الرقة والموصل بين زحمة المشاريع الكردية
شفان إبراهيم
تتجه الأنظار نحو الاتفاقيات المضمرة حول نتائج معركة تحرير الموصل، خاصّة عَقِبَ إصرار القيادة الكردستانية على عدم انسحاب البيشمركة من أي نقطة تمّ تحريرها هناك. كما يترقب الكرد نتائج معركة غضب الفرات لتحرير الرقة، خاصة وأنّ الأهم يكمن في عملية ما بعد تحرير الرقة وليس التحرير بذاته.
تتجه الحياة السياسية في غرب كردستان نحو مزيد من التعقيد والتجاذبات التي تصل في بعض مفاصلها إلى حد التفجير الذي لا يُحمد عُقباه.
أحزاب سياسيّة كردية في جنوب كردستان تُصعّد من المشهد السياسي وتدفع باتجاه المزيد من الاحتقان والتوتر لتصل إلى مرحلة التصادم الذي ربّما تنشده بقصد السيطرة على السلطة أو الوقوف في وجه المشروع القومي. وعلى الرغم من الخلافات الإيرانية التركية، لكن المُراد فعله منذ بدايات الربيع العربي هو إعادة جالديران جديدة تطحن الكرد من جديد وبطريقة مباشرة. وقد تكون التدخلات الإقليمية في عملية تحرير الرقة متشابهة -كردياً- مع مثيلتها في الموصل من ناحية إجهاض الوجود الكردي في سوريا على مختلف الصعد أو خلق أحداث سياسية للوصول إلى نتائج أقلها الدفع نحو تهجير ما تبقى من الكرد في سوريا ودفع القسم الآخر نحو محرقة لن يُحمد عٌقباها.
ما يُميز معركة تحرير الرقة عن تحرير الموصول، هو أنّ عشائر الرقة كانت تُعدّ من بين أبرز وأكثر العشائر موالاة للنظام السوري، والخلافات الموجودة بين داعش وتلك العشائر من جهة، ودخول قوات سوريا الديمقراطية إلى الرقة قبل الاتفاق مع أهلها ربّما يُعقّد المشهد السياسي ويدفع نحو المزيد من التشنج والصدام الكردي العربي، لكن من جهة ثانية لابدّ من خطوات عسكرية تدفع بالعدو إلى أبعد نقطة ممكنة عن حدود الإقليم الكردي في سوريا، خطوة سيُكتب لها النجاح فيما لو وجد أي تنسيق كردي – كردي حول هذه المواضيع المصيرية، إضافة إلى ضرورة انسجام قوات التحالف كلياً من إعلان الـــ( قسد)، للحملة دون خشية وقوف التحالف إلى جانب تركيا بدلاً من تلك القوات، ما سيخلق حالة جهنمية لن يدفع فاتورتها سوى الشعب الكردي. إضافة إلى أنّ تركيا تتصنع الانزعاج من تواجد الـــ(قسد) في الرقة، وهي تعلم أن نتائج تلك المعركة غير محسومة وغير محمودة العواقب من جهة، ومن جهة ثانية تقرأ مستقبل تواجد تلك القوات في منبج وغيرها من المناطق الحدودية، ما يسرّ تركيا رؤية حدودها خالية من قوات الـ(قسد). أمّا الموصل فإنّها تُعد البركان الذي سيفجّر الشرق الأوسط، فالكرد يتربصون انتهاء المعركة للتوجه نحو إعلان النظام السياسي الجديد ما بين الكونفدرالية أو الاستقلال. أضحى العراق مُنتهياً بالشكل الرسمي، وتدرك كلاٌ من إيران وتركيا استحالة إيقاف عجلة رسم الخرائط الجديدة، أو منع حصّة الكرد من الترسيمات الجديدة، على الرغم من استفادتهم كثيراً من وجود كيان كردي مستقل في المنطقة سواء اقتصاديا أو وضع حدّ نهائي للصراع السنّي الشيعي في المنطقة.
مدينة الباب ستكون بيت القصيد في الصراع الدائر في الشمال السوري، فكلّ من تركيا، المعارضة المسلحة، و(قسد) كلّها ترغب بالسيطرة على الباب، لموقعها الاستراتيجي والتحكم بزمام المبادرة والقدرة على التدخل حتّى في مدينة حلب ذاتها، وأهميتها بالنسبة للوصول إلى البحر المتوسط، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتدخل الإيراني وقوات الحشد الشعبي العراقي في معركة الباب.
من المتفق عليه أنّ خطاب المرشح للرئاسة يختلف عن ممارسات مستلم الرئاسة. فقد أثارت تصريحات ترامب عن دعمه للكرد في حربهم ضدّ داعش، موجة من الرضى والاستحسان، لكن الموقف الأمريكي حيال الكرد المدعوم سياسياً ودبلوماسياً في الموصل، يختلف عن موقفهم في الرقة وما سبقها من معارك، فالعلاقة حتّى الآن تقتصر على الدعم الجوي لقوات الــ(قسد)، وصحيح أن ترامب أشار إلى إمكانية التفاهم مع تركيا حول الوجود الكردي، لكن السؤال من هو الطرف الكردي المقصود بالتفاهم مع تركيا، أم أنّ النية تتجه لتوحيد الموقف الكردي سياسياً ولو بعد حين؟
مستقبل عجلة الربيع العربي بدأت تستفز كل من تركيا وإيران والخليج من جديد. فالرئيس الأمريكي الجديد ( ترامب) لمح إلى ضعف وانهيار العراق وسوريا، فأحسنت تركيا والخليج قراءة وفهم الرسالة جيداً، وباتتا مُلزمتين بالتوجه نحو الكيانات الاتحادية في سوريا، و على أقل تقدير الكونفدرالية في العراق. فهل ستتحرك دول الخليج العربي نحو الدفع باتجاه إنجاح معركة الموصل ورفد المشروع القومي الكردي على أمل عقد شراكات اقتصادية سياسية بينها وبين كردستان، وهل سترضخ تركيا للأمر الواقع وتضغط على المعارضة السورية لقبول الحل الفدرالي في سوريا.
كما أنّ ترامب غير مستعد لرؤية أي دولة قوية اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً، ولم يمهل نفسه الوقت الكافي لإرسال رسائل التهديد والتذكير بضرورة سدّ الخليج للديون، لذا فإنّ غاز الشرق لابدّ أن يكون حصة أمريكية دون أي شريك، إضافة إلى عدم قبوله للعلاقات التركية القوية مع روسيا وإيران والخليج. أم أن ترامب سيتجه لتشكيل تحالف مؤلّف من مصر والخليج وتركيا لمحاربة الإرهاب، تتقاطع مصالح بعضها مع نشوء دولة كردستان، وتتوجس الأخرى نتيجة وجود ملايين الكرد في الجزء المُلحق بها.
أشهر لاهبة ومصيرية في انتظار الكرد، خاصة بعد تيههم وسط زحمة المشاريع ما بين القومية والفدرالية من جهة، وما بين الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية من جهة أخرى.
نشرت هذه المقالة في العدد 55 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/12/2016
التعليقات مغلقة.