جـرن الذاكــرة..” عليكى بطّى”.. بطل زمانه

334
ولات-احمه
ولات احمه

جنبات الذاكرة الكُردية مشبعة بالوقائع والأحداث والشخصيات التي قدمت في مناحي العلم والأدب والفن والسياسة أبهى صور التفاني والتضحية. وكذلك، كانت في ميادين البطولة والبسالة شخصيات وقامات غمست إصبعها بقوة في دَنّ الذاكرة الجمعيّة، لتترك على جدار الزمن تفاصيل شيقة حُبِكت بكل دراية ومتعة، تناقلتها الشِفاه والحناجر، وقدمتها على طبق من ذهب لرفوف التاريخ الكُردي.

الذاكرة الشعبيّة الكُردية تمتلك مخزوناً شفوياً غنيّاً بالملاحم البطولية والشجاعة النادرة، التي تدفعنا أن نعاصر أبطالها، وشخوصها التي جسدت البسالة في الاستعداد الدائم للقتال، دفاعاً عن الحرية والكرامة، مع رفض قاطع لكل أشكال الخنوع والذل.

“عليك بطّێ “.. المعروف بين أبناء جلدته بـ”عليكێ بطي- Elîkê Betê” ولد في قرية “ميزيزاخ- Mizîzax” بالقرب من مدينة مدياد بشمالي كُردستان، والده بطي حسن عثمان، ووالدته هي فصلة فرحو. تقول بعض المصادر أنه ولد في عام 1882، وتزوج من السيدة سارة فرحو، وله ولدان هما يوسف ومحمد نذير.
لا توجد له أي صورة شخصية، لكن بحسب الذاكرة التي اتّخذت دور عدسة الكاميرا، كان ” عليكێ بطي ” رجلاً متوسط الطول يميل للقِصر، ممتلىء الجسم، له شاربان طويلان مفتولان.

“عليك” ينحدر من قبيلة “هفيركا”، ذائعة الصيت والنفوذ، حيث قبل 300 عام قام أمير بوطان بتوحيد حوالي 30 عشيرة من الكُرد، الأرمن، السريان، الإيزيديين، المسلمين تحت عباءة قبيلة واحدة أطلق عليها اسم “هفيركا”، تولى قيادتها آل علي رمو الذين تم إبادتهم من قبل العثمانيين بعد انهيار إمارة بوطان حوالي عام 1850 بسقوط يزدان شير، انتقاماً لموقفهم الموالي لأمراء بوطان.
كانت مشكلة الزعامة بين عشيرتي “الهفيركان” و”الدكشورية”، معضلة صعبة طوال تلك الفترة، التي أدت إلى صدامات دموية، ودفعت بعضهم بموالاة السلطات العثمانية للحصول على السلاح في سبيل بسط نفوذها العشائري، ومن خلال تلك الصراعات والتناحرات التي استغلتها وشجعتها الدولة العثمانية، سال الدم والثأر بين أبناء قبيلة “هفيركا”.
حيث، قام “جمو Cimo” من عشيرة “الدكشورية” بقتل حاجو الأول عم عليكێ بطي ، وفصل رأسه عن جسده، وهذا ما دفع  الأخير للانتقام والثأر لعمه حاجو الأول، ومع مرور الأيام وفي إحدى المواجهات قتل عليكێ ندّه “جمو” قاتل عمه، وبذلك بدأ اسم عليكێ بطي يتداول في كل الجلسات والمدن، وتقلّد أوسمة الشجاعة ونياشين البطولة، حتى أصبح بطل زمانه.

في عام 1913، فتح عليكێ بطّێ سجن نصيبين، وتعددت الروايات عن سبب قيامه بذلك، وفي إحداها: كان عليك في طريقه إلى زيارة تم دعوته إليها، وفي الطريق اعترضته أرملة كُردية، اشتكت وناجته عن حجم  ألمها وفاجعتها، حيث أن ولدها سجين في سجن نصيبين، دون أي ذنب، ولم تترك وسيلة لإطلاق سراحه لكن دون جدوى، ونصحها الناس بطلب المساعدة من عليك بطي، الذي لا يهاب أحد. يُقال في تمام اللحظة عاد عليك أدراجه ولم يكمل مسيره نحو مقصده، وتوجه مباشرة إلى سجن نصيبين، وطلب من القائمين على السجن إطلاق سراح الشاب، لكن لم يفلح بذلك على حجة أن الأمر يجب أن يصدر من السلطات العليا. مما دفع عليك بمهاجمة الحراس والقائمين على السجن، حيث قتل بعضهم وأسر بعض اﻵخر، وفتح باب سجن نصيبين على مصراعيه. وفتح لنفسه باباً في ذاكرة الكُرد، حيث الشجاعة والبسالة.

هذا، كان سبباً دامغاً لمطاردته من قبل السلطات دون هوادة، إلى جانب وقوفه برفقة البعض من زعماء عشيرته في وجه العثمانيين رافضين بسط سيطرتهم على مناطق نفوذهم. تم اعتقال عليكێ بطّێ برفقة بعض زعماء “هفيركا”، إلى جانب اعتقال “شمعونێ حنێ حَيْدو – Şemûnê  Henê Heydo” صديق طفولته وشبابه، ورفيق دربه في الشجاعة والبطولة،  وتم اقتيادهم إلى سجن “خربه ته – Xerpêtê”.
لاحقاً، ومن داخل السجن، يتفق عليك مع شمعون، وزعماء عشيرته على الفرار من السجن، والانتفاض في وجه العثمانيين من جديد.

تنجح محاولة عليكێ بطّێ وشمعون بالفرار عام 1917، وبالقرب من مدينة مدياد وقرية ميزيزاخ تبدأ انتفاضته ضد الدولة العثمانية، وتسقط الكثير من المناطق بيده ومن بينها مدينة نصيبين.

واجهتهم السلطات بكل قوة، واستمالت بعض العشائر الكُردية إلى جانبها لضرب الانتفاضة بيد من حديد، وبعد مواجهات دامت عدة أشهر، ولعدم التوازن العسكري في السلاح والعتاد، ونفاذ ذخيرة المنتفضين، تُجهض الانتفاضة.
يُقال عند نفاذ ذخيرة عليكێ بطّێ وهو في مواجهة العساكر، نصحه صديق طفولته ورفيق دربه شمعونێ حنێ حَيْدو بالتراجع, لكن “عليك” أصرّ على متابعة القتال بخنجره، ليسقط قتيلاً  برصاصة في 19 آب/ أغسطس 1919، بالقرب من قرية Midhê، شرقي مدينة نصيبين.
وانتقاماً منه، علقت السلطات الحاكمة جسده بشجرة لمدة ثلاثة أيام في ساحة مدينة مدياد، وفي اليوم الرابع تم دفنه من قبل أبناء جلدته في مسقط رأسه، قرية ميزيزاخ.
رحل عليكێ بطێ، بطل زمانه، وبقيت بطولاته وشجاعته مضرب مثل إلى يومنا هذا، حيث يقال لكُل من يود أن يقوم بعمل يحتاج للكثير من الشجاعة والقوة:

“هل أنت عليكێ بطێ حتى تقوم بذلك!”

12 ‫(30060425)‬ ‫‬

12 ‫(30060426)‬ ‫‬

12 ‫(30060427)‬ ‫‬

12 ‫(30060428)‬ ‫‬

نشرت هذه المادة في العدد 58من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/2/1017

16443589_1552461584768682_569990681_n

 

التعليقات مغلقة.