الخرائط الجديدة والترقب
ماهين شيخاني
كلّنا ندرك العراقيل وتشابك المصالح الدولية والإقليمية، وكيف قسمت كردستان بدءا بين الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية، ومن ثم التقسيم الحاصل حسب( سايكس وبيكو) 1916، وبجرة قلم على جغرافية كردستان، حيث الحقت رغما بأجزاء أخرى حديثة التكوين والمنشأ، فقد كانت الثروات الباطنية والطبيعية لكردستان وبالا على شعبها، وبعد مرور قرن من الزمن تسرّبت معلومات جديدة، ربّما استخباراتية لتهيئة الظروف لمشروعالشرق الأوسط الجديد، وظهرت الثورات في العديد من الدول العربية، وخرجت تطالب بالتغيير والتعبير عن حريتها، وسمّيت ب / الربيع/ ومن ثمّ كشفت رسومات لخرائط جديدة للمنطقة، ومنها موقع كردستان في العالم و الاستحقاقات التي تقع على عاتق الدول التي أخّرت نشوء دولتها، وشاءت الأقدار أن يكون للكرد هذه المرّة أيضاً محل الصراع بين الدول، لكن بسبب مرور أنابيب الغاز في أراضيها.
ويوما بعد آخر تكشف إيران أطماعها التوسعية بالمنطقة العربية والكردية، من خلال رسم خريطة تصلها بالبحر المتوسط ( الهلال الشيعي )، فالدول المغتصبة لكردستان تتصارع فيما بينها وتختلف في كل شيء إلّا في استحقاقات قضية الشعب الكردي، فهم على أهبة الاستعداد للتآمر على أيّ مكسب كردي وفي أي جزء كان، ولو على أبسط حقوقه الإنسانيّة والثقافية، والزيارات المكوكية بين تلك الدول رغم صراعاتها خير دليل، والتحول الأخير في موقف تركيا واضح وجلي، حيث كشفت تقارير صحفيّة عن أن الرئيس التركي قد يلتقي الرئيس السوري برعاية روسية ، كما أكّدت مصادر إيرانيّة وتركية عن توقعات، بأن يقوم الأسد بزيارة سريّة إلى تركيا. ولمحت تلك المصادر إلى إمكانية أن يخفف الرئيس التركي من حدّة موقفه المتشدد من الرئيس السوري شريطة تعاونه في منع قيام كيان كردي.
وهنا ﻻ بدّ أن نذكر بهذا الصدد موقف المعارضة السورية والعراقية من القضية الكردية، فهي ( المعارضة) وللحقيقة ما نلاحظه أنّها تقبل التدخل الأجنبي التركي في الأراضي السورية، وحتّى اقتطاع أراض من أجزاءها لقاء محاربة الكرد كي ﻻ يحصلون على أيّ حقّ ولو بأقل استحقاق ، فهم يقبلون بالإدارة الذاتيّة في حلب وإدلب وأي محافظة عربية كحق مشروع، لكنّهم يتصدون لرغبة الإدارة الذاتيّة في عفرين وكوباني والجزيرة، ويعتبرونها مشروع خيانة وتقسيم، ويجب معاداتها حتّى لو وصل بهم الأمر لفتح أبوابهم كاملة لتركيا، وحتّى خلق فتنة وعداوة بين الشعب العربي و الشعب الكردي، وقد سمعنا نداءات وتصاريح وهجمات بعض ممن يعتبرون أنفسهم من المعارضة ومع الحرية، أشرس الهجمات لخلق نعرات شوفينية.
أمّا تركيا التي تظاهرت بالديمقراطية فترة ما، عادت إلى نقطة الصفر ورجعت إلى بداية الثمانينات حيث القتل والتهجير والتدمير والاعتقال بحق الشعب الكردي، وجرّ المنطقة برمتها إلى أتون حرب شعواء ستدفع شعوب المنطقة ثمناً باهظا لحماقات أردوغان.
وما نشهده من تمدد اليمين في أوربا، أي ذهاب العولمة وتحصين قلاعها من الإرهاب والإرهابيين، حفاظاً على بلدانهم من الشر القادم نحوهم من همجيّة فكر متطرف.
وبعد وصول ترامب لقيادة أمريكا والعالم، فما يلاحظ من تصريحاته أن أمريكا هي أوﻻ وأخيرا، فلا صداقات دائمة في السياسة، كلّ ما يهمّ الدول هي مصالحها فقط، ومن يهمّه التأكد، عليه بتقليب صفحات التاريخ فجمهورية مهاباد، واتفاقية الجزائر المشؤومة والخيانات الكثيرة التي طالت جسد القضية الكردية ﻻ تعد ولا تحصى.
المصالح الأمريكية العليا ﻻ اختلاف عليها بين الجمهوريين والديمقراطيين، ربّما يكون الاختلاف في التكتيك وليس في الاستراتيجية.
وختاماً نقول ليس للشرق الأوسط من سياسة سوى الترقب لما يتفق عليه الدول العظمى، فلا الحرب وﻻ السلم من صنع العرب والكرد.
نشرت هذه المقالة في العدد 55 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/12/2016
التعليقات مغلقة.