دساتير الحركة الكردية ما بين اعتبارات الكينونة ومآزق الاضمحلال!
عامر خ. مراد
تستند الشرعة الوطنية في التأسيس لأي نظام حاكم على سلطة الشعب وسلطة الجهات المختصة والضامنة للولوج نحو أفضل المخارج لأي حالة من الحاجة للوصول لهدف ما في الحالة الطبيعية.
وإذا كانت الدساتير هي مادة الاستناد للتحرك نحو أي فعل تأسيسي في الكيان الوطني فلابد من البحث عن أفضل السبل لوضع هذا الدستور على أكمل صورة دون الشوائب المحرجة للرغبة العامة للمواطنين.
مسودة مشروع الدستور المقدمة للنقاش الداخلي في المجلس الوطني الكردي وعلى مستوى القيادة كما يبدو تمثل حالة يمكن الحديث عنها مطولا قبل الدخول في تفاصيل المضمون وهذا ما سيكون موضوع حديثنا في هذا المقال.
في البداية لابد من التحدث عن الظروف المحيطة بأي دستور كامل من جهة تطويعه للظرف والأوضاع شبه النهائية التي آلت إليها ظروف الجماعة أو الشعب الذي يكتب الدستور لأجله وإذا بدانا هذا الحديث فإننا سندخل مطولا في الحديث عن الحالة السورية عموما وجملة واسعة من التناقضات الدولية والتداخلات الاقليمية والاختلافات الداخلية المتحكمة بمجملها في صناعة الحل في سوريا والتي لا تبدو لها آفاق قريبة بغض النظر عن البحث في الكوامن السرية في بعض الاتفاقات التي لا يمكن الاستناد لها للطمأنينة للمستقبل الذي يمكن الاحساس بضرورة وضع دستور لأجله, فآفاق الحل السورية ومضمون أي اتفاق بخصوص هذا الحل السوري ستكون الأساس الأول لوضع دستور سوري عام أو دساتير اقليمية أو أو …. الخ.
أما الأمر الآخر الذي يجب الحديث عنه هو جملة واسعة من التناقضات الموجودة في المجتمع الداخلي الكردي والذي لا يمكن الاحتكام إلى أي مستند لمعرفة الممثل الذي يمكنه أن يتكفل بوضع أي دستور لروجآفايي كردستان, فالحراك السياسي الكردي مقسم إلى ما يقارب الأربع جهات والتي لا يمكن لأي منها العمل بشكل ايجابي دون الاتفاق مع الآخر وأي تحرك دستوري أو حتى صياغة أي قانون تتطلب التوافق بين هذه الجهات أو على الأقل بين المجلس الوطني الكردي وتف دم, والأمثلة على عدم القدرة على تطبيق أي قانون أو قرار كثيرة في مجتمعنا فالعديد من القرارات أو المقترحات أو الدعوات التي تم إصدارها من قبل الطرفين الكرديين مازالت في سياق كونها حبرا على ورق أو تطبق فقط على مؤيدي هذه الجهة حينا وأحيانا أخرى كرها على مؤيدي الجهة الأخرى.
الأمر الثالث الذي يجب التطرق له هو هل لدى المجلس الوطني الكردي القدرات التي تؤهله للقيام بهذا العمل الذي يتطلب زمنا وجهدا وخبرات أضعاف ما تم تسخيره لهذه المسودة الناشئة والتي خرجت للنور بعد أن كانت في الظلام فأي دستور يجب أن يبدأ بالتأسيس له في النور ويخرج للنور لتزداد نسبة المساهمة فيه من قبل الجهات السياسية الموجودة والأطر القانونية القائمة على الأرض والفعاليات الشعبية التي تهمها (فقط) هذه الدساتير وما تتضمنه من قوانين وأسس, فهل دعا المجلس الكردي كافة الفعاليات والأطر المعنية للمساهمة في وضع اللبنات الأولى لهذه المسودة وليس التطوير والإضافة لها لأن العمل ذو الأسس السليمة يبدأ منذ البداية مع وضع اللبنات الأولى أما أن تضع الأركان الهشة وتدعو بعدها للتطوير فهذا يعني لعبا على الذقون ورغبة جامحة في سقوط من يرغب في الإضافة في فخ الخطأ سلفا.
ولكن هل من الممكن لأي دستور أن يكون ورقة ضغط فعّالة أم رؤية الحل العامة هي الورقة الأكثر ضمانا للوصول إلى حالة من الضغط الحقيقي على باقي الأطراف المفاوضة؟
بالتأكيد لابد من تفهم أن أي دستور سيتضمن أخطاء, وفي هذه الحالة الفردانية واللاتشاورية ستكون هذه الأخطاء قاتلة, لأن الضمان دائما هو البحث عن العموميات وكسب التأييد للصيغ العامة من قبل الطرف الآخر وليس قبوله بالدقائق الصغيرة, فكل هذه العموميات ستكون فسحة للتحرك وتطوير الأداء التفاوضي مستقبلا في حال وصول الأوضاع لما هو قابل لوضع دستور للمنطقة الكردية.
قد نتقبل رغبة المجلس الوطني الكردي فقط في وضع رؤية للدستور لا الدستور بذاته في هذه المرحلة ضمانا للبحث عن توافقات داخلية واقرارات دولية بهذه الرؤية أما أن يكون هذا الدستور (مهما تم تطويره) دستورا لما يسعى المجلس له من صورة فيدرالية للمنطقة الكردية فهذا لن تقبل به أي جهة حتى كافة الأطر المستقلة والمقربة من المجلس ذاته.
وإذا كانت فكرة هذا الدستور قد أمليت على المجلس فليدرك المجلس بأن هذه الطريقة لتناول الشأن القومي الكردي غير مجدية في الوصول للشرعية أما إذا كانت الفكرة من بنات أفكار بعض (الجهابذة) من قيادات المجلس فهي الطامة الكبرى لأنها تعمل على التأسيس لتفعيل أدوات الربط بين هذه القيادات وكراسي الزعامة التي يجري البحث عنها منذ الآن في خفايا كواليس المجلس ضمن سياقات البحث عن امبراطوريات سياسية وهمية على غرار ما يعمل عليه البعض من هذه القيادات من البحث عن امبراطوريات اقتصادية قيد التأسيس.
وما يجب العمل عليه باعتقادي هو بناء جدران وليس جدارا وحيدا من الثقة بين الأطراف الكردية أولا وجدران أخرى من الثقة بالكوادر القانونية والحقوقية الموجودة في المجتمع الكردي دون اقصاءات ومن ثم الطمأنينة لقدرات الحركة الكردية في حال تكاملها وتنسيقها الداخلي على فرض شروط الرؤية الكردية للحل في سوريا وبعدها ستكون الفرصة سانحة لأي دساتير يتم اقتراحها عموما ويتم العمل عليها عموما ليصار إلى تطبيقها وعدم رفضها عموما سواء في الداخل الكردي أو الخارج المتحكم بمفاتيح الحل في الأزمة السورية, لأن ما يبدو من تخبصات للحركة الكردية بين الحين والآخر هي نتاج حالة من التشرذم والرغبة في اثبات الذات.
نشرت هذه المقالة في العدد 57 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/1/2017
التعليقات مغلقة.