PYD)  و ENKS).. خديعة المسكوت عنه سياسيا ً

40

 

مصلحة (PYD) تستدعي الحفاظ على المجلس الكردي وفق وضعه الراهن في تشتته وضعفه وغياب فاعليته، فهو على حافة الانهيار، خطوة أخرى ويموت، ولن يسمح (PYD) بتفعيل هذه الخطوة أبداً

13036351_1039834376096995_1010522603_o
د. فريد سعدون

تنزاح ذهنية المتلقي حين انعكاس الوقائع الساذجة عليها نحو تغليب الظاهر، واستبعاد التأويلات الشائكة التي تستقر في عتمة الأغوار الغامضة، ولكن هوس التنقيب يجعلها تتحسس ذاتها، وتثير فيها الأسئلة الواخزة شهوة الانبلاج من غفلتها، والمتلقي لا يستطيع أن يقي نفسه مكر إشارات الاستفهام التي تتزاحم على عتبة رغبته الجامحة في فض ميزان الفتنة المتدلية من شجرة الأحزاب الهرمة، وهتك عورتها، ورصد تواريها، واقتفاء أشطان متاهاتها وفخاخها، وهذه الرغبة المأهولة بالفزع والرعب تتقد كلما تمنّعت التأويلات عن الاستسلام، وأبدت جاهزية شرسة في الدفاع عن تخومها، وفي هذه اللحظة تبدأ لعبة نبش الدهاليز المطمورة التي تفضي إلى استبطان مكامن المسكوت عنه، وتعريته، ويمكننا أن نتخذ نصوص الخطاب السياسي الكردي نموذجاً للتدليس الذي يفعّل آلياته لإرجاء المضمون الحقيقي، والدفع بالمعنى الظاهري إلى العلن، إذ يمضي الإعلام الحزبي إلى التحذلق والتشدّق بالألفاظ والعبارات الاحترابية التي تحفّز الذاكرة على الانشغال بالرّد الانفعالي وترك الموازنة العقلية التي تسمح لها التفريق بين ما ترائيه وتواريه، وهذا الانشغال يصدر عن ممارسة اجترارية في تصريف الكلام، وهو ما دأبت عليه الأدبيات الحزبية الكردية، حتى تأكد للمتابع عجز هذه الحركة عن الإفلات من سطوة ثقافتها الارتدادية، وتبيّن له أن تجاوزها أو التملّص منها مجرد وهم. تتجلّى هذه المحنة في كيفية معالجة الخطاب السياسي الكردي لإشكالية التباين والتناحر والتنافس بين PYD و ENKS، فالمشكلة لا تكمن في تغيير الشكل أو أسلوب التعبير، ولكن في المفهوم ذاته، ومن هنا ينبري سؤال جوهري للإعلان عن نفسه: إذا كان هناك تنافس بين الطرفين فمن المفترض أن تكون هناك علاقة تنظم هذا التنافس؟

هذه العلاقة لا بد لها أن تنشد تبديل مفهوم التنافس وطريقة إنجازه وممارسته ووظيفته بغية تحقيق المغايرة وبث روح التجديد في الحراك السياسي، ولكن في الواقع فإن هذه العلاقة تخفي في سراديبها غايات أخرى، فهاجس الخطاب السياسي هو إدارة الممارسات الحزبية، ولذلك فإنه خطاب مشحون بالتخوين والتقزيم والتشهير،  (المجلس الوطني الكردي برمته والمهيمن عليه من قبل أكراد النصرة أو أكراد الائتلاف أو أكراد أنقرة؛ بات في أيامه الأخيرة بمعرض الفسق والرذيلة ونفق الخيانة)[1]، على النقيض يقول الآخر (لو كان (PYD) يحمل أجندة كوردية أو وطنية سورية لرحبنا به، لكنه للأسف مجرّد أداة بيد قوى أخرى، وهو جاهز للاستخدام حين اللزوم، والـ (YPG)، معظمهم ليسوا من كورد سوريا، وقرارهم الرئيسي لدى النظام السوري)[2]، إن الأهواء والرغائب الحزبية هي التي تفتك بالخطاب السياسي، وتطال العلاقات الممكنة والمحتملة التي ربما تكون قادرة على خلخلة بنية المأزق السياسي، وإعادة قراءته وترتيبه وفق النسق الذي بموجبه يتم تخفيف التغريب والتشظي والفضح والإدانة، ولكن لو أمعنا النظر قليلاً في الصراع بين الطرفين، لوجدنا أن هناك مضمراً غائباً يتفق عليه الطرفان ولا يعلنانه، ويظل حاضراً بأثره ليشير إلى سرّ قوته وجبروته، يتجلى هذا المضمر المسكوت عنه في رغبة الطرفين الحفاظ على بقاء الآخر، وعدم نفيه أو تفكيكه بالمطلق، لحاجته الضرورية إلى وجوده كي لا يفقد هو نفسه وجوده، تتضمن هذه الفكرة مفارقة مذهلة، إذ إن خطاب التخوين لا يدعو إلى الإبادة، ولا يعمل على مبدأ المحو والإزالة، بل يشتغل على التقزيم والتهكم والتشفّي، كي يبرهن على تخاذله وإسفافه، ومن هذا المنطلق فإن الطرفين يتركان فسحة مشرعة للالتقاء والتحاور وحتى التوقيع على اتفاقات وهمية تخدم استمراريتهما والحفاظ على مصالحهما، وأيضاً استجرار طاعة وتأييد جماهيرهم المستلبة بوهم توحيد الصف الكردي وتحرير كردستان، لذلك فإن مصلحة (PYD) تستدعي الحفاظ على المجلس الكردي وفق وضعه الراهن في تشتته وضعفه وغياب فاعليته، فهو على حافة الانهيار، خطوة أخرى ويموت، ولن يسمح (PYD) بتفعيل هذه الخطوة أبداً، هذا لا يعني أن (PYD) لن يشعر بالغبطة في حال انهيار المجلس واستفراده بالقرار الكردي، لكنه يرصد ما يعتمل في دواخله وخارجه من أفكار محجبة ومقموعة بفعل هيمنة المجلس، ما أن ينهار المجلس حتى ستبدأ بالتلامح والتركيز والتأطر، وبالتالي خلق البديل وفق نسق ومضمون ثوري متمرد وديناميكي، وعلى النقيض فإن المجلس بعد أن فقد دور الريادة، وتسرب القلق والتفكك والتقاعس إلى مفاصله، وفشله الذريع في إدارة المجتمع، وكذلك في تحقيق مكاسب في المفاوضات، فإنه بحاجة إلى إدارة أزمته مع طرف داخلي، ووجد في (PYD) ضالته، فكل فشل سببه ممارسات (PYD) القمعية، وهكذا يسهم في تغييب وحجب الحقيقة ويرمي بالقضية في التيه متسربلاً بالغموض والتعتيم.

فالمضمر المسكوت عنه متزامن بين الطرفين، ولكنه متباين في الممارسة ومختلف في الرؤى والموقف، وهذا ينعكس في الخطاب السياسي الذي يتوهم البعض أنه نتيجة الصراع المنبثق من الاختلاف الثقافي الراسخ بينهما، بيد أنه نوع من السجال المشحون بسلسلة متتابعة من ردود الفعل الآنية، فالخذلان هو سيّد الموقف، لكنه يتستر بأقنعة تمكّنه من التملص من غضب الشارع، ديدنه الزّيغ والمراوغة، ويبقى الخطاب السياسي بعيداً عن تمثّل أبعاد إشكالية القضية الكردية، لذلك تمت إدانته بأنه خطاب مزيف يرائي غير الذي يواريه، ويعلن غير الذي يسكت عنه، فيختار التدليس والتحوير ويتعمّد تعتيم المعاني وتعميتها، لكن النفاذ إلى المسكوت عنه في ثناياه يضعنا مرة أخرى أمام اندحاره وهزاله.

 

 

[1] سيهانوك ديبو : مقال(وجه الخيانة القبيح) حزب الاتحاد الديمقراطي، 6 مارس 2016. http://karwan.karwan.ch/?p=10330

[2] – عبد الحكيم بشار: مقابلة أجراها معه عمر كوجري، روج آفا نيوز، 16 شباط/فبراير 2016.

نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” العدد (41) بتاريخ 15/4/2016

2

التعليقات مغلقة.