ماذا يحدث في سوريا والعراق؟

25

14962340_1448342041847304_1356538646_nفاروق حجّي مصطفى

في 2004 زرت قناة تلفزيونية كردية في كردستان العراق، وكانت حينها القناة الأولى تقريبا، استقبلني مدير القناة، وهو يحمل همّاً سياسياً كبيراً، كونه مناضل يساريّ واليسار كما هو معلوم الشريحة الأكثر اطلاعاً منذ تشكيل نواة الدولة في مناطقنا، نقصد هنا الدولة القُطريّة كسوريا والعراق و و و، وعند جلوسنا بادر المدير بالسؤال، ماذا يجري الآن في المنطقة؟ سؤال كبير وفضفاض، لكنه مهم أيضاً! بالفعل ماذا يجري في مناطقنا؟ فكان جوابي:” لا شيء” وتعرجتُ للتعليل والشرح وقدمت له فكرة مفادها أنّ كل التغييرات الخاصة بالفضاء العربي تنطلق من لبنان، إنْ كان لبنان يشهد توافقاً سياسياً فهذا يعني ما يحدث من اضطرابات هو جعجعة بلا طحين. كان ذلك قبل اغتيال رفيق الحريري، وكان مسؤولاً مهمّاً وشاغفاً في جل وقته لإعمار بيروت. ولعل سبب إفادتي مما نشهده من اضطرابات، والتي لم أعرها اهتماما بسبب عامليين:

– لبنان كان يشكل مطبخ صناعة القرار في دول بلاد الشام.

– لبنان يحمل لون عام لبلاد الشام نفسها من حيث التعدد والتنوع وله تجربة كبيرة بصناعة التوافق وأيضاً في الاحتراب.

وما أن يحدث شيء في لبنان حتى يمتد تأثيره سلباً أو إيجاباً على سائر بلاد الشام والرافدين أيضاً ومن هنا لا يشكل توافق لبنان بيضة القبان كما يقال بقدر من أنه يساهم في التأثير الإيجابي لسائر القرارات في بلاد الشام والرافدين.

هل الوضع تغير بعد داعش؟ لا لم يتغيّر الوضع. مع أنّ داعش هو الطرف الأول الذي كسر الحدود بين الشام والرافدين فضلاً أنّ داعش ساهم بإحداث تغييرات جمّة على مستوى جيوبولوليتيكية بمعنى التغييرات في الجغرافية السياسيّة. داعش هو مشترك ورابط الأحداث في سوريا والعراق وهو ينذر بين حين وآخر بالانخراط باللعبة في لبنان نفسه، وقد يتراءى للبعض بأنه فيما كان لبنان يصدر القرار ويحدث التغيير في بعض البلدان العربية اليوم لبنان نفسه يجذب التأثيرات ويتأثر بما يحدث في المحيط بدءا من سوريا وانتهاءاً بالعراق، ومن يدري ربما يحدث أمراً ما قد يعيد للبنان دوره من جديد ليكون مؤثراً وليس متأثراً. بدأ التغيير في لبنان خاصة في ملف ترشيح ميشال عون للرئاسة، هل ظن أحداً أن يرشح سعد الحريري عون؟ هو فعل ذلك بمعنى أنّ الرجل قدر على إحداث تغيير بالسلوك العام في لبنان وهذا ليس تنازلاً بقدر من أنه انتصار لمرتين، مرّة لأنه أراد تحرير لبنان من الجليد السياسي القائم على رأس اللبنانين منذ فترة طويلة وليس معقولاً أن تبقى دولة بلا رأس؛ ومرّة أخرى منتصراً على أنّه بدء بالرسم لملامح جديدة في العلاقات بين القوى في منطقتنا! تماماً مثلما حدث في العراق نفسه أبّان البدء بحملة الموصل. الكثير من الأطراف لم تصدق بأن الرئيس البرازاني سيتفق مع الشيعة بعد أن فشل السنة في توحيد نفسهم ويشارك العراقيين في تحرير الموصل، وها هي البيشمركة تفعل وتقدم انتصارات كبيرة. هل لهذا انعكاسات؟ بالطبع. لكن في ظنّي أنها ستكون انعكاسات إيجابية كبيرة في المنطقة.

لا نتحدث عن سعد الحريري. دعنا نتحدث عن أنفسنا. مشاركة الكرد في حملة الموصل له بعدين: الأول تاريخي حيث تاريخياً لم يبخل الكرد بتقديم يد العون والمساعدة لجيرانهم سواء أكان في الحروب أو في مرحلة السلام وهذا يعني أنّ الكرد مازالوا مصرين على الحفاظ على الوشاح الاجتماعي بين المكونات في هذه المنطقة المضطربة دائماً. والثاني هو بُعد قوميّ حيث للموصل دلالات قومية لدى الكرد وحتى لو لم يرى الكرد أن مدينة الموصل هي جزء من كُردستان مع أن الشعراء الكرد كانوا يرون ذلك -أي يرون أن الموصل جزء من كردستان – إلّا أنّ الكرد يشكلون الجسم الأساسي في الموصل عدا عن نينوى حيث يقال بأن هناك اتفاقاً تمّ بين الرئيس البرزاني وبقية العراقيين على رسم مستقبل نينوى الجغرافي والديمغرافي بعد تحرير الموصل. والرئيس البارزاني خاض معركته لأجل البعد القومي ولتحسين ظروف كردستان أمنياً أولاً وسياسيا ثانيا حيث اللاعب المهم في المعادلة العراقية وثالثاً هو إزالة العقبات والمشاكل بين العملية السياسية العراقية حيث مسألة الاستفتاء وتقرير مصير كردستان. هذين الأمرين معلّقين بسبب مشاكل العراق الكبيرة، داعش والموصل.

بقي القول أنّ البارزاني سيخرج من المرحلة بنتيجتين: الأولى حل مسألة بند 140 الخاص بالمناطق المتنازع عليها، والثاني تمهيد لنقل التجربة إلى كرد سوريا ومقاربتهم بمعركة الرقة وهذا الأمر مهم للغاية كردياً وعلى مستوى سوريا والعراق نفسه. ما يحدث في العراق وسوريا هو تمرين للكرد ليكونوا صنّاع قرار أنفسهم أولاً، ويشاركون في القرار مع جيرانهم وممارسة مبدأ حق تقرير المصير بالذكاء الباهر ثانيّاً!

نشرت هذه المقالة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress’ 

1/11/2016

14886117_1448304848517690_1822795670_n

التعليقات مغلقة.