الطاقة (الغاز) ودورها في إطالة الأزمة السورية

34
وليد جولي (2)
وليد جولي

من خلال النظر إلى الأزمة السورية التي دخلت عامها السادس ،والتي روّج لها على أنّها أزمة محصورة بين نظام مستبد ،وشعب مغلوب على أمره فقط ،دون النظر الى أبعادها الاستراتيجية المتعلقة بموقعها الجغرافي والاقتصادي والثقافي والتاريخي ،بالنسبة للشرق الأوسط والعالم ،وأهميتها بتلك الخصائص للمحاور الدولية والإقليمية ،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية.ولا ننسى أهم الدول الإقليمية ،كتركيا وإيران ودول الخليج العربي،لا شكّ أنّه هناك قواسم مشتركة تجمع كافة هذه الدول ،وتدفعها نحو التدخل المباشر والغير مباشر في سوريا ،كلٌّ حسب مصالحه الاقتصادية لتشكل لعبة شد حبل بين الأطراف المتصارعة ،فروسيا التي بدأت تتعافى شيئاً فشيئاً من صدمة انهيار الاتحاد السوفياتي التي اعتبرت نفسها الوريثة الشرعية للأخيرة ،استفادت نوعاً ما من أخطاء سلفها وخاصة الاقتصادية منها ،ووجدت نفسها في مواجهة الولايات المتحدة التي انفردت في قيادة العالم بسيطرتها على القرار السياسي الدولي ،عبر استحكامها لغالبية الحركة الاقتصادية العالمية، وهذا ما دفع الوريث السوفياتي المنهمك من سباق التسلح والحرب الباردة، إلى البحث عن بدائل يعيده إلى مكانته العالمية السابقة.لقد ادرك بوتين إنّ أحد الأسباب التي أودت بالسوفييت نحو الهاوية، هو إهمال الأخير لضرورة سيطرتها على موارد الطاقة العالمية ،وذلك لحاجة الدول الصناعوية إلى تلك الموارد وبالتالي ضمان بقائها وهيمنتها، بما أنّ الغاز  سيكون هو البديل أو على الأقل الموازي للنفط في القرن الواحد والعشرون ،بادر بوتين إلى وضع استراتيجية لمشروع خط سيل شمالي وجنوبي لتسويق الغاز تحت مسمى شركة (بروم) في عام 1995،ذلك للسيطرة على مصدر الإمداد الأوربي عبر البوابة الألمانية شمالاً، وحوض بحر قزوين والأسود جنوباً، وصولاً إلى الشرق الأوسط عبر إيران ليكون منافساً لمشروع (نابوكو) الامريكي الذي من المفترض الانتهاء منه عام 2017 ويكون مركزه حوض البحر الأسود وآسيا الوسطى، فيما تكون تركيا مركزاً للتخزين ومنّها إلى أوربّا .

هنا لابدّ أن نذكر أهمية سوريا الجيوسياسية والاقتصادية بالنسبة للقوتين الضاربتين ،مع بداية الثورة الاستكشافية للغاز في شرق حوض المتوسط من قبل اسرائيل عام 2009 ومن ثم إعلان سوريا عن اكتشاف بئر غاز (قاره) في محافظة حمص عام2011 ،بدا جلياً أنّ سوريا ستكون الاثرى في العالم لمواردها الغازية،ومع مسارعة روسيا لشراء غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر عقود منافسة للمشروع الأمريكي (نابوكو) ،يتجه الهدف الامريكي و الروسي نحو بحر المتوسط وتحديدا سوريا ولبنان، اللتين أصبحتا البوابة والخازن الاستراتيجي للخط السعودي والقطري والمصري جنوبا والإيراني شرقاً ومنها نحو أوربّا المستهلكة للطاقة ،نتيجة الواقع الاجتماعي والجغرافي والثقافي والسياسي في سوريّا ،من خلال التناقضات التي خلّفتها اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية في المنطقة وسوريا من ضمنها ، ووضعهم لحدود اصطناعية عمداً دون مراعاة للخصوصيات المذكورة لشعوب المنطقة وسوريا نموذجا ،تلك الحدود التي جعلت من كردستان تحت سلطة أربعة دول قومية المنهج والفكر لتكون أداة للهيمنة الرأسمالية العالمية على الشرق الأوسط واستحواذها على الموارد الطبيعية في المنطقة، بحيث أضحى الجزء الكردستاني الواقع تحت سيطرة سوريا إحدى المعضلات الاساسية التي واجهت التنافس الروسي الامريكي على سوريا ،حيث إنّ بقاء نظام الأسد الذي يرتبط بعلاقات استراتيجية مع روسيا التي هي أيضاً بدورها تعمل جاهدة في سبيل استكمال سيلها الشمالي عبر ايران والعراق وسوريا ،وبالتالي إفشال المشروع الامريكي (نابوكو) الذي يوازي المشروع الروسي في خط سيره ،وبالتالي سيشكل خطراً على الوجود الأمريكي في سوريا والشرق الاوسط قاطبة ،في الوقت الذي تصرّ تركيا الحليفة التقليدية للأمريكان على معاداة الكرد الذين لم يجد الأمريكان بديلا لهم يتوافق مع الأتراك ويرضي المصالح الأمريكية في آن واحد،لهذا نجد الأتراك في تصعيد دائم في مواقفهم ضد السياسة الأمريكية المتعلقة بسوريا ليصل بهم الحال إلى طيّ كافة ملفاتها الماضية مع روسيا والنظام السوري والإيراني، عبر إعلانها الأخير في إعادة النظر لسياستها مع الدول المذكورة وانضمامها بشكل غير مباشر إلى الحلف الروسي، مستغلة بذلك وضعها الجيوسياسي  في المنطقة ،وتحديداً فيما يتعلق بمسألة الطاقة ،كون أراضيها تعتبر نقطة تجمع للغاز سواءاً كان بالنسبة للمشروع (نابوكو)الأمريكي أو بروم الروسي ،وبما أنّ تركيا شعرت بأنّ مشروع نابوكو سيتأخر لغاية 2017 بادرت إلى التطبيع مع روسيا لتستبدلها بمشروع (نابوكو) الأمريكي ،ومن مؤشراتها الطلب التركي الخاص بإخلاء قاعدة (انجرليك) من القوات الامريكية هذا ما سيدفع الولايات المتحدة الامريكة بالتمسك أكثر بسوريا والعمق العربي المتمثل بدول الخليج ومصر ،وأيضاً التمسك أكثر بالكرد في سوريا والعراق لتأمين وجودها في الشرق الاوسط وبالتالي المحافظة  على وضعها السياسي المهيمن في العالم ،ومن غير المستبعد أن نشهد تغيّراً إيجابياً في مواقف دول الخليج العربي ومصر تجاه الكرد في سوريا ،أو حتّى دعماً لا نظير له ،ذلك لتأمين صادراتها من الغاز عبر سوريا إلى جانب الدعم الأمريكي الذي وجد نفسه في القارب الكردي مرغماً . وفي هذا السياق يقول (اوجلان) في مرافعاته الذي كتبها عام “2008” : في تشبيه له للحرب المتوقعة في الشرق الأوسط ب(هرمجدون):”ستضطر أمريكا لإختيار هذا الشعب (أي الشعب الكردي) حليفا أساسياً جديداً لها في الشرق الأوسط ،في حين أنّ إسرائيل صاحبة مشروع كردي مختلف كلياً”.

* عضو الهيئة السياسيّة لحزب السلام الديمقراطي الكردي في سوريا

نشر هذا المقال في العدد (50) من صحيفة Buyerpress تارخ 1/9/2016


11165113_541958725977071_7059124043412540130_n116

التعليقات مغلقة.