذلك رسموا استراتيجيات المستقبل منذ ثمانينات القرن الماضي وبنيت تلك السياسات على مبدأ  فكّ وتركيب الخرائط على أسس عرقية ودينية ومذهبية والتي لاقت تربتها في الشرق الأوسط المتأزم أصلاً بهذه الأسباب وأيضاً نوعاً من الهروب للأمام لتفادي أزماتها وإغلاق الطريق أمام أية  تطورات إيجابية على ساحة الشرق الأوسط لبناء مجتمعات ديمقراطية حرة على أسس كونفدراليات كما طرحها المفكر عبدالله أوجلان لتمتلك هذه المجتمعات إرادتها وقرارها بعيدة عن استغلال الغير لها، وهذا التطور يخيف الغرب من فقدان سيطرته وتفرّده بالقرار العالمي.

أصبح من اليقين إن مرحلة خرائط بريطانيا وفرنسا وتقسيماتها للشرق الأوسط انتهت وتدخل مرحلة خرائط (الاتحاد الروسي وأمريكا) من بوابة أزمات المنطقة. إن عملية  الفك والتركيب التي تجري في المنطقة أنيطت بقوتين:

أولاً- قوى الفكّ وهي قوى محلية من شعوب المنطقة تتصارع تحت أجندات عرقية، دينية، مذهبية وينتهي دورها بعد أن يتم تنفيذ مهامها في تشكيل كيانات ضعيفة ومتصارعة في المنطقة وتدمير العلاقات الاجتماعية تحت شعاراتها وهدم البنى التحتية لتحتاج إلى سنين طويلة لإعادة تأهيلها.

ثانياً- قوى التركيب، اللاعبين الأساسيين الامريكان والاتحاد الروسي لاعبة دور المنقذ والمخلص من الكارثة التي تكون قد انهت دورها المهدم، وبعد أن تكون الشعوب قد يئست من الوضع المأساوي التي آلت إليه راسمة هذه القوى خرائط جديدة وفقا لمصالحها للشرق الأوسط الجديد.

يبقى السؤال أين نحن الكرد من هذه المعادلة؟

إن رياح التغيرات الكبرى ونضوج العوامل الموضوعية في كردستان في بداية القرن الماضي لم يسعفنا في إنجاز حلمنا في التحرر وخاصة محطتي الحرب العالمية الأولى والثانية، ففي الأولى خسرنا ما ربحناه في بعض بنود معاهدة سيفر1920  في لوزان 1923 والتي رسخت اتفاقية سايكس بيكو مقسمة كردستان إلى أربعة أجزاء، ونحن نعاني آثار هذا التقسيم إلى يومنا هذا ومرت المحطة الثانية “الحرب العالمية الثانية” لتومض بريق أمل مؤقت لم يدم سوى 11 شهرا(جمهورية مهاباد) لنخسرها في خضم خلافات وصراعات القوى الدولية والإقليمية.

إذا كانت الظروف الموضوعية مناسبة حاليا في خضم صراع وتأزم الشرق الأوسط وتصدّع خرائطه وتحالف القوى العالمية مع الكرد وقبولهم شريكاً في محاربة الإرهاب والذي سيفضي إلى أن يكون للكرد دورا في رسم خرائط المنطقة حتماً فإن تهيئة الظروف الذاتية بات ضروريا ليتكامل الشرطان الذاتي والموضعي وينتجا حالة حرية كردستان.

لمناقشة العامل الذاتي على مستوى الأجزاء الاربعة هناك تطورات إيجابية فمكتسبات روجآفا وباشور يجب دعمها والحفاظ عليها ودعم النضال التحرري في كل من باكور وروجهلات وتجاوز الخلافات وإزالة أسبابها من خلال الحوار لذلك كله بات انعقاد المؤتمر الوطني الكردستاني ضرورة تاريخية من ضرورات المرحلة في ظل التهديد الوجودي للكرد في هذه الأزمة إن كان من جهة الأنظمة الغاصبة لكردستان أو بدائلها المطروحة التيارات الجهادية.

لكل ذلك يلزم وضع استراتيجية كردستانية على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية من خلال المحاور التالية:

– رسم خارطة التحالفات بما يخدم مجموع الأجزاء وسياسة دبلوماسية بحيث لا يتناقض الخطاب الدبلوماسي والسياسي من جزء إلى آخر ويتناغم باحترام مصالح الجزء والكل.

– تكامل اقتصادي بين الأجزاء وخاصة روجافا وباشور وأن يكون كل منهما رئة للأخرى للتواصل مع العالم الخارجي وكسر الحصارعن روجافا والتخلص من الابتزاز التركي الإيراني  لباشور كردستان وكسر هذا الحصار لصالح استقلالية القرار الكردستاني وعدم الارتهان للقوى الغاصبة  تحت حجة الظروف الخاصة بكل جزء.

– وضع استراتيجية أمنية للدفاع عن كردستان ومكتسبات روجافا وباشور ودعم النضال التحرري الكردستاني في روجهلات وباكور.

– إن انعقاد المؤتمر و نجاحه سينعكس إيجابيا على الوضع الداخلي لكل جزء وخاصة العلاقة بين القوى والأحزاب السياسية التي تعاني من تناقضات فيما بينها.

– و أخيراً يبقى انعقاد المؤتمر الوطني الكردستاني والتوافق على استراتيجية كردستانية ولو بالحد الأدنى مسؤولية تاريخية على عاتق كافة القوى والاحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والفكرية والأكاديمية الكردستانية وأي تقاعس أو عرقلة  انعقاد المؤتمر تحت أي حجة غير مقبول بتاتاً ولا يخدم القضية الكردستانية وأقل ما يمكن وصفها بأنها تخدم  أجندات حزبية وعائلية ضيقة.

 

نشرت هذه المقالة في العدد (66) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/8/2017

التعليقات مغلقة.