حول التساؤل عن دور منظمات المجتمع المدني في تفجيرات قامشلو وضبابية التدخل فيها!
“عدم وجود متخصصين في هذه المنظمات وعدم القدرة على الإبداع لغياب التخصص يفضيان إلى الشلل في آلية ابتكار “المشروع” القابل لأن يكون منفذاً للتطور في العقلية العملية ،كما أنّ غياب التخصص يفتح المجال أمام وجود أشخاص همّهم الأوحد الحصول على البدل النقدي لوجودهم في مراكز هذه المنظمات والاجتماع لغرض الاجتماع”.
يكاد العمل على ترسيخ المفهوم العام للمجتمع المدني وآليات عمله وسبل البحث عن خطوط التقاطع بين هذا المفهوم والتطبيق على أرضية خصبة ولكن غير مستثمرة سابقاً لصالح تنمية الاشتغال على هذا المجال وتوظيفه يكون همّا لدى العديد من المهتمين والناشطين في هذا المجال، وخاصة بعد الصراع الذي عاشته هذه المنظمات في تفجيرات قامشلو الأخيرة، ما بين عملها كمتابع ومراقب وخادم لعملية التوعية العامّة ما قبل وبعد الحدث والضغط باتجاه اتخاذ سبل الأمان وما بين العمل والممارسة الفعلية لنشاطات تكاد تكون بعيدة عن هذه الوظيفة الموكلة إليها اعتقادا، كالعمل كبديل لفرق الدفاع المدني وغيرها من المؤسسات التي تصب عملية إنقاذ الضحايا وتعويض ذويهم وغير ذلك في صميم مهامها.
والحاصل أن اختلاط العام في إدراك الفعل الوظيفي لهذه المنظمات مع الخاص في الانخراط في دائرة كون الناشط المدني جزءاً من الحالة الاجتماعيّة التي ينتمي لها ولديه من الواجبات ما تحتّم عليه إيثار هذا الخاص على العام أو حتّى التنسيق والتجانس بينها هو ما تمخض من الارتداد السريع والمفاجئ لآثار تفجيرات قامشلو على منتمي هذه المنظمات.
وبكلام آخر يمكننا أن نقول أنّ عملية بقاء الناشط المدني في خانة ما هو موكّل إليه من وظيفة بحكمه جزءاً من المجتمع المدني وعدم إدراكه للرابط الدقيق بين هذه الوظيفة وموجباتها وخصوصية الحالة التي تعيشها المنطقة وربط هذه الخصوصية بمجمل الخصوصية الكردية للمواطن في قامشلو جعل من الارتباك والتردد والشلل الفكري والخلل في آليات التدخل هي سيد الموقف.
إنّ عدم قدرة منظمات المجتمع المدني في خلق حالة من السيطرة على مجريات الفعل المدني المؤسساتي على عملها ونشاطها في هذه الأحداث هو ما يمكن أن نقوله بخصوص دورها فيها،فقد أخفقت هذه المنظمات في التنبؤ في حالة الحرب بأنّه من الممكن أن تكون هناك تفجيرات أي أنّها أفرغت الحرب من آثارها وكأنّ الحرب دائرة الرحى في كوكب آخر وليس بالجوار منّا وكأنّ هذه المنظمات تحصل على عملية التمويل لأجل أن تؤسس فقط وليس لأجل أن تقدم مشاريعا من شأنها التمهيد والاستعداد لهكذا كوارث وتؤهّل كوادراًللتوعية الفعلية بالتحرك السليم في مثل هذه الأحداث.
إنّ قيام المنظمات الداعمة باختيار نوعية المشاريع التي تدعمها يتم بمعايير أقل ما يمكن وصفها بأنّها تتناسب مع ظروف المرحلة الانتقالية وليس ظروف مرحلة تتسم بالحرب ولها متطلبات خاصّة، كما أننا كنشطاء ننجر نحو السياسات التمويلية المتبعة من قبل هذه المنظمات دون العمل على الضغط عليها أو تقديم المناسب لحالتنا وظروفها من مشاريع لها.
كما يمكننا أن نسلّط الضوء على مصطلح “التخصص” والذي قد يبدو للكثيرين بأنه بعيد كل البعد عن هذا الموضوع الذي نعالجه، ولكن المقاربة بين هذا المصطلح وقدرة منظمات المجتمع الموجودة على الفعالية في الواقع المعاش يكمن في القول بأنّعدم وجود متخصصين في هذه المنظمات وعدم القدرة على الإبداع لغياب التخصص يفضيان إلى الشلل في آلية ابتكار “المشروع” القابل لأن يكون منفذاً للتطور في العقلية العملية، كما أنّ غياب التخصص يفتح المجال أمام وجود أشخاص همّهم الأوحد الحصول على البدل النقدي لوجودهم في مراكز هذه المنظمات والاجتماع لغرض الاجتماع.
والنقطة الأخرى التي يجب التطرق لها هي الوعي الجماهيري الذي تم ترويضه على اعتبار كل منظمة هي منظمة خيرية مما شكّل عائقا أمام نشوء لوبي قادر على الضغط على منتسبي هذه المنظمات والمنظمات نفسها للوصول إلى غايات يبتغيها الجمهور وتحتاج لها الحالة العامّة التي نعيشها والنقد القادر على الوصول إلى حالة أرقى من الفعل المؤسساتي والنشاط المدني المتوازن والمتناسب مع الظروف المحيطة بجميع تفاصيلها الأمنية والاجتماعية.
فهل استطاعت منظمات المجتمع المدني أن تمارس دورا عمليا وفاعلا في تفجيرات قامشلو؟
لابدّ هنا من القول والإعتراف بالقصور في التفاعل وممارسة دور إيجابي في هذه الأحداث رغم المحاولات الفردية لمنتسبيها فيها ومحاولتها تدارك هذا الخلل بنشاطات جاءت لاحقاً وفي وقت متأخر كالبحث في الرابط بين دور هذه المنظمات والواقع الذي نعيشه وعملية البحث عن اكتشاف واجباتها في مثل هذه الظروف أو في الدفع باتجاه البحث عن حلول لهذا الخمول المدني في هكذا كوارثرغم أنّ النشاط في هذا المجال بدأ بالاندثار.
إذاً كيف يمكن خلق حالة من الواقعية في معايشة هذه المنظمات لواقعنا والتفاعل معها والفعاليّة في تخديم هذا الواقع الذي يعاني من عملية لمعالجة العضو السليم وإغفال وتجاهل العضو المريض حقّا؟
بالتأكيد تحتاج هذه الولادة الجديدة إلى جهود جبّارة لهذه المنظمات وتتطلب عملية مثابرة في توظيف أهدافها بشكل حقيقي في الواقع وتمثُل الظروف التي نعيشها مضافاًإلى ذلك جملة من الإجراءات التي يجب أن تتمخض عن دراسة واقعيّة ومعمقة لهذه المنظمات حول أفضل السبل التي تخلق حالة من الإنسجام بين دور هذه المنظمات وهموم الواقع المعاش.
والإسهام في إيجاد واقع مدني متجانس مع ذاته أولاً ومع محيطه ثانياًبغض النظر عن خطوط التلاقي ما بين أهداف هذه المنظمات وآلياتها ومهامها وبين ما يتوجب عليها القيام به لتخديم واقعها آنيا.
وعليه فيجب العمل سوية وبشكل سريع لخلق هذه الأرضية لأنّ هذه الأرضية من شأنها منح هذه المنظمات فرصة النجاح والديمومة في عملها وفعلها الأخلاقي بدلاً من الانصياع للرغبة في الحصول على الأموال والامتيازات،ويجب إدراك حقيقة عدم التناسب بين ما هو موكل لمنظمات المنطقة من مهام وما هو ممول من نشاطاتمن قبل الداعمين وبين ضبابية فهم الداعمين لحقيقة الأوضاع في المنطقة وحقيقة احتياجاتها الفعلية.
نُشر هذا المقال في العدد (50) من صحيفة buyerpress
2016/9/1
التعليقات مغلقة.