الإعلام الكُردي يتخبّط في ظل الصّراعات السّياسيّة بين التّحزّب والبحث عن الهويّة

66

“..فإن الطرفين لم يعتمدا على منظومتهما الإعلامية لتحقيق مآربهما، بل خصّصا لتلك الواقعة، جيشاً من الناشطين الفيسبوكيين، منهم مأجورون ومنهم الآخر مِنْ سلالة المُصفقين دون وعي”

فريد ادوار
فريد إدوار

تسبّب التّصعيد العسكري الأخير في شنكال وما تبعه من ممارساتٍ غير مسؤولة في عددٍ من المدن الكُردية (مناطق الإدارة الذاتية) على نحو إحراق المقرات والمكاتب الحزبية، بإشعالِ حربٍ إعلامية قبل حرب شوارع بين قطبي الصّراع السّياسي الكُردي في سوريا، حزب الاتّحاد الديمقراطي من جهة وأحزاب المجلس الوطني الكُردي من جهة ثانية، حتى تحوّل المشهد السياسي  إلى ساحة اقتتالٍ وتصفية حساباتٍ متراكمة تطوّع في حلّها أنصار الطرفين أو على الأصح تسبّبوا في زيادة تأزّمها.

وما زاد من ضراوة هاتيك الخلافات، التي تأجّجت إلى حدودٍ قد تُنذر بكارثةٍ كُردية كُردية، هي المشاركة السلبية للإعلام وفشله في تقريب وجهات النّظر بين الفُرقاء السّياسيين ورأب الصّدع وإزالة العوائق التي تقف في طريق وحدة الرؤى، الأهداف والمصلحة الكُردية العُليا.

في بداية العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، كتب “نصر بن سيار الكناني” وهو آخر ولاة الأمويين على “خراسان” إلى” يزيد بن عمر بن هبيرة” والي العراق،  يُعلمه في أبياتٍ شعرية حالة التّدهور والاضطراب التي أصابت البلاد، وحّذّره من خطورة الوضع وتفجّره في أية لحظة، وصارحه عبر تلك الأبيات، أنه إن لم يعالج الوضع؛ فإنه سيؤدي لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة،  يقول:

أرى تحت الرماد وميض جمر    ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تُذكى           وإن الحرب مبدؤها كلام

فإن لم يطفها عقلاء قوم           يكون وقودها جثث وهام

 المغزى من تلك الأبيات التي نظّمها  “نصر بن سيار” لإنقاذ ولايته من السّقوط والتّدهور، هو دور الكلمة في بناء الحضارة والمجتمعات، دورها في انهيارها أيضاً وزرع الفتن والعداوات، زرع الشقاق بين الإخوة بين أبناء الوطن الواحد بين القومية والدين الواحد، تلك الكلمة يُمثّلها اليوم، الإعلام الذي يُعدّ مصدراً مُهمّاً من مصادر التّوجيه والتّثقيف في أي مجتمع، وهو ذات التأثير في الجماهير المادحة التي لا تعِ شيئاً سوى التّصفيق والهرولة خلف القطيع المُسيّر إلى حيث يشاء صاحبه.

بالوقوف عند الأحداث التي وقعت في الفترة الأخيرة وما قد ينتج عنها في الأيام اللاحقة، لايمكن أن نغفل عن الدور الكبير الذي لعبه  الإعلام الكُردي في تأجيج الأوضاع وإشعال الأزمة المُفتعلة، وقد يتحمّل الإعلام الحزبي العبء الأكبر في تنفيذ  تلك المهمة السّيئة، أما الإعلام الذي يدّعي الاستقلالية وعدم التّبعيّة، فهو مرهونٌ على أية حال بمن يدفع له أكثر.

يعاني الإعلام الكُردي بشكلٍ عام، والحزبي بشكلٍ خاص، من الافتقاد إلى رؤيةٍ واضحةٍ واستراتيجيةٍ قومية تُحدّد مسار عمله في البناء والتّنمية، ومن سماته التي تُعرّي ضعفه ومضمونه الهزيل، هو تحوّله بقدرة قادر، من إعلامٍ قومي وطني إلى إعلامٍ منغمسٍ في التأجيج ونفث السّموم على مسامع وأبصار مُتلقيه.

وبمتابعةٍ عاجلة لمضامين وسائل الإعلام الكُردية، سواء تلك التي تنشط في روجآفا أو التي تبث برامجها من داخل أقليم كردستان، سنجد دون عناء، أنها لم تستطع صناعة وخلق رأيٍ عام من شأنه جعل القلوب المتنازعة أكثر وئاماً، تمهيداً لتهيئة الأجواء وإنهاء صراع الإخوة الذي بلغ ذروته وأعاد بالذاكرة الكُردية إلى مأساة مايو/ أيار 1994 في العراق، والتي تسبّبت حينها بمقتل أكثر من ألفي كردي ببنادق كُردية.

فالرّسائل الإعلامية لتلك الوسائل آنفة الذكر، لا تتمحوّر حول القضايا الجوهرية التي تهتم بالإنسان الكردي وتنميته، ولا الحفاظ على كينونته وانتماءه لقضيته، بقدر ما تتمحوّر حول تقديس  زعاماتٍ فردية شخصية والبروباغندا السياسية لطرفٍ دون غيره.

فمثلاً، المنظومة الإعلامية لحزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD) المؤلّفة من وسائل إعلامٍ مقروءة، مسموعة وسمعبصرية، لم توفّر خلال هذه الأزمة أدنى جهد لإظهار الطرف الآخر من الصراع على أنه خائنٌ عميل.

 من دون توضيح الأسباب، وبالمقابل فإن منظومة الطرف النقيض لم تظهر بأفضل حال، هو ذات الأسلوب السلبي في التعامل مع الحدث، ذات الاتهامات وذات الفشل في تقريب وجهات النظر.

وعدا عن ذلك كله، فإن الطرفين لم يعتمدا على منظومتهما الإعلامية لتحقيق مآربهما، بل خصّصا لتلك الواقعة، جيشاً من الناشطين الفيسبوكيين، منهم مأجورون ومنهم الآخر مِنْ سلالة المُصفقين دون وعي.

رغم إيمان الفرد بدور الإعلام في نقل معاناة وهموم أبناء المجتمعات على كافة الأصعدة، وتصحيح الأخطاء وكشف التّجاوزات وفضحها، تبقى رسالته الأسمى تلك التي تُبنى على قيمٍ وطنية أخلاقية، تُلزم العاملين في الحقل الإعلامي للعمل وفق أخلاقيات المهنة التي تتحقّق بوجود ضوابط معينة.

وبناءً على ذلك، يمكن للإعلام أن يلعب دوراً فاعلاً في تقريب وجهات النظر وإخماد نيران الكراهية التي أعْمَت أبصار مؤيّدي الطرفين الكُرديين، عبر خطابٍ إعلاميٍ مُتزن هدفه البناء لا الهدم والانتقام، من خلال وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين التيارات والأحزاب السياسية الكُردية، وإيقاف نشر وبث كل المواضيع والمواد الصحفية التي تُعزّز روح العِداء بين الطرفين وتسهم في زيادة التوتر والاحتقان في الشارع الكُردي.

وحريٌ بكافة وسائل الإعلام الكُردية، العمل بمهنية وحيادية تامة، والابتعاد عن الترويج للأفكار والآراء الحزبية التي تُعبّر عن معتقدات طرفٍ بعينه، وتبنّي برامج وحملات إعلامية، من شأنها  نشر ثقافة التفاؤل والأمل بتحقيق وحدة الصف الكُردي، واعتماد لغةٍ تتّسم بالتصالح والتسامح بين كافة الأطراف.

 مع كل ما تم ذكره، تبقى كرة الرّد عند أقدام السياسيين الذين يتحمّلون وزر ما ترتكبه وسائل إعلامهم الحزبية من مجازر بحق صاحبة الجلالة بحق السلطة الرابعة التي جُردت منها صفة السلطة بعد أن صارت خادمةً على أبواب أسيادها، وخلاصة القول فإنه من دون مبادراتٍ صادقة النوايا من جانب القيادات الحزبية بمختلف مناصبها السياسية، لا يمكن لتلك الوسائل تنفيذ خطوةٍ إيجابية واحدة باتجاه  التهدئة والحل السياسي.

نشر هذا المقال في العدد “61″ من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/3/2017

3

التعليقات مغلقة.