عن «الاتحاد الديمقراطي»: معطيات و مخاوف

38
زيور
زيور العمر

فيما يتعلق بحزب «الاتحاد الديمقراطي»، وأولها أن الحزب رغم خلو إسمه من أية إشارة إلى كرديته أو سوريته، إلا أنه حزب كردي سوري. فبالإضافة إلى أن الأغلبية الساحقة من أعضائه ومناصريه من الكرد السوريين، والجغرافية التي يتحرك فيها الحزب هي الجغرافية الكردية السورية، فإن «الاتحاد الديمقراطي» ـ رغم تبنيه نظرية الأمة الديمقراطية التي أسسها عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ـ أكد في رؤيته السياسية، منذ مؤتمره التأسيسي في 2003 وإلى حدّ الآن، على أهمية حل القضية الكردية في سوريا، لجهة أنها قضية وطنية سورية بامتياز، تخصّ شعب يعيش فوق أرضه التاريخية «غربي كردستان».

لا يزال الجدل محتدماً بين أوساط السياسيين والمثقفين الكرد في غربي كردستان حول توجهات حزب «الاتحاد الديمقراطي» وسياساته ومشاريعه، كما كان طوال خمس سنوات الأزمة السورية الماضية. ومن بين أبرز الأسئلة المثارة في النقاش الساخن بين المؤيدين والمعارضين للحزب: هل يملك «الاتحاد الديمقراطي» مشروعاً سياسياً واضحاً حول حل القضية القومية الكردية في سوريا؟ ومع غياب أي أفق للحل في سوريا في الوقت الراهن، فإنه من المتوقع أن يستمر هذا الجدل في الفترة القادمة ايضاً.

بداية لا بدّ من ذكر بعض المعطيات والتوقف عندها بموضوعية فيما يتعلق بحزب «الاتحاد الديمقراطي»، وأولها أن الحزب رغم خلو إسمه من أية إشارة إلى كرديته أو سوريته، إلا أنه حزب كردي سوري. فبالإضافة إلى أن الأغلبية الساحقة من أعضائه ومناصريه من الكرد السوريين، والجغرافية التي يتحرك فيها الحزب هي الجغرافية الكردية السورية، فإن «الاتحاد الديمقراطي» ـ رغم تبنيه نظرية الأمة الديمقراطية التي أسسها عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني ـ أكد في رؤيته السياسية، منذ مؤتمره التأسيسي في 2003 وإلى حدّ الآن، على أهمية حل القضية الكردية في سوريا، لجهة أنها قضية وطنية سورية بامتياز، تخصّ شعب يعيش فوق أرضه التاريخية «غربي كردستان»، وعليه من حقه أن يتمتع بكافة حقوقه القومية والثقافية. وثانيها أن الحزب مع شركائه من العرب والمسيحيين عندما أعلنوا عن نظام الإدارة الذاتية وكانتوناته الثلاثة ، ولاحقاً، مشروع الاتحاد الفيدرالي في روجآفا، لم يعلنوها في كوكب آخر، وإنما في غربي كردستان، وليس في مكان آخر، وإلا ما تفسير رفض المعارضة السورية لهذه المشاريع، وكذلك غضب وهيجان تركيا حيالها، بحجة أنها خطوات تمهد لتشكيل كيان كردي في سوريا على غرار إقليم كردستان في العراق، مما حدا بالعلاقات الأمريكية ـ التركية إلى المزيد من التردي والتراجع. وثالثها أن «الاتحاد الديمقراطي» بات ينظر إليه على أنه يمثل الواجهة السياسية للشعب الكردي في سوريا من حيث الحضور الفعال والتأثير المستمر، ولا أدَلّ على ذلك، من دعوة جهات دولية  إلى مشاركة الكرد في مفاوضات السلام في جنيف حول سوريا، رغم حضور شخصيات كردية ضمن وفد المعارضة السورية، ورابعها، أن« وحدات حماية الشعب» باتت الشريك الفعلي للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والقوة العسكرية الوحيدة في سوريا التي يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها لتحقيق الانتصار على «داعش»، إلى جانب قوات البيشمركة في العراق.

بيد أن، ورغم الصعود الكبير الذي حققه «الاتحاد الديمقراطي»، وعلى إثره الاهتمام المتزايد بالقضية الكردية في سوريا دولياً، حتى باتت اليوم تتبوأ موقعاً مهماً، ما كان يحلم به الكرد السوريين يوماً، إلا أن هناك جملة من المخاوف التي يجب أخذها بالحسبان.

إذ ثمّة نهج واضح لدى المنظومة التي ينتمي إليها «الاتحاد الديمقراطي»، تتمثل في نزوعها المستمر إلى ممارسة السيادة المطلقة على الكيان السياسي المزمع تشكيله في غربي كردستان، عبر فرض إيديولوجيتها، سياسياً ورمزياً، وذلك من خلال تأسيس مؤسسات السلطة من وحي أفكار الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، وتكريس رموزها الحزبية على أنها قومية، دون إجراء أي تمييز بين الكيان السياسي ـ دولة / إقليم ذاتي الحكم ـ كمعطى ثابت، والسلطة باعتبارها معطى متغير.

فرغم أهمية الشرعية الثورية في الظروف الإستثنائية، إلا أنها شرعية وقتية، لا يمكن على ضوئها تشكيل مؤسسات من طبيعتها الديمومة بقوة السلاح، وإلا أصبحت سلطة شمولية لا تولي آراء العامة أي إهتمام، ولا تاخذ تطلعاتهم بعين الاعتبار. من هنا تأتي أهمية إجراء حوار وطني كردي، بغية تشكيل غطاء سياسي منوط به مهمة تحديد الاتجاهات الاستراتيجية للحركة الكردية، ومستقبل الكيان الكردي في غربي كردستان، مدعوماً برعاية ودعم ومساندة أغلبية الأوساط الشعبية الكردية.

ولأن من شأن ترتيب البيت الكردي خلف العناوين الأساسية لنضاله القومي والديمقراطي أن يخفف من حدة الاحتقان والخلاف الكردي ـ الكردي في غربي كردستان، فإن الصحيح أيضاً أن ذلك من شأنه أن يهدأ من حدة الصراعات الكردستانية بين ألأقطاب الرئيسية. وطالما أن « الاتحاد الديمقراطي » يشكل اليوم الفصيل الرئيس في غربي كردستان، ويمسك بمقاليد السلطة ويدير شؤون المنطقة، فإنه مسؤوليته في هذا الصدد مضاعفة، لجهة الانفتاح على باقي القوى والفصائل الكردية الأخرى، وإفساح المجال لها للتعبير عن آرائها ومواقفها بحرية، دون التعرض لمنتسبيها ومؤيديها، سواء بالتضييق أو الاعتقال.

إن سعي «الاتحاد الديمقراطي» المستمر إلى توفير مستلزمات القوة والتلويح بالقبضة الغليظة تجاه المتربصين من الخارج، لا يعفيه من مسؤولية ارتكاب تجاوزات خطيرة في مجال احترام حريات المواطنين والجماعات السياسية الأخرى، خصوصاً وأن تجارب التاريخ أثبتت خطأ الرهان على مجتمعات مقموعة ومسلوبة الإرادة ومغلوبة على أمرها، وانما الشعوب الحرة هي ضمانة المقاومة والصمود والمستقبل الباهر لأبنائها.

ختاماً، رغم أهمية الإنجازات التي حققها «الاتحاد الديمقراطي»، والمقاومة التاريخية التي سطرها أبناء شعبنا، إلا أن هنالك مخاوف جدية من بقاء مسائل عديدة دون حل، واستمرار الأخطاء دون السعي الجاد إلى معالجتها، على أمل أن لا تتراكم مستقبلاً إلى الحد الذي لا يمكن تداركها.

نشر هذا المقال في العدد (45) من صحيفة Buyerpress

تاريخ  15-6-2016

مقالات

           

 

التعليقات مغلقة.