أبناء النعامة العفلقيون

38

                     

رضوان سيدو عضو المكتب السياسي لحزب المساواة الديمقراطي الكردي في سوريا

اندلعت الثورة السلمية رداً على مظالم النظام وسياساته الخاطئة والمجحفة بحق الشعب السوري واستفراده وحزبه وأجهزته الأمنية القمعية بجميع مفاصل الحياة, إلا أن هذه الثورة لم ترق للنظام فأراد عسكرتها تحت ضغط القتل والدمار لقمعها بكافة صنوف الأسلحة بحجة محاربة الإرهاب وكان له ما أراد, وبعد مرور خمس سنوات على اندلاعها حيث مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والملايين من المشردين والمهجرين والمهاجرين ناهيك عن الدمار والجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري التي ارتقت إلى جرائم حرب وضد الإنسانية من قبل النظام وأغلب الجماعات المسلحة وخاصة الإرهابية.

أقول وبعد كل هذا يأتي بعض ما يسمون أنفسهم بالمعارضة الوطنية والديمقراطية لينكروا على الآخرين حقوقهم ويصادروا ما تبقى من مفاهيم الثورة السورية  السلمية والمتمثلة في الحرية والكرامة, ولكن غربلة الثورة لم تتوقف لحظة فبين الفينة والأخرى هناك جديد من الفرز وربما يتفاجأ  القلة القليلة من أبناء الشعب الكردي بتصريحات هؤلاء الذين جابوا مشارق أوربا ومغاربها وغيرها من البلدان المتحضرة واطلعوا على دساتيرهم وقوانينهم ونظمهم السياسية وتجاربهم الناجعة في مجال حقوق الشعوب والقوميات والأقليات والطوائف والمذاهب وعلى حضاراتهم الإنسانية…..إلخ ,إلا أنه وبعد كل هذا التنور وبحر من دماء الشهداء والتضحيات الجسام للشعب السوري بجميع قومياته وطوائفه يطل علينا السيد أسعد الزعبي (رئيس الوفد المفاوض للمعارضة السورية) لينفي وجود الكرد كشعب أو قومية في سوريا متجاهلاً بأن هذا الشعب يعيش على أرضه التاريخية, وسبقه رمز أخر وهو السيد برهان غليون ليصرح بأن الكرد في سوريا كلاجئي فرنسا وآخر ليقول بأنه لا توجد مناطق كردية  في سورية ………إلخ.

والأنكى من ذلك, يخرج الكاتب عبد الرزاق عيد فيما كان يسمى بصديق الشعب الكردي كالمارد ليصف الشعب الكردي بماسحي الأحذية وما شابه وتنتفض بعض التنسيقيات في معرة النعمان وغيرها من المدن السورية لترفع شعاراتٍ واصفةً الشعب الكردي بالقرباط (النور)……….رد اً على تضامن أبناء الشعب الكردي في كردستان سوريا معهم منذ بداية الثورة (يا درعا حنا معاكي للموت),لا وبل كانت المدن الكردية السباقة إلى المشاركة في الثورة.

{عذراً….. آمل  أن لا يُفهم خطأ بأن اعتراضنا هو التقليل من إنسانية النَوَر, بل تأكيداً على إننا شعب نعيش على أرض أجدادنا التاريخية والتي اُلحق جزء منها  بالدولة السورية بموجب التقسيم الناشئ عن اتفاقية سايكس بيكو1916}.

ولكن وبعد أن تشارك هؤلاء الشوفينيون مع النظام في التسلق والسطو على الثورة ومفاهيمها الوطنية والإنسانية يجب أن لا يغرُب عن بالنا بأنهم رضعوا من ثقافة حزب البعث العنصري وترعرعوا في كنفه الشوفيني حيث تجري في عروقهم ودمائهم كريات السود العفلقي, لذا فإن ثقافتهم وذهنيتهم العفلقية لا محل لها من الإستغراب.

هذا ومؤخراً تعالت وتهافتت أصوات ما يسمون بالمعارضة لتتقوقع في خندق النظام ضد حقوق الشعب الكردي ومنها الفيدرالية بغض النظر عما يطرحه المجلس الوطني الكردي (فيدرالية قومية),أو ما أعلنته Tev_Dem فدرالية شمال سوريا_روجآفا ( وهي عبارة عن سورية مصغرة).

لذلك فإن أبناء النعامة العفلقيون – الذين يخدعون أنفسهم قبل غيرهم – بهذه الثقافة والذهنية غير قادرين على قيادة المرحلة الجديدة وسوريا المستقبلية كونهم انقادوا بداية لشوفينيتهم وعنصريتهم وعقليتهم الاستبدادية والتي ما كانت الثورة السورية إلا رداً على ذلك, ولكن أزيل القناع المزيف عن وجوههم العفلقية وبانَ للشعب الكردي وللقاصي والداني الخيط الأبيض من الأسود.

هذا ومن خلال قراءة المشهد السوري فإنه من غير الممكن إن لم يكن مستحيلاً أن تعود سوريا إلى ما كانت عليها قبل الثورة وتستعيد عافيتها المركزية وتتعايش الشعوب والقوميات والطوائف في دولة مركزية بعد الدماء المسالة على أيادي السوريين فيما بينهم (وهذا ما كنا لا نحمده) لذلك فإن الحل الأمثل للأزمة السورية هو الحل السياسي وإقرار النظام الفدرالي كسائر الدول الفيدرالية المتعددة القوميات والأقليات والطوائف والأديان.

وأودُ هنا أن أورد تجارب بعض الدول في هذا المنحى لاطلاع هؤلاء الشوفينيين عليها ولتبديد مخاوف المخدوعين بهم بأن الفيدرالية ليست الانفصال كما يدعون  بل هي الضمانة لوحدة سوريا المجزأة والمقسمة حالياً إلى عدة مناطق لتتعدى عدد المحافظات السورية.

فمثلاً سويسرا التي تعد دولة كونفدرالية(وليست فيدرالية) وهي مقسمة إلى 26ولاية تتوزع على 20 كانتوناً و6 أنصاف كانتونات, ونصف الكانتون ينشأُ من حالة انقسام تصيب ثلاثة كانتونات وهذه الولاية تنقسم إلى مجالس بلدية يبلغ عددها 3000 تقريباً, علماً أن مساحتها 41,285  فقط وفيها أعراق وأديان ولغات رسمية متعددة وهي تُعتبر من الدول المتحضرة والمتقدمة والآمنة.

وكذلك تعتبر الصين والهند من أغنى الدول من حيث عدد القوميات والأديان واللغات, فجمهورية الهند والتي تسمى عن أهل البلاد بالبهارت والتي تعني الأرض,تتكون من عدد كبير من القوميات (حوالي 145قومية) و(28 ولاية)وسبعة أقاليم ويعد دستورها من أطول وأكبر الدساتير المستقلة في العالم شمولاً ويوصف شكل الحكومة فيها عادةً بـ “شبه الاتحادي” وكذلك روسيا الاتحادية ((الفدرالية)),تتكون من 21 جمهورية تتمتع بعضها بالحكم الذاتي والأخرى بالفيدرالية وأيضا الإمارات العربية المتحدة والتي تتكون من سبع  إمارات وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية (50 ولاية) تتمتع بعضها بالفيدرالية والعراق (15 محافظة) وإقليم فيدرالي واحد وهو إقليم كردستان, وأيضا أثيوبيا (9أقاليم) ومدينتان فدراليتان, وماليزيا التي تفصل شطريها الغربي والشرقي بحر الصين الجنوبي …إلخ.

فمن خلال سرد هذه النماذج من الدول الفيدرالية والكونفدرالية والتي تُعتبر من الدول المتقدمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً, ويسود الهدوء والأمن  في تلك الدول, وإذا ما حاولنا مقارنة هذه الدول الفيدرالية بسورية المركزية التي صادرت الحريات واضطهدت القوميات والأقليات واضمحلت الاقتصاد وأفسدت المجتمع وانتهكت حقوق الإنسان بشكل صارخ وفظيع في جميع المجالات وبين ما يرمي إليه بعض ما يسمون أنفسهم بالمعارضين الديمقراطيين فإننا لا نجد وجها للمقارنة.

لذلك فإن هؤلاء الشوفينيين (قائمة الظل للنظام) يحملون ذات جينات النظام الذهنية والسلوكية وما كان انشقاق معظم المسؤولين إلا لغسيل وتبييض أفعالهم والنجاة من قارب النظام الهالك, وبعد الغربلة والفرز تبرهن بأنهم لم يثوروا في وجه النظام دفاعاً عن الشعب السوري ورفع المظالم عنه, بل أرادوا السلطة واستبدال(بشار) بالـ (نشار).

أما نحن الكرد فيتطلب منا في هذه المرحلة الحساسة والمفصلية من حياة شعبنا الكردي وبروح عالية من المسؤولية العودة  إلى الحوار الجاد والفعال لوحدة الصف الكردي ولنيل شعبنا حقوقه القومية المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية, وليعلم المتنصل بأن التاريخ سوف يشهد على ذلك وإرادة الشعب الكردي لن ترحم.

نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” بتاريخ 15/4/2016

3

التعليقات مغلقة.