كعكة للسلطان …وفيدراليّة للشمال !

35
طه الحامد
طه الحامد

للوهلة الأولى بدا للمراقب العادي إنّما حدث في الحسكة مؤخراً هو مجرد نزاع عابر على نفوذ بين ما تبقى من النظام و الإدارة الذاتيّة أوصراع على شارع هنا و حاجز هناك ، ولكن في الحقيقة كان التحرك مبيّت له من قبل النظام وبالتنسيق مع النظام التركي ، وهو نتاج أكثر من خمسة لقاءات استخباراتية وأمنية برئاسة الجنرال الذي أشرف على اتفاقية أضنة سيئة الصيت في أواخر التسعينات ،وكان من المخطط له (وهذه تكهنات شخصيّة)أن تعمل خلايا تابعة للدولة التركية على إحداث فوضى عارمة في مقاطعة الجزيرة من خلال اغتيال أو تفجير يودي بحياة شخصيات مناوئة للإدارة الذاتية وحركة المجتمع الديمقراطي ، ويحدث على أثر ذلك ردّة فعل جماهيرية متّهمة قوات الآساييش بالوقوف وراء العملية وحدوث اقتتال كوردي – كوردي ، وبالتالي هكذا حدث سوف يستدعي تدخل النظام تحت شعار فرض الأمن وسيطرة الدولة ، بحجّة أنّ الإدارة الذاتية عاجزة وفشلت في حماية المواطنين والسلم الأهلي ، وبالتوازي مع ذلك يتحرك الأتراك عبر جرابلس وربّما من مناطق أخرى وسط ارتباك وتخلخل في جسد القوى المسلحة التابعة للإدارة الذاتية ، ولكن لم يحصل ما كان مخطط له ..ومع ذلك حرّك النظام في الحسكة بعض قطعاته لتنفيذ ماهو متفق عليه لاختبار مدى قوة الإدارة الذاتية ومصداقية حلفائها الدوليين بالتوازي مع اشتعال المعركة حشدت تركيا قواتها ودباباتها للدخول إلى جرابلس .

جرت الرياح بما لا تشتهي سفن الاسد وأردوغان :
برزت نتائج هامة للغاية في معركة الحسكة التي دامت أسبوعاً في بعديها المحلي والدولي وأهمّها :
1-التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لم تخيّب الظن بها فقد أعلنت إن سماء الحسكة بعد عدّة ضربات جويّة شنّتها طائرات النظام،لم يعد متاحاً أمام النظام وأنّ الطائرات المغيرة ستكون في خطر إن تعرّضت لحلفاء أمريكا على الأرض ، فأصبحت الحسكة محميّة بمظلّة جويّة أمريكية وهذا يحصل لأول مرة خلال خمسة سنوات من الحرب الأهليّة في سورية .
2-روسيا دخلت على خط التوسط بسرعة مذهلة وبالتوافق مع أمريكا حيث أظهر الروس أنّهم لايفضّلون النظام على الإدارة الذاتية وتعاملت معهما على أنّهما صديقان يتمتعان بنفس الأهمية ,فاستضافتهما في مطار حميميم كمكان محايد تحت السيادة الروسية جلسا وفدي النظام والإدارة الذاتية كندّين وطرفين لهما نفس المكانة وهذا تطور كبير بالمقارنة مع أيام زمان عندما كان النظام يتعامل مع قادة الحركة الكردية من خلال أحد رؤساء المفارز أو الضباط ..ويتلوا عليهم فرمانات القيادة وأوامرها التي لا تقبل النقاش وإن دلّ على شيء فهذا يدلّ على أنّ النظام في وضع مأساوي لا يحسد عليه .
-3خسارة النظام لهيبته وسطوته في الحسكة عجلّت من وتيرة التقارب بين تركيا و أطياف واسعة من المعارضة من جهة وبين النظام وبعض المعارضة التي كانت إلى الأمس القريب تتغزل بالإدارة الذاتية من جهة أخرى و الهدف هو الخطر الكردي .
4 -ظهرت مكونات الجزيرة وخاصة تيار واسع من المكون العربي في مظهر وطني حريص على السلم الأهلي والدفاع عن الإدارة الذاتية لم نشهده سابقاً بعكس قطاعات أخرى من ال ENKS والائتلاف التي كانت تنتظر بفارغ الصبر هزيمة قوات الإدارة الذاتية وكانت تخشى من انهيار النظام كلياً لهذا طالبت بوقف إطلاق النار وهي التي كانت تطالب ليل نهار بمحاربة النظام .
تلك العبر والنتائج تؤدي بنا إلى القول إنّ الإدارة الذاتية أصبحت تحظى بشرعيّة ولو كانت غير معلنة بشكل رسمي حالياً من قبل أكبر قوتين عاملتين ومقررتين في الشأن السوري ، وهذا يأخذنا إلى المسرح الثاني الموازي لمسرح معركة الحسكة ألا وهي غزوة جرابلس التي تم التهويل والتعويل لها كثيراً ، علماً أنّ جرابلس هي منذ سنوات تحت سيطرة فعلية للمخابرات والجيش التركي عبر حليفهم داعش، إلّا أنّ تبديل داعش بقوى من أصول تركية و أخرى من الجسم العقائدي لمدرسة داعش ولكن بلحى خفيفة ماهي إلا كعكعة ترضية لإشباع غرور أردوغان وامتصاص رعونته لتمرير أهداف أخرى.
هذه الغزوة كان متفق عليها مع الأمريكان منذ التحضيرات الأوليّة لمعركة منبج ،فهي حصلت بالتنسيق والمراقبة الأمريكية والروسية الصرفة وليس قراراً أحادي الجانب ولو كان قراراً أحادياً لتدخل الأتراك بريّاً منذ خمسة سنوات ،وإن كان يحمل شكل الاحتلال و الاعتداء على سيادة دولة مازالت عضوة في الامم المتحدة وتتمتع بالشرعية ..إلّا أن هذا التدخل يحظى بغطاء قانوني مدوّن في بنود اتفاقية أضنة 1998 حيث تنص إحدى المواد السماح للجيش التركي بالتوغل لمسافة 15 إلى 20 كم في حال عجزت الدولة السورية عن حماية الحدود مع تركيا .
ما لوحظ إن الغزوة اعتمدت على شعارات إعلامية تركية تركز على محاربة الكرد وذلك لجلب المزيد من الإرهابيين الشوفينيين والإسلاميين  في المعارضة والذين لم يحاربوا ولن يحاربوا داعش كونهم وإياهم حلفاء ومن جذر عقائدي واحد والتركيز على الكرد سوف يشجع هؤلاء للمشاركة في الغزوة وكذلك يرضي النظام ومؤيديه كون تلك الأطراف رغم بحور الدم بينهم إلّا أنّهم متفقون على محاربة النهوض القومي الكردي و محاربة المشروع الفيدرالي العلماني الديمقراطي للمكونات المؤتلفة في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية !
وفي الجانب الثاني:
القوى التي وافقت على غزوة أردوغان تعلم وضعه المضطرب وتعلم حجم الأزمة التي يعاني منها في داخله وحجم القنابل الموقوتة التي ستنفجر تباعاً وخاصة تلك التي برزت عقب محاولة الانقلاب و التصفية الكبيرة لعشرات الألوف من الأتراك الذين سيكون لمؤيديهم كلمة في قادم الأيام ، وبعد أن تخلت السعودية وقطر عنها وأخذت قسماً من المعارضة إلى جانبها سوف لن يساعدوا تركيا بعد اليوم بل قد يعملان مع خصوم أردوغان في الشمال السوري لعزل تركيا عبر شريط قد يمتدّ من خانقين إلى عفرين بالتعاون مع دول كبيرة بمستوى امريكا ، من هنا جر أردوغان إلى هذا المستنقع سيضعفه أكثر من ذي قبل وسيكون عرضة للابتزاز من قبل روسيا وأمريكا وحتى إيران والنظام السوري .’ حتّى موضوع وجوده في الناتو وقاعدة أنجرليك أصبحت قيد النقاش بعد أن وضعت الدول الغربية نصب أعينها مناطق بديلة وحلفاء جدد في المنطقة المتاخمة لتركيا ..رغم أنّ الغرب لايريدون أن تذهب تركيا إلى الحضن الروسي الإيراني بهذه السهولة إلّا إنهم يعلمون أنّ حجم التناقضات بين تركيا وهذين الدولتين كافية لعدم حدوث ذلك ويعلمون ان الروس يتعاملون مع أردوغان بطريقة ابتزازية يأخذون منه ولا يعطوه إلا الفتات فهو ليس بوضع يؤهله لوضع شروطه على الآخرين بعد اليوم ..وهو الذي اشتهر عالمياً كأكبر داعم للإرهاب وما تغير الخطاب الأوربي الواضح للدول الأوربية اتجاه منظومة حزب العمال الكوردستاني و وحدات حماية الشعب إلّا رسالة صريحة لأفول نجم تركيا كدولة عرفت على انها علمانية ديمقراطية .
المربع الاسود ودوره الوظيفي.
هذه المنطقة بطول 70 كم بين جرابلس والراعي .. إعزاز هي ستكون منطقة عازلة من حصة تركيا وهذا يفيد الغرب للتخلص من ورقة اللاجئين ويفيد تركيا من التخلص من عبء استقبال اللاجئين في معركة تحرير الرقة والباب وربما حلب أيضاً وربما سوف ترمي بالائتلاف إلى تلك المنطقة وذلك ضمن تفاهمات سريّة استخباراتية مع النظام السوري والتخلص منهم بشكل يرضي بشار الاسد ويطلق يديه في حلب ومناطق أخرى تابعة للمعارضة المدعومة من تركيا وماحصل في داريّا مثال صارخ على ذلك .
هذه الهدية الصغيرة هي ترضية دولية لتركيا لتمرير المشاريع اللاحقة الخاصة بسوريا وعلى رأسها الإقليم الفيدرالي في شمال سوريا …وتركيا تريد أن يكون لها موطئ قدم كي لا تكون تلك الفيدرالية دولة مستقلة كردية ..لأنّها سوف ترضى مكرهة بفيدرالية جغرافية ..وهذا ما أشار إليه أردوغان أنّهم لن يقبلوا التقسيم ويقصد الفيدرالية على أساس عرقي ..يعني من الممكن القبول بها على أساس جغرافي لا قومي.
بعد هذا الضمان المقدم لتركيا ، سيفتح الباب أمام الذهاب إلى جنيف دون فيتو تركي على حزب الاتحاد الديمقراطي وقد تبدأ فصول جديدة من التفاوض بين منظومة حزب العمال وإن لم يحصل فتركيا سوف تتعامل مع الواقع الجديد في الشمال السوري وروجآفا .. وإدارتها الذاتية التي سترتقي إلى مصاف فيدرالية جغرافية ستلحق عفرين بكوباني عاجلاً أم آجلاً .
الكرد ومكونات الإدارة الذاتية ومشروعهم الفيدرالي ليسوا من الخاسرين في هذه الغزوة كما يروّج الإعلام التركي والمحسوب على المعارضة ..وقد أخذوا الحسكة وسوف يأخذون كامل شمال الرقة والباب إلى عفرين لقاء ذلك ، فلا يمكن كما يصرّح كبار المحللين والساسة أن تعود سوريا والعراق كما كانت وهذا هو المدخل إلى القول في النهاية ….إن كعكة السلطان ….ثمنها فيدرالية الشعوب المتآخية و اتحاد القوميات في فيدرالية روجآفا والشمال السوري و تحجيم النظام والمعارضة معاً من خلال ثلاثة منصات كل منصة تضبط إيقاع حلفائها …على الارض منصة أمريكا ومنصة تركيا ومنصة روسيا وشريكتها إيران ..وثلاثة مناطق ذات حكم محلي تتوزع كمناطق نفوذ لتلك المنصات.

نُشر هذا المقال في العدد (50) من صحيفة  buyerpress 

2016/9/1

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n113

 

التعليقات مغلقة.