هل مازال الحلم الكردي محمولاً على الأوهام؟
هل تمّ البحث في الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا العنف والتعقيد الذي رافق الأزمة السورية؟ وهل تمّ البحث في الأسباب الحقيقية التي جعلت قطر لاعبا أساسيا في الوضع السوري؟ بالرغم أنها أصغر من أي محافظة سورية، وتبعد الآلاف من الكيلومترات عنها.
و لماذا الموقف الألماني متردد نسبياً من الجرائم التي تحدث في سوريا؟ رغم استقبالها الآلاف من السوريين، ولماذا تُعتبر فرنسا من الدول الداعمة للمعارضة السورية أكثر من باقي الدول الأوربية؟
وهل يعقل أنّ إيران تدعم النظام السوري فقط، للسبب الطائفي؟ وقسْ على ذلك تركيا والسعودية وما هبَّ ودبَّ من الدول وأشباه الدول التي جعلت الصراع الدائر، حاليًا، في سوريا واحدًا من أكثر الصراعات دموية وتعقيدًا في تاريخ المنطقة الحديث.
الإجابة ليست بديهية، وهي أعقد مما يتناوله الإعلام أو ما يتمّ تداوله في المقاهي وبعض المقرات الحزبية.
إذن، ما الذي يجري في سوريا والعراق؟ وما علاقة ما يجري بما تحدثت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كونداليزا رايس، لأول مرّة في تل أبيب حول شرق أوسط جديد، في يونيو 2006، وتَصادُفْ ذلك في شهر يونيو من العام نفسه، أن أعطى الخبير العسكري الاستراتيجي الأمريكي رالف بيترس في مقالة ” كيف يمكن رؤية الشرق الأوسط “، تضمنت خريطة جديدة ، ومفصلة للشرق الأوسط الجديد.
ربما كان ذلك مقدمة لما يجري الآن في سوريا والعراق، ولكن ليس بالطريقة المبسطة والسهلة التي يتناولها الإعلام العربي أو الكردي. ما يجري الآن في الواقع، محاولة لإعادة فك وتركيب الأنظمة الموجودة في المنطقة، بما يسمح بتأمين خط الغاز”ناباكو” الأمريكي، في مواجهة خط الغاز” ستريم الشمالي وستريم الجنوبي” الروسي، في منطقة الشرق الأوسط. وسوريا هي عقدة تلاقي هذا الخط الآتي من قطر ومصر مروراً بتركيا باتجاه أوربا، من هنا يمكن جزئياً فهم استماتة النظام الروسي والإيراني في الحفاظ على النظام السوري، لمنع تصدير الغاز القطري والمصري إلى أوربا عبر سوريا وتركيا، وحماية الاحتكار الروسي لهذه المادة الإستراتيجية.
وسوريا، بحكم موقعها الجغرافي، هي العائق الأهم لهذا المشروع لسببين الأول كونها محميّة روسية ستعارض مرور” ناباكو” ما لم يحقق المصالح الروسية. والثاني كونها موجودة على الحدود التركية والإسرائيلية، فهي تكاد تكون ممراً إجباريا لهذا الخط باعتبار أن العراق أصبحت محمية إيرانية بعد سقوط صدام حسين.
في الواقع، الانتفاضة السورية لم تكن انعكاساً ميكانيكياً لهذه التعقيدات، كما إنّها لم تكن استجابة للطموحات الأمريكية أو الغربية، بقدر ما كانت حاجة سورية للتخلص من الاستبداد والاستنقاع السياسي، الذي لازم سوريا منذ أكثر من خمسة عقود، لكن من سوء حظ السوريين أن حلمهم اصطدم بأنابيب الغاز المتفجرة.
من هنا ثمة من يقول أن أنابيب الغاز أغرق” الربيع العربي” في سوريا، بينما أنعش في الضفة الأخرى حلما كرديًا يلمس الواقع رويداً رويداً، هذا الواقع، بدون أدنى شك، جعل الكرد ورقة أساسية ومهمة في الصراعات الجارية إقليمياً ودولياً على حدّ سواء، لهذا هم على قناعة بأن ما يجري في المنطقة سيغير من خرائطها السياسية والجغرافية لصالحهم، وهم اليوم، وجهاً لوجه أمام فرصة تاريخية لنيل حقوقهم القومية، وربّما إقامة دولة مستقلة، خلافا للدول العربية التي قد تتهاوى أمام المشروع الغربي وبدرجة أقل الروسي، المناهض للتشدد الديني والمذهبي الذي يصبغ العالم العربي ويجعله أقل أمانا في مراعاة المصالح الدولية واستقرار أمنها، وهو، ما يفسّر، سرّ الاهتمام الروسي والأمريكي على حدّ سواء بكرد سوريا وسر تنافس تركيا وإيران على إقليم كردستان العراق.
إذا كانت المائة سنة الماضية، هي الأسوأ في تاريخ الكرد، من ضمنها التقسيم بين عدّة دول، وحملات الإبادة الجماعية والاحتواء والتهجير التي تعرضوا لها، فإنّ الانقلابات المفاجئة في المنطقة، أطلقتهم كلاعبين مهمّين، قد يساهموا في تشكيل خارطة جيوسياسية للمنطقة، تعيد تموضعهم فيها، وإذا أضفنا، أنّ الخوف المكرس للدولة القومية قد فقد بعض من قداسته في هذه المرحلة، فإنّ الحلم الكردي يصبح أكثر واقعية مما كان قبل ثلاثين عاماً.
مع كل ما تقدم، فإنّ التحول الإيجابي الحاصل في المواقف الإقليميّة والدوليّة من مسألة الاعتراف بالكيان الكردي هو تحول، حتى الآن، لا يمكن التعويل عليه نظرا لأن قضية إقامة دولة كردية، تشمل الأجزاء الأربعة، ستغير من جغرافية المنطقة بمجملها وهذا يعني تهديد جغرافية تركيا ،حليفة أمريكا ، وجغرافية إيران ،حليفة روسيا، إلّا أنّه من الواضح، أيضاً، أنّ كل ذلك لا يقلل من أهمية التطورات الحاصلة، كما لا يمنع الكرد من النظر إلى مسألة الدولة الكردية، بأنها ليست إلّا مسألة وقت.
بالمحصلة رغم كل العوائق التي تعترض قيام الدولة الكردية، وهي عوائق جديّة ومتداخلة وحقيقية يمكن القول إنّ أسوأ الاحتمالات، تشير إلى قرب قيام دولة كردية في العراق مع احتمال انضمام كردستان سورية لها في مرحلة لاحقة، وهي بالطبع مرتبطة تماماً بنتائج الحرب في سوريا، وتفاهم دولي بالاكتفاء الجغرافي، وعدم المساس بالأراضي “التركية “و”الإيرانية “.
فهل سيكون ذلك ممكناً؟ هذا يتطلب مرونة سياسية عالية وفهم دقيق للمتغيرات الدولية والإقليمية ، كي لا يعود الحلم الكردي محمولاً على الأوهام.
نشرت هذه المقالة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress”
1/11/2016
التعليقات مغلقة.