المرأة …الحلقة المفقودة في السياسة الكردية
عبدالرحيم تخوبي
يقول “مينورسكي” في كتابه “الأكراد.. ملاحظات وانطباعات”: إن الكرد هم أكثر تسامحاً من جميع الشعوب الإسلامية الأخرى المجاورة تجاه المرأة…
لعلّ كلام “مينورسكي” هذا يكون صحيحاً في الحالة الاجتماعية و الاقتصادية “البسيطة”، أما في الجانب السياسي فقد بقيت المرأة الكردية مثلها كغيرها من نساء الشرق الأوسط بعيدة عن هذا المجال على مدى عقود من التاريخ الحديث.
اقتصرت مشاركة المرأة في العمل السياسي والعسكري بكثافة على حزب العمال الكردستاني الذي كان نشطاً في سورية حتى عام 1998، وانضمت الكثير من النساء إلى العمل مع هذا الحزب سياسياً وعسكرياً.
من الواضح أنّ تغييراً حصل في وضع المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية بعد الثورة السورية، على مستوى حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ، وعلى مستوى بقية الأحزاب والحركات السياسية أيضاً، إلا أنّ التفاوت الكبير في درجة تطور المرأة عند الطرفين يجعلنا نتناول كل طرف على حدى.
فبعد الثورة وبحكم سيطرة الحزب ومؤسساته على المناطق الكردية في سوريا، أصبح يمتلك حرية أكبر في العمل ضمن صفوف النساء وغير النساء، ولكن بسبب اختلاف الظروف وبحكم تحول الحزب من حزب عسكري بحت إلى حزب مسيطر وسياسي، ويدير منطقة جغرافية، توجه الحزب نحو تمكين المرأة سياسياً واجتماعياً وكذلك اقتصادياً، وأصبح لدى الحزب عدة مؤسسات مدنية وسياسية خاصة بالمرأة، كما قام في مؤتمره الاستثنائي الذي عقد في 16/6/2012 باعتماد مبدأ الرئاسة المشتركة، وتخصيص نسبة 50% من الهيئة القيادية، والمجلس العام للحزب للمرأة، وكذلك في عام 2013 وبعد إعلان الإدارة الذاتية خصصت وزارة للمرأة باسم (هيئة المرأة).
أما في الأحزاب الأخرى فأنّ نسبة المرأة ما تزال ضئيلة مع أن الحركة السياسية الكردية تعتبر نفسها (علمانية) ولا تغلق الباب أمام مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ولكن لم ينجح كما نجح العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها العادات والتقاليد المفروضة على المرأة بعدم المشاركة في السياسة، وعدم جرأة تلك الأحزاب على الوقوف بوجه تلك العادات، لا بل وكانت هي نفسها تعيب على العمال الكردستاني pkk وجود كوادر نسائية ضمن الحزب.
وكذلك الضغط الأمني من قبل النظام السوري على الأحزاب الكردية لذلك كان يُخشى من اعتقالها بسبب ما يسبّبه الاعتقال من حالة نفسية وتأثيرات اجتماعية في مستقبل المرأة المعتقلة.
لم تشارك المرأة في تأسيس الحزب الأول منذ بداية تأسيس الحركة السياسية الكردية في سورية عام 1957، لذلك كان من الصعب الوصول للمرأة دون وجود كوادر نسائية تقوم بهذا العمل عوضاً عن الرجل.
غير أنّ المشاركة السياسية للمرأة تطورت بعد الثورة السورية قليلاً، وأصبحت تشارك في مصدر القرار، ولكن الفرق واضح وكبير بين حزب الاتحاد الديمقراطي وبقية الأحزاب. ففي حين تكون نسبة مشاركة المرأة في قيادة بعض الأحزاب 0%، لا تتجاوز في أحسن حالاتها 15 %، وتقتصر على بعض النساء في الهيئات القيادية، وغالباً تكون بسبب “الكوتا” المخصصة لها، بينما تصل عند الطرف الآخر (PYD) إلى50%.
كحالة “فريدة” ضمن أحزاب المجلس الوطني الكردي في سوريا تقلّدت امرأة رئاسة حزب، وهي السياسيّة نارين متيني مسؤولة مكتب العلاقات العام لتيار المستقبل الكردي في سوريا، وتعتبر ثاني امرأة تترأس حزباً كرديا في سورية بعد آسيا عبد الله الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي. كذلك السياسيّة فصلة يوسف التي تتقلد حالياً منصب نائب رئيس المجلس الوطني الكردي.
يعتقد البعض أنّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية لدى الاتحاد الديمقراطي يحمل طابع “الدعاية” إلّا أنّه كلام عار عن الصحّة، فقد كان لها دور فعّال في حزبَيْ العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي في وقت كانت مشاركة المرأة تعتبر “عيباً اجتماعياً” وكانت الهجمات الدعائية تُشن على الحزب بسبب إشراكه للمرأة عسكرياً وسياسياً، وخاصة في تسعينات القرن الماضي، وكانت “مشاركة المرأة” من الأسلحة التي استخدمه “أعداء” الحزب ضده.
نستطيع القول إنّ الجانب الدعائي بدأ بعد 2014، تحديداً أثناء معركة كوباني بين تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب والتي كانت للمرأة دور كبير فيها بل واستلمت القيادة فيها مثل (ميسا عبدو) التي استلمت قيادة العمليات في كوباني، وكان لدعم التحالف، والتركيز الإعلامي الكبير على وحدات حماية المرأة دور في استغلال الحزب ذلك اعلامياً لاستقطاب الدعم الدولي لمشروعه السياسي في المنطقة.
أما الأحزاب الأخرى فلا يمكننا القول أنّها تستغل ذلك اعلامياً لأنّ نسبة مشاركة المرأة عندهم قليلة جداً ولا يمكن استغلالها دعائياً.
مستقبل المرأة الكردية في الحركة السياسية:
من الواضح تغير نسبة المرأة المشاركة في الحركة السياسية بالمقارنة مع ما قبل الثورة، على صعيد تقلدها لمناصب قيادية، ومن خلال نسبة النساء المشاركات في الهيئات القيادية في بعض الأحزاب والحركات الكردية، وكذلك اتخاذ بعض الأحزاب قرارات بتخصيص “كوتا” للمرأة، هذا يوحي بأن مستقبل المرأة في الحركة السياسية الكردية سيكون أفضل مما هو عليه، خاصةً بعدما بدأت في الآونة الأخيرة تتمتع بامتيازات وتسهيلات لدخول المراكز القيادية فعلى سبيل المثال في الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا من يتم انتخابه في “اللجنة المركزية” يجب أن يمرّ عليه بين (10 – 15) عاماً في صفوف الحزب إلا أنّ هذا الشرط لا ينطبق على المرأة فقد تم تقليص عدد السنوات التنظيمية إلى (4) سنوات فقط، وكذلك توجه حزب (يكيتي الكردي في سوريا) بتخصيص كوتا للمرأة لا تقل عن (10 %)، كما أنّه كانت لتجربة حزب الاتحاد الديمقراطي واستفادته من قاعدته الشعبية النسائية أثراً كبيراً جعلت العديد من الأحزاب تفكر جدياً بتفعيل المرأة والاستفادة من طاقاتها، ومعظم الأحزاب حالياً تتجه نحو استغلال “نصف المجتمع” الذي كان مغيّباً عن الحركة السياسية للاستفادة منه في توسيع القاعدة الشعبية للحزب، وكذلك الاستفادة منها في انتخابات مستقبلية، قد تحدث في المنطقة الكردية أو سوريا عموماً، وما يسهل هذه العملية على الأحزاب الكردية أنّ معظمها علمانية ولا تضع عراقيل أو شروط على العمل السياسي للمرأة.
نشرت هذه المقالة في العدد (65) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/7/2017
التعليقات مغلقة.