تغيير الحدود وترتيب البيت الكردي
ما يتداول في الأدبيات السياسية منذ فترة تحت اسم “الشرق الأوسط الجديد” ليس مصطلحا أو مشروعا مضى على إطلاقه أكثر من عقد، بل بات واقعا جديدا مترجماً لحقيقة في العديد من البقع و”الدول” في منطقتنا، وهو ما يفرض علينا التوقف عنده مطولا وبعمق وأكثر من أي وقت مضى.
الآن ثمة حديث عن انتهاء حدود معاهدة “سايكس – بيكو”، وذلك يأتي على لسان أكثر من مسؤول غربي رفيع المستوى، لا بل أن رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، أعلن عن عدم رضاه عن الحدود الحالية لتركيا، والتي رسمت نتيجة لاتفاقية “لوزان” 1923م، وأسفرت عن ظهور تركيا الحديثة ونكران وجود وهوية الشعب الكردي في أرضه التاريخية كردستان. في ظل هذا الواقع والدور الريادي الواضح للكرد وحركتهم التحررية ذات البعد الإنساني، ذلك الدور الذي بدأ من الملحمة الاسطورية التي خيضت في كوباني بمشاركة كردستانية عامة، حيث اقتحم الشابات والشبان الكرد حدود سايكس بيكو قادمين من كل أجزاء الوطن الكردي المقسم، وتمت الملحمة بمشاركة فصائل من الجيش السوري الحر الوطنية، ولاحقا بيشمركة كردستان، وبمشاركة فعالة من التحالف الدولي، وكانت هذه هي السابقة الاولى في الحرب السورية. كوباني التي سجلت أول انتصار على “داعش” الذي بدأ ينهار ويتراجع، ويتحول شعاره “باقية وتتمدد” إلى شيء من الماضي. وبدأ فصل جديد من العلاقات مع قوى التحالف الدولية، والتي فشلت برامجها في تسليح وتمويل فصائل مسلحة لا أساس عقائدي لها، سميت بالجيش الحر، بعد ذلك بدأت تتعزز العلاقات مع قوات سوريا الديمقراطية، بعد نجاح التنسيق مع وحدات حماية الشعب. العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية، والتي أعلن عن تشكيلها منذ أكثر من عام، أسفرت عن نجاح عظيم وانتصارات تتالت الواحدة تلو الأخرى، حيث أبلت فيها تلك القوات بلاء عظيما من خلال القدرات العملياتية التي أذهلت المستشارين الغربيين، والذين تحدثوا للإعلام الغربي عن ثبات هذه القوات، وهو ما سجله الصحفي الامريكي الشهير ديفيد إغناتيوس في صحيفة “الواشنطن بوست”، وترجمناه في المركز الكردي للدراسات.
لكن هل تكفي كل هذه الانتصارات وحمل لواء تخليص المنطقة وشعوبها من خطر “داعش”، لخلق شعور بالاطمئنان في ظل التجارب الكردية السابقة المريرة مع الغرب؟. نقول علينا عدم الاطمئنان اطلاقا، وهو لا يعني عدم العمل لترسيخ ما هو موجود من علاقات مع التحالف الدولي، بل تعزيزها أكثر، لكن مع العمل لتعزيز الصف الداخلي الذي يحتاج إلى الكلمة المسؤولة على الفضائيات والصحف وصفحات التواصل الاجتماعي، ووقف الحملات الإعلامية، كما طالب بذلك الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دمرتاش في زيارته الأخيرة لهولير قبل شهر. أن تتغير الخرائط بعد مائة عام ليس بالأمر اليسير كما يصوره البعض على الفيسبوك، ولكنه ليس بالمستحيل. والتغيير الذي أقصده ليس بالضرورة تغيير خارطة الدول وإزالة الحدود، وإن كانت تلك الحدود ليست مقدسة، لأنها من صنع بشر، لا بل من وضعها هما إنكليزي وفرنسي.
إن تغيير الحالة الراهنة تحتاج الى أدوات العمل ولغة خطاب داخلي واضحة ومرنة، والارتقاء الى مستوى التحدي التاريخي بعد مائة عام من الثورات والانتفاضات الكردية التي قدم فيها الشعب الكردي كل ما يملك، وأعظم ما يملك دون أن يتوج ذلك بالوصول إلى حريته. إن تغيير الحالة والوصول الى وضع جديد من خلال عقد جديد يوقع بين ممثلي الكرد ومثلي الإرادات الشعبية الجديدة، والتي يجب أن تتوج باعتراف واضح وصريح بالوضع الجديد المتمثل في ان الشعب الكردي بات في طليعة القوى التي تصوغ الخارطة الجديدة والاقرار بحقه في تقرير مصيره بالشكل الذي يقرره، وهو ما يفرض على القوى السياسية والمجتمعية استخدام خطاب يرمز على القواسم المشتركة بين القوى السياسية، وهو ما ركز عليها القائد الكردي اوجلان من خلال الإصرار على عقد مؤتمر كردستاني شامل في عاصمة اقليم جنوب كردستان هولير.
إن المؤتمر القومي الشامل الموحد سيكون من أكثر المنعطفات التاريخية أهمية وحسما وخطورة. إن الواقع الحالي والحرب الكردية ضد “داعش” يفرض عقد مؤتمر كردستاني جامع قبل الهزيمة النهائية لهذا التنظيم على مستوى تحرير الاراضي منه، وخاصة في الموصل والرقة، وقبل أن تضع الحرب الكارثية في سوريا أوزارها. مؤتمر قومي يضع خارطة طريق متفق عليها كردستانيا بين مختلف القوى في أجزاء كردستان الأربعة، وهو ما أعتقد أن للمثقفين الكرد والناشطين ووسائل الاعلام بما توفر دور لا يستهان في تحقيقه.
إن الدعوة لتقرير المصير وتحقيق الحلم المؤجل لأكثر من مائة عام يحتاج إلى تغيير شامل مطلوب منا جميعا, فلا يمكن تحقيق الأحلام الكبيرة. والحصول على الحقوق المسلوبة تحتاج لإرادة عظيمة وعمل لا يقلّ عن ذلك ولنا في تاريخ الأمم أمثلة على ذلك.
نشرت هذه المقالة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress”
1/11/2016
التعليقات مغلقة.