زاوية حادّة – آكشن
يكتبها: إبراهيم خليل
لأسباب لا يعلم عنها الكاتب أكثر مما يعلم القارئ نشبت الحرب بين وحدات من الآساييش التابعة للإدارة الذاتية وبعض القطع العسكرية والأمنية والميليشيات العصاباتية الملحقة بجيش النظام السوري في مدينة الحسكة.
وعاش أهلنا الحسكاويون خمسة أيام من الرعب الذي تقصر عن وصفه الأقلام، فبالإضافة إلى السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل استخدم النظام السوري وللمرة الأولى في تاريخه الأسود الطيران الحربي فقصف الحسكة يوم الثامن عشر من آب بالقنابل والصواريخ وهو قصف نظامي كلاسيكي لأنه تم دون براميل.
وفي الحال شمّر ذوو الياقات البيض عن ياقاتهم واشتغلت غريزة “التحليل السياسي ” لسبر بواطن الحدث وخفاياه، ومع أنّ الكرد آخر الشعوب التي تعرّفت إلى المسرح فإنّ كلمة “مسرحيّة” كانت هي الكلمة المفضّلة لدى معظم معارضي الإدارة الذاتية في وصف المعارك الّتي تنشب بين قواتها وقوات النظام وكالعادة ينقلها صاغر عن كابر دون وعي ولا تدبّر ومنها أنني قرأت لأحد إخوتنا الكرد الألمان من مدمني الشبكة العنكبوتية ممن فتح الله عليهم وأطلعهم على مكنون غيبه وغامض علمه “بوستا” يقول فيه : ” مسرحيّة قولاً واحداً… وهذا كلام لاغبار عليه ” وإنّه بالفعل كلام لا غبار عليه لأن الغبار إنّما يلحق الكلام الذي يقال وسط المعامع والملاحم أمّا الكلام الذي يقال تحت سقف آمن ومعاش سوسيالي جار وفي حضرة بنات الدنان وطيبات الحلال والحرام فأنا واثق أن لا غبار عليه.
المسرحيات تكون عادة إمّا لاستجرار الضحك أو لتمرير العبرة والعظة، وغاية ما يطمح إليه المؤلّف والممثلون هو الإقناع أعني إقناع المشاهدين بصدق ما يقدمونه، وفي حالتنا هذه جميع الناس مشاهدون ولا أدري من المطلوب إقناعه بأنّ “الآبوجيين” ليسوا عملاء للنظام وأنّهم يحاربونه جدّيا، أهو الشعب أم المعارضة السياسية الكرديّة أم النظام أم الأمريكان والروس أم العالم ؟
فإذا كان ” الآبوجيون ” يفتعلون هذه المسرحيات لإقناع الشعب فإنّ من قاتل من الآبوجيين ضد قوات النظام هم من أبناء الشعب ولم يهبطوا من المريخ ،وإذا كان لإقناع المعارضة الكرديّة فالقوي ليس بحاجة لإقناع الضعيف بشيء ،وإذا كان لإقناع النظام فإن من يدخل في حرب ضد النظام وينتزع منّه المدن والمناطق عنوة ويقتل رجاله ويستولي على ذخائره لا يكون صديقا للنظام، وإذا كان لإقناع الروس والأمريكان فإن الروس قد وقفوا على الحياد رغم العشق الحرام الذي يجمع بوتين برأس النظام ،والأمريكان أرسلوا طيرانهم الحربي إلى سماء الحسكة للمرّة الأولى مهددين طيران النظام بالاشتباك إذا جرى استهداف ” حلفائهم”، وإذا كان لإقناع العالم فالعالم يفهم أكثر منا في أصول المسرح وقواعده ويعلم أنّ المسرحيات والأفلام وبرامج الكاميرا الخفية والمقالب التلفزيونية أدواتها خفة اليد والدم والمؤثرات السمعية والبصرية والخدع السينمائية وليس البواريد والمدافع والطيران.
لا أدري أي مسرح دموي هذا وأي نوع من المسرحيات ما بعد الواقعيّة هذه التي تتضمن سيناريوهاتها فصول القتل والتشويه ومشاهد القصف وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها وتهجير آلاف المدنيين ؟! وأي مخرج هذا الذي يضحي بواحدة من محافظاته الأربع عشرة وبممثليه على الخشبة ويجعل جمهوره يخرج من القاعة وهو يكفكف دموعه.
للاختلاف السياسي أصوله المتعارف عليها في العالم أجمع وليس من اللائق مطلقا أن ينحدر الاختلاف السياسي مع حكومة الأمر الواقع إلى هذا الدرك من الابتذال واجترار هذه التوصيفات الإنشائية السخيفة التي تستخف بدموع وآلام ذوي الشهداء والضحايا والمهجرين والنازحين واليتامى والأيامى في الحسكة وسواها قبل أن تستخف بعقول السامعين وعيون المشاهدين…
نُشر هذا المقال في العدد (50) من صحيفة buyerpress
2016/9/1
التعليقات مغلقة.