الطريق إلى الحرية

29
16117456_1532536613427846_1770122162_n
خالد عمر

خالد عمر

لعلّ سعي الإنسان العاقل على مرّ الأزمنة والعصور تمحور حول هذه الكلمة (( الحقيقة ))، إنها “حقيقة الحياة” والتي تعني في جوهرها “الحياة الحرة” والنضال في سبيلها بمجابهة القوى التي تقف حائلاً أمام وصول الإنسان إلى ذلك المعنى العظيم والمليء بنفسه بالمعاني السامية، وإنّ قضية الحرية تكاد تكون أسمى من الحياة نفسها فلا معنى لحياة الإنسان ما لم يناضل في سبيل الحرية حتى وإن انتهت حياته كفرد قبل أن تبلغ ذروتها.

تشكل المعاني الخاطئة للمصطلحات والمفاهيم جوهر المشكلة التي تقف عائقاً أمام بلوغ الحرية، ويندرج ذلك تحت مسألة تحديد الهدف في حياة الإنسان، فلا يعقل أن يسعى الإنسان وراء هدف ويناضل من أجله دون أن يكون قد عرف وفهم المعنى الصحيح لهذا الهدف وما يرتبط به من متعلقات تفرض نفسها لدى السعي إلى الهدف، لأن ترسُّخَ معنىً غير صحيح للهدف في ذهنية الإنسان سيترتب عليه اتباع الأسلوب الخاطئ وبالتالي سنكون بصدد شكل مشوّه للنضال، يكون في حقيقته في الضد من بلوغ الهدف المنشود.

إن تغيير الذهنية المشوهة الموجودة يحتاج إلى نضالٍ مرير مليء بالتفاصيل الكثيرة المؤلمة ويحتاج إلى بروز شخصياتٍ استثنائية من بين صفوف الشعب تتولى عملية التغيير المطلوبة، إذاً فحتى نمتلك الأسلوب الصحيح الذي يوصلنا إلى الحرية يجب أن نعرف ونمتلك القدر الكافي من الوعي والإدراك لمعنى الحرية، وهذا لا يعني نسف التجارب والثورات السابقة في تاريخ الإنسانية والحكم عليها بالفشل أو على الأقل الحكم عليها بسوء نية قادتها وروّادها، إنما كل واحدة منها كانت عملاً في الاتجاه الصحيح بحسب الظروف والشروط وطرازات النضال التي كانت سائدة في أوقات وأماكن حصولها ولكن ذلك النمط من التفكير وتلك الطرازات لم تعد صالحة من أجل الوصول إلى الحرية في وقتنا الراهن وضمن جغرافية وديمغرافية الشرق الأوسط، وستكون خطيئة كبرى سيحاسبنا عليها التاريخ إذا ما كررنا تجارب فشلت وبذات الوقت إن لم نستفد منها كدروس وعبر ذات قيمة كبيرة جداً، بل إن الواجب الأخلاقي يفرض علينا استذكار تلك التجارب وروادها والوقوف باحترام لجهودهم وتضحياتهم، مع ذلك فإن هناك تصرفات ومواقف لا يختلف تقييمها باختلاف الزمان والمكان، ففعل الخيانة يبقى خيانة مهما اختلفت الأزمان والأماكن ولا يمكن أن يبررها أي مبرر.

إن أولى الخطوات باتجاه الحرية تكمن في معرفة الذات  ومعرفة الكردي لذاته تأتي عن طريق الثورة، ولقد عانى الشعب الكردي من أبشع ممارسات الإبادة العرقية والثقافية وطمس الهوية والإلحاق بالغير من العرب والترك والفرس، لقد بات شعباً عديم الشخصية، إلا أن شعباً ضاربةً جذوره في أعماق التاريخ السحيقة ومصدر الفكر والحضارة لكل بقاع العالم، ذلك الشعب المتشرب بثقافة المقاومة والذي استطاع الحفاظ على وجوده رغم كل محاولات الإبادة والصهر التي تعرض لها على يد القوى المحتلة لكردستان قبل وبعد سايكس بيكو، هكذا شعب لابد له أن ينهض وينتفض في وجه الأنظمة المركزية لأن بذرة المقاومة لم تيبس فيه ولا بد من عودةٍ إلى الحالة الطبيعية إلا أن هكذا عودة لا تتحقق بانتظار الأقدار أو على يد الغير وإنما من خلال التنظيم وتوجيه الطاقة الشعبية في الاتجاه الصحيح وحتى يتم ذلك فإن الشعب يحتاج إلى الطليعة الثورية التي تقوده، تلك الطليعة التي تبتدأ في معرفة ذاتها أولاً ومن ثم تجعل هذا الشعب يعرف ذاته من خلال قراءة التاريخ وتحليله وصولاً إلى أصل المشكلة ومن ثم رسم طريق الحل ضمن الظروف والأوضاع الراهنة.

مع بدء ربيع الشعوب وانتفاض الشعب في سوريا انقسمت الحركة السياسية الكردية إلى قسمين اثنين عريضين وقسم ثالث متذبذب متقلب بين الحين والآخر، واحد من القسمين الأولين يتكون من الشخصيات ذات التفكير التقليدي والدوغمائي والفاقد للشخصية والمصر على التبعية للغير واستجداء الرضا وهمهم الأول والأخير هو تكديس رؤوس الأموال دون أن يردعهم في ذلك أي رادع بل وصلت بهم الحال إلى تصرفات ومواقف تنافي أبسط المبادئ الأخلاقية التي تفرض نفسها بين الكرد كشعب ولو أن الشعب سار خلفهم لكانت حال الكرد والمناطق الكردية أسوأ من حال أكثر المناطق السورية التي تعرضت للدمار والتي تعرض سكانها للإبادة الجسدية، ها قد مضت ست سنوات من الثورة السورية ومن حق أي مواطن أن يسأل ماذا حقق المجلس الوطني الكردي للقضيتين الكردية والسورية ضمن صفوف الائتلاف، ليس من المعقول أن يضحك المرء على نفسه ويقنع نفسه وغيره بصلاحية هذا الجسم أو فلنقل هذا الطراز من النضال لريادة شعب يعيش الثورة، فالائتلاف ورغم مواقفه المعادية للكرد ورغم تشرّب أغلب أعضائه بالشوفينية وادعائهم العروبية لم يحققوا شيئاً للشعب العربي في سوريا فكيف لهم أن يخطوا خطوة لصالح الكرد لأنهم ليسوا أصحاب مشروع عام أساساً، إنما لهم مشروع خاص وهدفهم الوحيد هو الوصول للسلطة متسلقين على جماجم السوريين وأطلال مساكنهم ومدنهم، وكانت لديهم القابلية التامة لأن يصيروا أداة بيد القوى الإقليمية والدولية تحركهم كيفما تشاء مصالح تلك الدول وصراعاتها على تثبيت النفوذ  على الأرض السورية أما القسم المتذبذب المتمثل بتيار البرجوازية الصغيرة الذي يتقلب من طراز إلى آخر وفق ما تقتضي مصلحته الخاصة هو أيضاً، فكل من التصنيفين السابقين يشتركان في أنهما يعملان لمصلحتهما الخاصة والتبعية للغير، فأحدهما يتبع الائتلاف الذي لا يعترف به أساساً والثاني متقلب في تبعيته ما بين المعارضة والنظام وما بينهما، وكذلك يشتركان بمعاداتهما للنهج الثوري الديمقراطي (الخط الثالث) صاحب المشروع العام والذي يعمل في إطار الحل الحقيقي للقضيتين الكردية والسورية ضمن وحدة سوريا.

نشرت هذه المقالة في العدد 57 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/1/2017

16118352_1532483513433156_1266549255_n

التعليقات مغلقة.