نهاية شهر العسل الكردي – العربي في سوريا الثورة
” اختفى علم كردستان من مظاهرات حمص و حلت محله لافتة تطالب الكرد الفيدراليين بالرحيل أو إعادتهم للعمل كماسحي أحذية في شوارع حلب و دمشق”.
باستثناء قلة أبدت تعاطفا خجولا عبر معظم السوريين عن مواقف متباينة معادية بغالبها للانتفاضة الكردية عام 2004 من مجرد اعتبارها أحداث شغبٍ إلى حد اعتبارها مخططا خارجيا لتقسيم سوريا وتدميرها. لتحافظ العلاقة الكردية – العربية في سوريا بعدها على مستوى دقيق من الحذر و اللاثقة استمر حتى اندلاع شرارة الربيع العربي وامتداده إلى سوريا بتعابيره الأولية السلمية. وقتها عقد المعارضون العرب السوريون آمالا كبيرة على تحرك كردي شعبي ضخم سيكون حافزا للشارع العربي ليشكل مدخلا لكسر جموده و بداية لخروجه على نظام الحكم، طرأت تغيرات جديدة وهامة على العلاقة العربية الكردية على المستوى الشعبي المعارض للنظام، هتافات باللغة الكردية في أقصى جنوب سوريا، رفع علم كردستان في مدن مثل حمص أحد أهم معاقل العصيان المدني وقتها بوجه آلة النظام القمعية، لم يشكل العلم الكردي بما هو رمز قومي كردي ” انفصالي ” عائقا أمام المعارضة العربية بل بدت الظاهرة وكأنها دعوة لفتح صفحة سورية جديدة أساسها العيش المشترك ” للمختلفين ” والمواطنة العادلة كان أهم شعاراتها ( سوريا لكل السوريين ) ودون خوض في تفاصيل شكل تلك المواطنة و هيكلية واضحة لعلاقة الأقلية الكردية بالأغلبية العربية، قفزت المعارضة العربية فوق كل الطروحات الكردية الإشكالية(حقوق ثقافية، حكم ذاتي، فيدرالية) بعنوان عريض مشوش الملامح فكل حديث عن شكل إدارة سوريا مؤجل لما بعد سقوط النظام و تشكيل أول برلمان لسوريا الثورة. راهنت المعارضة العربية وقتها على هذا العنوان الفضفاض كمشروع وحيد يجمع حوله معظم السوريين عربا و كردا و يشكل قاعدة جديدة للملمة الشارع الكردي المسيس والمنظم أكثر من العربي حول الثورة .بلغ هذا المنحى الجديد للعلاقة الكردية-العربية ذروتها بمقتل القيادي الكردي مشعل تمو أول سياسي كردي سوري متجاوزٍ للتطلعات القومية الكردية ” الضيقة ” نحو فضاء أرحب هو المواطنة السورية بلا ملامح قومية كردية ولا مضايقة للهوية العربية للبلاد حسب ما ورد في خطاب المعارضة العربية آنذاك، أقيمت مئات خيم العزاء للشهيد الكردي السوري، رُفعت صوره في كل المظاهرات .. صدحت الحناجر باسمه وبعظمة الكرد السوريين … بدت اللوحة الوطنية السورية أقرب ما تكون للكمال بعيدة جدا عن الخطوط الحمراء للأمة البعثية وفوبيا الانفصاليين ” الأشرار ” . كانت تلك الأيام وربما الشهور زهوة الربيع وشهر العسل العربي – الكردي في سوريا .
لم يستمر الحال ورديا لمدة طويلة بعد أن دخلت تركيا بقوة على خط المعارضة التي بدأت أولى تشكيلاتها العسكرية بالظهور وطغت الحاجة للدعم المالي والسلاح على أهازيج الوحدة الوطنية وبدأت الشروخ تظهر على جدار شعارات وحدة سوريا أرضا وشعبا، كان أولها في تركيا التي استضافت أول مؤتمر للمعارضة حيث أُزيلت من على حائط غرفة الاجتماعات لوحة كتب عليها الجمهورية السورية لتحل محلها أخرى كتب عليها الجمهورية العربية السورية، بقي اسم الدولة موضع جدل كبير ورأس جبل جليد اللاتوافق العربي الكردي حول هوية البلد.
دخول حزب (PYD) على الخط الكردي بقوة – طالما عُرف الحزب بشدة تنظيم وانضباط واتساع قواعده وولاءهم شبه المطلق للحزب – والرفض الذي جوبه به من المعارضة العربية الممولة من تركيا التي يستحيل أن تقبل بعدوها اللدود حزب العمال الكردستاني وامتداده السوري (PYD) في أي محفل لمعارضة سورية تراها تركيا بوابة لمشروعها العثمنلي القديم المتجدد.
انقسم الكرد وعلى عدة مستويات حول مشروع المعارضة الغامض والمتذبذب التي بدأت بخطاب جديد غير الذي ” حضن ” كل الكرد في بوتقة الأمة العربية السورية فهناك الآن كرد وطنيون سوريون همهم الأول سقوط النظام وانتصار المعارضة وموضوع الحقوق الكردية ” المائعة ” في أدبيات المعارضة بالنسبة لها لا يزيد أهمية عن إنارة بعض القرى في ريف دير الزور البعيد قرب الحدود العراقية، أطلقت المعارضة على هؤلاء تسمية غربية ( إخوتنا الكرد الشرفاء ) ليُصنف الآخرون ككرد ” غير شرفاء ” ربما كمقابل للتسمية الفوقية التي أطلقتها المعارضة على أنصار مشروعها.
استمرار أمد الأزمة وظهور تنظيم داعش الفتاك الذي لقي قبولا غير معلن من قبل المعارضة باعتباره أيضا حمل شعار إسقاط النظام وإن بتسمية عنصرية بإضافة وصف النصيرية لاسم السلطة الحاكمة مع ما تحمل من عداء واضح للطائفة العلوية. الانقلاب الحقيقي في موقف المعارضة العربية من الكرد بدأ مع معركة تحرير تل ابيض من داعش الأمر الذي شكل صدمة مزدوجة للطرفين، عربيا بدا أن الكردي “المسكين” أعلن تمرده على الخطوط الحمراء المرسومة له من قبل المعارضة و بدأ يوضح حدود منطقة سلطته غير مهتم بالقضية المركزية للمعارضة، بالنسبة للكرد كانت الصدمة بالرفض العربي لتحرير المدينة من داعش العدو المشترك علنا.
انتهي شهر العسل الكردي العربي السوري نهائيا مع دخول القوات الكردية وحلفاءها العرب لمنطقتيْ “منغ وتل رفعت” في محاولة لتأمين ممر جغرافي بين كوباني وعفرين. وانقلب خطاب المعارضة رأسا على عقب لينهي حكاية الكرد ” الشرفاء “.
رموز معروفة للمعارضة ظهرت على شاشات التلفزة والصحافة تدلي بتصريحات غريبة ومتشنجة ترقى للعنصرية عن الكرد ونواياهم الخبيثة وأصلهم الفارسي أو القوقازي البعيد وأن وجودهم في سوريا هو إما ضيافة او احتلال .. مظاهرات عديدة في مناطق سيطرة المعارضة رفعت لافتات رافضة للمطلب الكردي بسوريا لامركزية فيدرالية، اتهامات بالجملة بالخيانة .. ازدراء وتهكم وتحقير حتى المطالبة بالتهجير وتنظيف الشمال السوري منهم.
انتهى شهر العسل الكردي العربي باصطدام عربي لأول مرة بأكراد أقوياء يفرضون خياراتهم القومية خارج أطر المعارضة ووثائقها الكثيرة المضطربة والمتضاربة حول حقوق كردية ما في سوريا المستقبل هي أقرب ما تكون للمنح والعطايا يقدمها القوي للضعيف وقتما ما يشاء وبالكمّ الذي يشاء. أخيرا وصل خطاب المعارضة لذرى الحدود البعثية بقبول هوية وحيدة ” لكردها ” فهم كردٌ عربٌ سوريون مرحبٌ بهم أو خارجون على القانون يخططون لمؤامرات اقتطاع جزء من أرض الوطن بغاية إلحاقه بدولة أخرى هي ذاتها التهمة التي وجهتها المحاكم العسكرية البعثية للمتمردين الكرد ما قبل عام 2011.
اختفى علم كردستان من مظاهرات حمص وحلت محله لافتة تطالب الكرد الفيدراليين بالرحيل أو إعادتهم للعمل كماسحي أحذية في شوارع حلب و دمشق.
نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” العدد (41) بتاريخ 15/4/2016
التعليقات مغلقة.