جرن الذاكرة: سلو كورو
زاوية يكتبها : ولات احمه
طفل كفيف، خانه بصره، وهو ابن ثلاثة أشهر، عاش في ظلام دامس وحياة شاقة منذ صغره، إلا أنه رُزِق بحدة الذهن ونقاء الطبع وجمال الحسّ، وقوة الحفظ. وهذا ما جعله من رواد الأغنية الفلكلورية الكُردية، حيث أظهر تفوقه على إصابته، واستطاع أن يضع بصمته في سجل التاريخ الكُردي باِمتياز.
سليمان رمو، أو كما كان يُعرف “سلو كورو”، وحيد لوالديه، ولد عام 1924 في قرية “حنيويه- Heniyoyê” الواقعة غرب مدينة ديرك. فنان شعبي، عُرف عنه بإحيائه للجلسات الغنائية، تتلمذ على يد الفنان محمد غمور، وحفظ عنه جملة من الأغاني “مير علي، أصلان باشه، محمدى زيدان، ميزو عزير”.
والده، كان يتزعم عشيرة “به داري- Bêdarî” التي لها وزنها وشأنها في المنطقة، قُتِل على يد الفرنسيين عام 1941، وهو يقود الحركة الوطنية في المنطقة إبان الاستعمار الفرنسي لسوريا، وهذا كان سبباً وجيهاً لإحراق قرية “حنيويه- Heniyoyê” عن بكرة أبيها. وبذلك انتقل سلو كورو إلى قرية “خانا سري- Xana Serê”، ليستقر فيها، ويبدأ مشواره الفني.
اشتهر بغناء المواويل الكُردية الشعبية “علو وفاطمة، مير مندلي، عمي كوزي” وخلف وراءه إرثاً غنياً في مجال اﻷغنية الشعبية، التي أرخت بعض الوقائع التاريخية بطريقة سردية إبداعية. له العديد من الأغاني “ساله، مصطفى زازي، شيخ بدري، عيسى سوار، البارزاني…” وعلى غرار أبناء جيله من الفنانين، ضاعت الكثير من أغانيه دون أن يتم تدوينها وتوثيقها إلا الجزء اليسير، حيث عاش ورحل دون أي اهتمام ورعاية من قبل أبناء شعبه!.
كان، له دور فاعل في حماية نقاء اللغة الكُردية، عبر تدوين مجموعة من الأحداث التاريخية للكُرد، من الملاحم والقصص بحنجرته. حيث أغنى وأنعش بها الذاكرة الكُردية، وحافظ عليها من التلاشي والاِندثار، رغم ضعف الِامكانات واِنعدام البيئة المناسبة مادياً وفنياً. اِمتاز بروح الدعابة والنكتة، رجل متفائل جداً، صبور، يُعتبر من أشهر فناني منطقة ديرك، والقرى التابعة لها، كان يسهر حتى وجه الصباح، ينسج من الكلمات مجموعة من الأغاني، يلقيها وينشدها في المسائيات والجلسات الغنائية. يملك القدرة على الغناء لساعات طويلة، بصوته الجهوري، وقوة ذاكرته، ونفسه الطويل، حتى أنه دخل في مسابقة للأغنية الملحمية مع أحد الفنانين، والتي دامت ثلاثة أيام!.
عشق وطنه، وكان يود أن يراه ينعم بالحرية والأمان والاستقرار، شامخاً في البقعة الجغرافية على وجه هذه البسيطة. أوصى ابنته “سجورا” أن تلف نعشه بالعلم الكُردي، وترثيه بصوتها الجميل، فكان له ذلك في يوم وفاته 2 حزيران/ يونيو 1998 في قرية “خانا سري- Xana Serê”. حيث أرثته ابنته قائلة: ” اﻷب سلو كورو/ سأبحث في كل درب/ في كل زقاق/ أطرق باب كل نجار/ أصنع للأب سلو كورو تابوتاً. والله! سأغطي نعشك بالعلم الكُردي/ وأحمله عشيرة عشيرة/ قرية قرية!”
نشرت هذه المادة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress”
1/11/2016
التعليقات مغلقة.