مؤتمر الأستانة ومسار الحل السوري
شيار عيسى
“لو أرادت الأطراف الكردية تمثيل الكرد بالصيغة الأمثل وتحقيق تطلعات الشعب الكردي فعليها قبل كل شيء أن تقوم بتقديم جملة من التنازلات، يتحمل القسم الأكبر منها حزب الاتحاد الديمقراطي، باعتباره من يملك زمام المبادرة والسلطة وعليه فإنه مطالب بفتح قنوات حوار جدية وتقديم تنازلات لهولير، لتخفيف الضغط التركي عليه”
من المؤكد أن اللحظة الناضجة التي تحدث عنها ويليام زارتمان، وهي لحظة تصل فيها كل الأطراف التفاوضية إلى قناعة أنها لم تعد تستطيع أن تكمل الصراع بسبب استنزاف قواها، لم تحن بعد، لكن المؤكد أيضاً أن مؤتمر الأستانة 3 هو خطوة مهمة في مسار الحل الذي بدأ في جنيف1.
التطوات السياسية، التي أفضت إلى تقارب روسي- تركي، كان من شأنها أن تغير خارطة تموضع القوات العسكرية على الأرض، فخسرت المعارضة حلب في فترة قياسية بعد صفقة روسية – تركية بمباركة أمريكية، أدت بدورها إلى تعقيد الموقف المتأزم أصلاً للمعارضة، وخاصة العسكرية منها.
التطورات تلك كان تشي بأن الأطراف الدولية، ومنها داعمي المعارضة، باتوا في أتم الاستعداد لتقديم مزيد من التنازلات للنظام السوري وحلفائه وأن كفة النظام باتت مرجحة، ليس بسبب قوة النظام الضاربة على الأرض، حتى وإن كان النظام قد حقق بعض الانتصارات التي لم يكن ليحققها لولا الرضى الدولي على ذلك، ولكن بسبب عدم ثقة المحور الأمريكي بالمعارضة، التي باتت شبه معزولة فعلياً على الأرض.
مهما يكن، فإن تلك التنازلات التي قدمت لنظام الأسد ليست بالقدر الذي يمكن فيه التوصل إلى حل نهائي للأزمة السورية في مؤتمر الأستانة 3، فالنظام وإن أصبح يملك مفاتيح قوة أكثر يوماً بعد يوم، بفضل الدعم اللامحدود من قبل حلفائه، وكذلك فشل المعارضة في بلورة رؤية واضحة للحل في سوريا تكون ضامنة لمصالح القوى الدولية.
قوة النظام التفاوضية تلك كانت السبب نفسه الذي دفع بالمعارضة للقبول بالجلوس على طاولة مفاوضات الأستانة بعد أن تم تذليل العديد من العقبات في جولات تفاوضية سابقة حين قبلت المعارضة التفاوض مع النظام بعد أن كانت ترفض ذلك، وكذلك بعد أن تم التغاضي عن مطلب إسقاط النظام وقبلت الكتائب المسلحة أيضاً العملية التفاوضية.
بطبيعة الحال ما كانت المعارضة لتقدم تلك التنازلات لولا تعاظم قوة النظام في مقابل تضاؤل فرص المعارضة في فرض أجنداتها وتضييق الخناق عليها عسكرياً، خاصة بعد سقوط حلب باتفاق سياسي، أدى إلى وقف الدعم عن المعارضة.
بالطبع لم يحسم النظام معركة حلب بفضل قوته العسكرية بل خسرها بقرار سياسي لتوجيه ضربة للكتائب المسلحة المتشددة التي يبدو أن القرار النهائي لتصفيتها قد اتخذ، بانتظار تنفيذه على مراحل. إذاً فالحسم العسكري يحتاج إلى حسم للخيارات السياسية وهو ما يوضح بصورة جلية أن الأستانة بصيغتها، التي ظهرت فيها، وكل مؤتمر يناقش المسائل العسكرية فقط لن يفضي إلى حلول نهائية، لكن هذا المؤتمر كان خطوة مهمة في طريق الحل من جهة القبول النهائي بالدور والرعاية الروسية. يبدو أن المؤتمر من جهة أخرى كان محاولة لتصفية الكتائب الأكثر تشدداً في المعارضة الأمر الذي تعيه المعارضة قبل غيرها وبدأت بالقبول به كأمر واقع، وهو ما يفسر التحريض، الذي يُمارس على جبهة النصرة بعد أن كانت المعارضة تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الثورة السورية.
كردياً تبقى فرص تشكيل وفد كردي مشترك للمشاركة في المؤتمرات الدولية شبه معدومة حالياً، ولذلك فإن تمثيل الكرد حتى لو كان عن طريق طرف واحد أفضل من عدم المشاركة، رغم أن التمثيل الكردي بذلك الشكل لن يكون لها تأثيرات إيجابية على الأرض، إلا من ناحية فرض تمثيل كردي في المؤتمرات اللاحقة أيضاً، وخاصة في ظل تخصيص الجلسات لنقاش المسائل العسكرية وحضور الأطراف، التي تسيطر على مناطق على الأرض السورية بعكس المجلس الوطني، الذي لا تتواجد له قوات في سوريا، لكن مشاركة المجلس تعني بضرورة الحالة ضخ الحياة في جسم المجلس الذي يتعرض لانتقادات من أقرب المقربين منه.
يبقى هكذا نوع من المؤتمرات عنواناً لفشل الدبلوماسية الكردية وخاصة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي ورغم كل ما يقدمه للقوى الدولية عسكرياً، الأمر الذي لم تستطع قوة عسكرية أخرى تقديم ولو جزء بسيط منه، إلا إنه لم يقوى للآن على تحقيق انتصارات سياسية وتنازلات من الأطراف الدولية لصالح قضية الشعب الكردي، لا بل عجز حتى في حجز مقعد له في تلك المؤتمرات مرة تلو الأخرى، والأسوأ حسمه خياره في إطار اختيار الهجوم على تلك المؤتمرات والتشكيك فيها، كبديل عن البحث في أسباب عدم دعوته ومحاولة تجاوزها.
لو أرادت الأطراف الكردية تمثيل الكرد بالصيغة الأمثل وتحقيق تطلعات الشعب الكردي فعليها قبل كل شيء أن تقوم بتقديم جملة من التنازلات، يتحمل القسم الأكبر منها حزب الاتحاد الديمقراطي، باعتباره من يملك زمام المبادرة والسلطة وعليه، فإنه مطالب بفتح قنوات حوار جدية وتقديم تنازلات لهولير، لتخفيف الضغط التركي عليه، والوصول إلى اتفاق تقاسم للسلطة وتشكيل حكومة انتقالية مهمتها وضع خطوط عريضة للسياسة الكردية، ولتمثيل الكرد في المحافل الدولية وصولاً لكتابة دستور وعرضه على استفتاء شعبي، وفي مراحل لاحقة إجراء انتخابات تشريعية تفضي إلى تشكيل حكومة منتخبة وشرعية.
نشرت هذه المقالة في العدد 58 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/2/2017
التعليقات مغلقة.