من يحرض على الانفصال ومن يسعى للوحدة

60

  بهذه العقلية الإقصائية يوضحون إصرارهم في دفع الكرد إلى الانفصال عن الجغرافية السورية كما يظهر في جنيف من خلال عدم الرغبة في مشاركتنا وكأنهم يدفعوننا للبحث عن حلول خارج المحادثات التي نراها في غاية الأهمية بالنسبة لنا

13009957_1039844779429288_1918010027_o
آلدار خليل عضو الهيئة التنفيذيّة في حركة المجتمع الديمقراطي (Tev-Dem)

في منعطفات تاريخية يتحول فيه الوضع في سورية تماماً إلى حالة يُرثى لها، أمام الصراع بين قطبيْ العالم والمحاولات الإعلامية أقل ما في الأمر التي تدعم وتنادي بالحل السياسي والسلمي ..

ثم ماذا بعد الحل السياسي والسلمي شعار طرحه أطراف عدة وفي حرم هذا الشعار وتحت الوشاح المغطّى به تم تهجير ما يقارب 4 ملايين بين الداخل وخارج، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى أكثر من 500 ألف إن لم يكن أكثر, وظهر بينهم 250 ألف بين مفقود ومجهول المكان .. لعل هذا يحتاج إلى حسّ وطنيّ راقي يكون بحجم المواجهة أمام الضمير الوطني وأمام المستقبل القادم الذي يحاول البعض أن يجعلوه مشوّه الولادة.

في سورية تظهر حكايات وويلات، ومن الواجب أن نكون لائقين بحجم آمال الشعب الطامح إلى الحلّ والسلم وإلى بناء مجتمع جديد، متكاتف، ديمقراطي، خال من كل شوائب مفرزات الإرهاب والفكر المتطرف ..

لعل ظهور المعارضات بالشكل الفارغ الهشّ زاد تعميق الوضع في سورية، خاصة بعد أن وقعت – وأقصد تلك المعارضات – في كنف بعض الدول الإقليمية والدولية التي أصبحت تقودها حربها، حرب الوكالات على أراضي سورية وعلى الشعب السوري ليرتفع بذلك المؤشر الرافض للحل والمعمق للأزمة، لم تستطيع هذه المعارضات على مدار خمس سنوات – وها هي تدشن الشهور الأولى من العام السادس – من خلق أيّ نوع من الأمل لدى كل من راوده حبّ البناء والانتهاج بمنهج ديمقراطي حديث يساهم في تغيير ملامح تلك الحياة التي رسمتها أجهزة القمع والاستبداد والقهر .

من المؤسف أن الخلافات الناتجة بين صفوف تلك المعارضات والتي ليست مغايرة للنظام الذي حكم سورية أكثر من أربعة عقود، ففي جوهر تلك المعارضات السلطة تبدو لهم أهم بكثير من حال وأحوال الشعب في سورية, وكذلك الوجهة المشوّهة التي خلفتها آلة الحرب بأيادٍ عدة بدءً من النظام والمجموعات المسلحة التخريبية وانتهاءً بجبهة النصرة وأحرار الشام وأخيراً وحش القرن الواحد والعشرين داعش ومن يدور في فلكه ومداره التكفيري هذا ما يريدون استمراره.. أمام كل هذا يظهر للعيان مدى تآمر بعض الدول الإقليمية وعلى رأسهم تركيا.

 تركيا كانت ومازالت يداً بيد مع المجموعات التي تكاتفت على إزهاق أرواح الشعب السوري وعمدت إلى جرّ البعض منهم من ساحات القتال لتلبسهم الزي الفرنجي وتقدمهم على أنهم ممثلو الشعب السوري وخيرة من يمثل طموحات الشعب هذا في المحافل الدولية وقدمت بكل بسخاء كل التسهيلات التي من شأنها احتضان مؤتمرات عدة، وكذلك عمدت على بثّ السموم بين المكونات السورية لتقوم بتكفير البعض منهم، وتخوين البعض الآخر, وهنا تظهر مدى المطابقة بين هذا الفكر التي تحببه المعارضة وبين النظام ذاته فأين الشعب السوري من تحقيق طموحه الذي تنادون به؟؟ّ!!

 تركيا الطورانية متمثلة بشخص أردوغان وحزبه، الذين لم يتهاونوا في مد يد العون للأخوة الذين تجمعهم رابطة الدم .. الدواعش فكانوا لهم بمثابة بيت المال يقتنون منه ما يشاؤون فقط من أجل سموّ الإسلام !! هذا السموّ الذي أدى في النهاية إلى الهرع والذلّ والمهانة بين صفوف الشعب السوري, فكانت بذلك تركيا تقدم الخدمات المجانية للنظام السوري، ليقول الناس النظام أفضل حال من الإرهاب ويتحسرون على أيامه .. هكذا لعبت تركيا دورها الوظيفي, وقبل هذا احتضت المعارضات الوطنية حسب مقاييسها طبعاً, ووفرت لها الملاذ الآمن والمأكل الحسن وقدمت له الدعم الكافي لردع أي طرف يقف أمام هذا الفكر أو يعاديه فكان الكرد أول بيت القصيد من هذه الإستراتيجية، وكانت مناطقهم في مرمى نيران مغول العصر، التكفيريين، المسلحين المأجورين، ووجهاؤهم السياسيين طبعاً في تركيا وغيرها من الدول.

 بهذا كانت الحماية الذاتية جوهر المرحلة، فبدأت الحملات المنادية بالحل والبناء الحر للمجتمع والدولة على أساس المشاركة والإجماع على الحفاظ على سورية ومنع من أن تكون منطقة حرة للتجارة بالشعب السوري وتحويل هذا البلد إلى سوق للسلاح وديوانات تُرفع فيها السيوف المتطرفة الفاقدة لبريقها بسبب الدماء التي عليها من نحر الأطفال والرجال والنساء والشيوخ ..

وأمام كل ما بذله الكرد وحلفائهم الذين التقوا على وحدة التاريخ والحضارة والمصير والهوية، تدمرت المشاريع الإرهابية بالوحدة الوطنية في شمال سورية وانطلق الشعب نحو التنظيم والدفاع, وبنى كل ما من شانه تقديم المجتمع نحو المسار الصح .. بهذا تحولوا إلى شوكة في حلق من أرادوا الخيبة لسورية ..

وبدأوا بحصار سياسي على الكرد ومنعهم من أية مشاركة على المشاورات التي تتم من أجل الحل في سورية، إذا فكيف تريدون تمثيل الشعب وأنتم تعملون على إقصاء أهم مكون من هذا الشعب؟!! وأمام هذا مَنْ مِنَ المعارضة سوف تسري قرارتهم على هذه المنطقة التي يسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية بعد دحر الإرهاب بنسبة تزيد عن 15% من الجغرافية السورية ؟؟!

وعلى عكس ما يقومون من إبداء مخاوفهم من الانفصال وما يقومون بالترويج لذلك يواجهون الكرد بالإقصاء، فما إصرار الكرد على المشاركة في المحافل الدولية وحوارات جنيف مؤخراً إلا سوى الحرص الوطني في ضرورة الحفاظ على وحدة سورية .

وهم بهذه العقلية الإقصائية يوضحون إصرارهم في دفع الكرد إلى الانفصال عن الجغرافية السورية كما يظهر في جنيف من خلال عدم الرغبة في مشاركتنا وكأنهم يدفعوننا للبحث عن حلول خارج المحادثات التي نراها في غاية الأهمية بالنسبة لنا، ومشاركتنا أمر ضروري،  فنحن لا نريد الخروج عن مسارات الحل السوري وبالتوافق مع الأسرة الدولية، ونؤكد على أهمية مشروعنا التعددي، الديمقراطي، الاتحادي، المُلبي لتطلعات الشعب السوري والذي يشكل البنية الأساسية لسورية جديدة قائمة على الأسس الحقيقة للديمقراطية وبالتالي نحن مع أي حل سوري – سوري ونرفض الانفراد بالقرارات أو استغلال هذا الإقصاء لنوايا ليست من المصلحة السورية ولابد من الجهات الراعية للمحادثات الدولية من ضرورة إعادة النظر في هذا الأمر والخروج عن الانحياز لبعض الجهات الإقليمية الأخرى.

نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” العدد (41) بتاريخ 15/4/2016

2

التعليقات مغلقة.