قضايا عادلة

32

طه خليل

قال لنا المعلمون الشيوعيون:” إن الشيخ الأكبر كارل ماركس أو احد تلامذته قال: إن انتصار أية قضية عادلة في العالم هو انتصار لقضيتنا”  كان ذلك في الثمانينات.

لذلك تركنا قضيتنا، ورحنا نبحث عن أية قضية في العالم لندعمها، وبذلك ارتحنا من عبء قضيتنا ومن لوم اللائمين من جماعتنا، ندعم قضايا أخرى بطريقتنا وحسب أوقات الفراغ وما تقتضيه حالة الاقتراب بهذا القدر أو ذاك من العيون السود التي تناضل في صفوف تلك القضية فحفظنا أسماء كل مقاتلي ومقاتلات الجبهة الساندينية في نيكاراغوا، والثوار الماويين في المكسيك وعلقنا صوراً كبيرة لــ زاباتا في غرفنا الوسخة الضيقة في أحياء دمشق الفقيرة، الغرف التي كانت تفوح منها روائح الجوارب وعرق البطة ( كان علينا كثوار أن نشرب كثيراً ) وكذلك العرق المتصبب من تحت إبط الشباب الذين كانوا يكبتون شهواتهم أمام قطعان النساء الجميلات في كليات جامعة دمشق، فما ان تقترب زميلة منا للحب، حتى كنا نفاتحها بدعم القضايا العادلة في العالم مثلنا، وكن يتطيرن منا ومن وجوهنا الثورية وذقوننا التي تبدو كما لو أنها مدهونة بشحوم محرك السيارات، وخسرنا الجميلات اللواتي لم يأبهن لا بقضايانا العادلة ولا بقلوبنا التي كانت ترتجف في الخفاء، كن يسخرن منا ومن كل القضايا في العالم، العادلة منها وغير العادلة.

آمن صديقنا عبدالباسط بهذه المقولة كثيراً ووجد بسرعة قضية في العالم يدعهما، وينتصر لها، لتنتصر هي، وتكون بالتالي نصراً لقضيته الكردية، أنخرط مع مناضلي تلك القضية ليلاً نهاراً وراح يداوم على طاولات مقصف كلية الآداب ويجمع من حوله المناضلين والمناضلات من تلك القضية ويطرح عليهم آخر نظرياته في الثورة والثورة المضادة، وينّظر في مسائل القومية والوطنية وحركات اليسار في العالم العربي وانحسار حركة التحرر الفلسطينية ومنظماتها المتعددة: نايف حواتمه برجوازي صغير وسمير غوشه متعامل مع الأنظمة وأبو عمار رمز للرجعية والتخلف …الخ . ووحده الحكيم جورج حبش من سيعيد فلسطين من البحر إلى النهر وكانت زميلته المناضلة تفتخر بكردي جاء من ديريك يدعم ثورتها ويشاركها السرير أحيانا في مخيم ” يرميك” بدلا من يرموك.

أقنعنا صديقنا عبدالباسط أيام حرب بيروت أن نتبرع بالدم للمقاومة الفلسطينية فتبرعنا، رغم شحة دمائنا، فانتصار قضية فلسطين هي انتصار لقضيتنا ولدجاجات امهاتنا كما كان يقول تلامذة الشيخ لينين وحفيده المستعرب خالد بكداش زعيم الشيوعيين العرب كما كانوا يطلقون عليه وكما كان دائم الحديث في لقاءاته  عن الدورية الأمنية التي جاءت لتعتقله في الأربعينات وهو يرتدي بيجاما، حتى ظننا أن الكرملين سيحتفظ ببيجامته إلى جانب ضريح لينين.

كنا نسخر من الأغنياء ومن أبناء الاقطاعيين، رغم تخلفنا الواضح وتمدنهم، كنا لا نقترب منهم الا للسخرية منهم أو لتقريع آباءهم، وكانوا لطيفين ودودين يتفهمون ” انتقاداتنا ” الثورية لذويهم، ولم نكن نقتنع بسكوتهم، كنا نختلق المشاكل لنقاطعهم وإبعادهم عن أجوائنا البروليتارية والثورية .كان الوسخ ورائحة الجوارب رموز ثوريتنا، وهوية النضال الاكثر وضوحا.

تلك كانت وحشة الثوريين الكرد، يومها، وها هي تستمر مع الكثيرين من هؤلاء، فشاعر يكتب للحولة وينسى شنغال، وشويعرة كردية تتمنى عناق أبو قتادة وتنسى شهيدات يدافعن عن أمها التي تذوب بانتظارها، ومتثاقف موتور يشتم أهله، وقواد سياسة يدعو لمقاتلة أبناء وبنات شعبه لترضى عنه حثالات صارت معارضة.

وتجيء إلي ضوء روجآفا تختم وحشتي بخاتم سليمان، تنتظر زاويتي في ” صحيفة بوير” التي لم تجد حتى الآن من يدعم قضيتها العادلة.

وحشة: زاوية خاصة يكتبها طه خليل لصحيفة Buyerpress 

2016/6/15

ثقافة

التعليقات مغلقة.