عن الحيادية في وسائل الإعلام الكردية

62

همبرفان كوسه

غالباً ما تصف وسائل الإعلام الكردية نفسها بأنها محايدة، ومستقلة التوجه، ولكن كما هو جليّ إن الوسيلة الإعلامية لمن يملكها، ويقدم الدعم المادي لها، لصالح توجهاته الفكرية، وتُعبر عن أهدافه وتطلعاته، وهذه تحديداً نقطة الفصل في مناقشة موضوع الحيادية في الإعلام الكُردي، وأيّ حديثٍ – في الحالة الطبيعية- عن وجود إعلام حياديٍ مستقل، إنما هو استخفاف بالمتلقي.

على مدى سنوات ما بعد الثورة السورية، ظهر طيف واسع من وسائل الإعلام الكردية المحلية في غربي كردستان، بأشكالٍ وتوجهات سياسية مختلفة، وحرصت على مغازلة التوجهات الفكرية، للفرقاء السياسيين، وكسب رضى السلطة القائمة “سلطة أمر الواقع”، الأمر الذي بات من أهم سمات وسيلة الإعلام، وهدفاً تريد بلوغه، دون أن تحمل رسالةً مهنية واضحة المعالم.

هنا تكمن نقطة الخلاف؛ فوسائل الإعلام الكردية لا تحاول جذب المتلقي عبر الرسالة المهنية، والموضوعية، لتكون من اهم مصادر التأثير على الرأي العام، على العكس تماماً فهي تعمل على استقطاب المتلقي، بوسائل عدة، وعبر نقل الخبر كما يودّ المتلقي، دون أن تحاول التمييز بين فصل الرأي عن الخبر، وغالباً ما تتسم بهذه الصفة المؤسسات الإعلامية التي تكون مؤسسات شبه رسميةٍ، أو حتى رسمية، والتي تنحو نحو تشكيل ذائقة جمعية تشكل أرضية لرفض الآخر المختلف، والعمل بالرأي الواحد، والصوت الواحد، والفكر الواحد، وهذا ما يخالف القوانين الصادرة عن السلطة نفسها.

لا يختلف الأمر كثيراً مع المؤسسات الإعلامية التي تصف نفسها بالحيادية، الموضوعية والمهنية، وترفض الاتهام بالتبعية السياسية فإن بحثنا في عمل المؤسسات – التي تعتبر نفسها مستقلة -، سنجد أنها تتلقى دعماً من جهات مختلفة، سواءً أكانت سياسية، أو مدنية، بالإضافة إلى ذلك تتجاهل المؤسسات الإعلامية الكُردية قضايا حساسة، وجوهرية، وتبتعد عن الصحافة الاستقصائية، بشتى الحجج كعدم المساس بالثوابت الوطنية؛ كما يطغى عليها أسلوب الخطاب السياسي، سواءً في برامجها الحوارية التلفزيونية، أو التقارير الصحفية المكتوبة، والالكترونية التي تخلو تقريباً من أيّ قضية يمكن أن تشكل نقداً للسلطة القائمة، أو للتيارات السياسية الأخرى التي تتبع لها، وبذلك تفقد دورها في التأثير على الرأي العام، وهذا بحدّ ذاته خروج عن أولويات الإعلام، وليس إلا نوعاً من أنواع التبعية.

في هذا السياق لا يمكن إغفال دور السلطة، التي تستطيع اتخاذ أيَ قرار يتعارض مع حرية الرأي والتعبير، بغرض الحفاظ على منهجيتها الشمولية في الإعلام، ما يدفع بوسائل الإعلام المستقلة، أو المحايدة أن تتحاشى الصدام معها، أو أن تنقل أيَ مواد تنتقد السلطة بجدية، توجساً من إجراءات عقابية متوقعة ضدها.

لهذه الحالة غير الصحية أسبابٌ كثيرة، بعضها يُعزى لضعف الخبرة الإعلامية، وعدم الإلمام بوظائف الإعلام  في مجال الرقابة، ومن جهةٍ ثانية فإن تجربة الإعلام بوجهٍ عام، تجربة قصيرة الأمد، وولدت في حالة استثنائية بكل المقاييس، ما يؤثر سلباً على جودة ومهنية المادة الإعلامية.. يمكن الحديث في هذا السياق عن مقدار جرأة الصحفي ووسيلته الإعلامية، وقدرته على الفكاك من رُهاب عدم السير في فلك السلطة الحاكمة أو الأحزاب المختلفة وسلك طريق المهنية والموضوعية بعيداً عن التحول إلى مجرد آلة حزبية للدعاية ومن المهم أيضاً فتح نقاشات جديدة حول امتلاك الصحفي أدوات تخوله للعب ذلك الدور المنوط به في ظل نقص واضح في الكوادر الأكاديمية، أو التي لديها خبرة كافية.

الحديث عن إعلام محايد في غربي كردستان، سيكون ربما غير منطقياً في ظل الظروف الراهنة، لكن المطلوب هو أن يكون هنالك محاولة جدية، للانتقال نحو إعلام يقترب إلى أقرب نقطة ممكنة نحو المهنية، والموضوعية في نقل الحدث،  والابتعاد عن السير في فلك الأحزاب السياسية، والانجرار نحو تقديم المادة الإعلامية بحسب أهواء المتلقي، وبذلك تفقد الوسيلة الإعلامية تأثيرها، ودورها وتصبح مفعولاً به غير قادر على التأثير على المتلقي.

نشرت هذه المقالة في العدد 62 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/6/2017

التعليقات مغلقة.