معارك الشمال …سوف تحدد معالم سوريا الجديدة!

40
15151260_1202698619810569_740168187_n
طه الحامد

طه الحامد

عندما أطلق الروس والإيرانيون، والنظام السوري يد جيش الاحتلال التركي في الشمال السوري بدءاً من جرابلس، كانوا يدركون أنّ الماكينة العسكرية الأمريكية والغربية بصدد فرض واقع جديد يقلّص من النفوذ الإيرانيوالروسي، وتحصرهما في جغرافية سوريا الأسدية، لذلك منحوا أردوغان وجيشه كرتاً أخضراً هناك، ومنحوه مساحة جغرافيّة بعمق 12 كيلومتر بحسب التسريبات، يستطيع أردوغان اللعب فيها مقابل ترك حلب كلياً، إضافةً إلى تشجيع الكتائب التي تُؤتمر من أجهزة الاستخبارات التركية، والتي تسبب الارتباكات لجيش النظام في خواصر دمشق، من الانسحاب إلى تلك البقعة التي مُنحت لأردوغان.

وبهذا أراد الروس وحلفاؤه أن يحققوا عدّة أهداف:

1-تخفيف الضغط على النظام، من خلال سحب الكتائب المسلحة من ريف دمشق، ومنح جيش النظام فرصة لإعادة ترتيب قواه، والتركيز على حلب.

 2-استمالة أردوغان وإخراجه من دائرة المحور الغربي الأمريكي، وخاصة أنّ أردوغان فقد أمله بشكل كبير من الغرب، بحيث لم يحصل منهم على ما يريد وخاصّة فيما يتعلق بوقف التحالف الدولي دعمه لوحدات حماية الشعب،وقوات سوريا الديمقراطيّة.

3-خلق معركة جانبيّة بين المعارضة المسلحة، ووحدات حماية الشعب، واستنزاف قدراتهما، وهذا فيه مصلحة إيرانيّة سوريّة مشتركة لأنهما الخصمان الأساسيان للنظام وللميليشيات التابعة لهما، ويخلق أريحيّة لهما في جبهات أخرى.

4-تحقيق الرغبة التركيّة الإيرانيّة السورية المشتركة وهي عدم إعطاء أي فرصة لتشكيل إقليم متكامل ذات صبغة قومية كردية، وخاصة أنّ هذا الإقليم الناشئ سيكون منطقة نفوذ أمريكية غربية …حيث تتواجد قواتبريّة، وخبراء من 12 دولة غربية هناك دون التنسيق مع الروس.

5 -روسيا منذ بداية الأزمة فاوضت الكرد على عفرين، وطلبت أن تكون تابعيتها لسوريا المفيدة، وأن تكون ضمن منطقة نفوذها، وبهذا ليس من مصلحتهم إيصال كوباني بعفرين.

فالصراع في الشمال السوري أخذ منحيين، المنحى الأول، صراع على الأرض بين قوى إقليميّة ودوليّة داخلة بشكل عميق في الصراع السوري، وهذا المنحى أخذ طابعاً عالميّا أكثر من كونه صراعاً محليّاً له أبعاد استراتيجيّة طويلة الأمد، تتعلق برسم خرائط تقسيم النفوذ والمصالح وربّما الحدود الدوليّة الجديدة في سوريا والعراق، وقد تمتد تداعياتها لاحقاً إلى تركيا وإيران!

المنحى الثاني ذو أبعاد طائفية قوميّة، محوره الكرد والسنّة، حيث تتلاقى الرؤى والمخططات الإيرانيّة التركيّة السوريّة في منطقة حمراء لا تهادن معها، وهي إيقاف النهوض والصعود القومي الكردي بأيّ ثمن، حتّى لو استدعى الأمر أن يتنازل هذا الفريق أو ذاك تنازلات ثمينة لبعضهم البعض، ومثال ذلك تنازل تركيا عن مناطق كانت تعتبرها امتداد حيوي طائفي سنّي لصالح التمدد الشيعي، مقابل تنازل النظام عن سيادته المزعومة، والسكوت عن احتلال تركيا لمنطقة تمتد من جرابلس إلى إعزاز، وبلحتّى أعمق من ذلك مادام هذا التدخل سوف يستهدف الكرد ويعيق مشروع الفيدراليّة، لأنّ النظام حاليّا يتجنب الصراع المباشر مع الإدارة الذاتيّة والكرد فلا بأس من أن تحاربهم تركيا بالنيابة.

اصطفافات دولية وتقاسم أدوار!

في الوقت الذي يركّز المحور الروسي الإيراني السوري جلّ جهده العسكري على الكتائب المسلحة التي تطالب بإسقاط النظام، ترك هذا المحور يد الدواعش حرّة في مناطق أخرى بحيث أفسحت لها المجال بشكل واضح أحياناً، وهذا يفيد النظام والروس مادام داعش يخوض معاركه بعيداً عن النظام ومناطق تواجده، وخاصّة أنّ كل معاركه هي ضدّ روجآفا، وأحياناً ضدّ الفصائل العسكرية المناوئة للأسد، والتي كانت تلقى الدعم من الأمريكان والغرب، وخاصّة أنّ جهاز الاستخبارات الأمريكية كان يشرف على عمليات بعض الفصائل.

ومن جهة أخرى، المحور الأمريكي الغربي يركّز جهده العسكري على ضرب داعش، ودعم القوى المناوئة للنظام والروس في مناطق أخرى، دون أن يتدخل هذا المحور بمناطق المحور الآخر أو بالعكس، في عمليّة تقاسم أدواروتفاهمات، كخصوم يحومون حول فريسة واحدة وليس كأصدقاء.

الكرد، اللاعب الذي لا يمكن الاستغناء عنه!

في الوقت الذي اصطفت المعارضة السوريّة ضد النظام مع المحور الأمريكي السعودي القطري التركي، وارتهنت لهم كلياً، سلكت الإدارة الذاتيّة سياسة براغماتية متقنة بحيث استطاعت أن تفرض نفسها على المحورين، ولم تضع كل البيض في سلّة واحدة، فمن جهة استطاعت بناء علاقات عسكريّة هامة للغاية مع التحالف الدولي، لمحاربة داعش كونه القوّة الوحيدة التي استطاع أن يهزم داعش، ولا يمكن الاستغناء عنهم في هذا المجال، والتحالف بحاجة لهم في هذا المضمار، وكذلك سيحتاجون لهم مستقبلاً في إعادة رسم معالم المنطقة كحليف بديل محتمل، إن حصل الطلاق النهائي بين تركيا والغرب، وإن لم يحصل ذلك، واستطاع الأتراك كسب ودّ الغرب والتخلّي عن الكرد، فهناك خيار آخر للكرد، وهو العودة إلى المحور الروسي، لأنّه من المحال أن تبقى تركيا ضمن المحورين المتناقضين.

ولهذا احتفظت الإدارة الذاتية بعلاقات سياسيّة دبلوماسيّة مع الروس، وإن ذهبت تركيا بعيداً عن الرغبات الروسيّة قد تتحول تلك العلاقات إلى علاقات عسكريّة استراتيجيّة تتطور لحد فرض الفيدرالية، وتهديد الأتراكبهذه الورقة بشكل دائم، وانتزاع الشمال السوري من نفوذ الأمريكان.

فالمحصلة أن الجميع يبحث عن مصالحه، وفرض نفوذه ولا يمكن أن يلتقي الأمريكان والروس والأتراك والإيرانيون في كل النقاط، وتبقى الحالة الكردية هي المفصلية، هم يلعبون كورقة من وجهة نظرهم، ليس حبّا ولاودّاً بالكرد إنّما لأن الكرد أصبحوا لاعبين، يمكنهم أيضاً أن يلعبوا بهم، بفضل الإرادة والعزيمة التي يمتلكها المقاتل الكردي وبفضل المشروع العلماني الديمقراطي الذي يلقى قبولاً من غالبية الدول ومكونات روجآفا والشمال السوري بعد أن أثبتوا أنهم الفسحة المضيئة الوحيدة في لوحة السواد السوري.

ولهذا إن معارك شمال سوريا هي معارك مصيريّة للجميع، وخاصة معركة الباب وسوف يضع الجميع بثقله هناك.. وكلٌّ سوف يدفع باتجاه السيطرة على مفتاح الحل السياسي المرتقب، وهي أصبحت موجودة في الشمال وليس في دمشق.

 من يفوز بها سوف يفرض شروطه ..وضمن هذه المعطيات قد تلجأ جميع الأطراف إلى حلول وسطى من خلال توافقات ترضي الجميع وتمهّد لحل دائم ..أو ينفجر الوضع عن بكرة أبيه وتكون منطقة الباب اللغم المنتظر !!

نشرت هذه المقالة في العدد 55 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/12/2016

15591749_1501479433200231_100267774_n

التعليقات مغلقة.