لقيطُ المعارضة السورية يبحث عن مُتبنّ..!

47

” لقد سقط القناع عن القناع واهترأت ورقة التوت, وبانت سوءَته الفكرية التي جاهد في التمظهر بها فيما مضى من الوقت, وكشّر عن ما كان يخفيه من بقايا فكر عفلقيٍّ غثائيٍّ أحوى داخل (جمجمته) الهشة “

حسين بدر

حسين بدر

بعد أن ضاق به الحال جراء تقلباته البهلوانية بين العلماني والديمقراطي في الأمس القريب والسلفي الجهادي اليوم, وما آلت إليه أوضاع معارضته من انتكاسة تلو الأخرى وفشل وانهيار سياساتها المتبعة حيال الأزمة السورية, وشحّ نبع التصدق عليه, آثر أن يغرد خارج سربه المنهك, وأن يعود الى حاضنته التي فُقس فيها ونهل من أفكارها وترعرع في ظلها, لعله يحظى من جديد بمن يتبناه من ممولي الفكر القومجي العروبي والمتأسلم أحياناً, فَيَصِل إلى ضالته. لقد سقط القناععن القناع واهترأت ورقة التوت, وبانت سوءَته الفكرية التي جاهد في التمظهر بها فيما مضى من الوقت , وكشّر عن ما كان يخفيه من بقايا فكر عفلقيٍّ غثائيٍّ أحوى داخل (جمجمته) الهشة, من خلال تصريحاتٍ تفوح منها رائحة الحقد والكراهية والعنصرية, تجاه أبناء شعبٍ ضحّى بالغالي والنفيس في مقاومته للاستعمار, وسطّر أروع ملاحم البطولة والفداء ضد أعداء الوطن والإرهاب ولايزال. فكان ردّ الجميل من لقيط المعارضة السورية عبد الرزاق عيد نعتِهم بعمال الخدمات والفنادق وماسحي الأحذية, إذ يقول:” الكردية السياسية البككية، فهي بتهديدها بتفكيك سوريا إنما تبتز الشعور الوطني للشعب السوري، وانفصالها لا يخسر الشعب السوري إلا جيش من العاطلين عن العمل في قطاع الخدمات والسياحة، أي في المطاعم والمقاهي والملاهي وصالونات تنظيف الأحذية “.

وحتى لا ندخل في تجاذبات محسومة النتيجة بالنسبة له ولأمثاله من المفكرين, سوف أسرد ما دار من حوار بين أحد الزعماء من أبناء ماسحي الأحذية (البويجية), الضابط يوسف العظمة وزير الدفاع السوري والملك فيصل بن حسين في غرفة فيصل قبيل معركة ميسلون, عندما كانت جيوش فرنسا بقيادة الجنرال غورو على أعتاب دمشق وتهدد بالاجتياح واحتلال سوريا بالقوة, رغم قبول فيصل بشروطه قبل تقديم انذاره, كالتصرف بالسكة الحديدية, والتعامل بالعملة الورقية ..إلخ وقبول قرار مؤتمر سان ريمو القاضي بمنح فرنسا حق الانتداب على كيليكيا وسورية إليكم الحوار:

يوسف العظمة:أتيت أتلقى أوامر جلالتكم .*

فيصل: بارك الله فيك, إذاً أنت مسافر لميسلون.

العظمة: نعم يا مولاي, إذا كنتم لا تودون قبول الإنذار الأخير.

فيصل: ولماذا كنت تصرّ على الدفاع بشدة.

العظمة: لأنني لم أكن أعتقد, بأن الفرنسيين يتمكنون من دوس جميع الحقوق الدولية والإنسانية, ويُقدمون على احتلال دمشق. وكنت أتظاهر بمناورة للمقابلة بالمثل.

فيصل:

وهل يسلم الشرف الرفيع من الأذى       حتى يراق على جوانبه الدم؟

العظمة: إذن فهل يأذن لي جلالة الملك أن أموت؟

فيصل: بعد أن انتهت الأمور الى هذا الحد, يجب علينا أن نموت جميعاً, وننقذ البلاد من حرب أهلية أيضاً.

العظمة: إذن فأنا أترك ابنتي الوحيدة أمانةً لدى جلالتكم.

ومن الصدف أن يكون العظمة وزير الدفاع, هو الضابط الوحيد بين قتلىميسلون. إذ لم يرد اسم ضابط قتيل آخر, نتيجة المعركة في كل المصادر التي تحدثت عنها .

جاء في تقرير غورو عن المعركة, في اليوم نفسه 24 تموز 1920 الساعة22, أن الفرنسيين وجدوا على أرض المعركة 9 مدافع, و25 رشاشاً, وكمية من الذخيرة, وعدداً من العربات, ومواد أخرى, ووجدوا يوسف بك العظمة( البويجي ) وزير الحرب الشريفي قتيلاً في المعركة. ولم يكن الزعيم ابراهيم هنانو ( البويجي ) قائد الثورة السورية في الشمال السوري في مقارعة المحتلين أقل شأناً من العظمة, حيث سبق وقام بتحرير المنطقة باسم الشريف حسين من الأتراك, قبل أن يصل إليها الجيش العربي والانكليزي, وشكل حكومة وجيشاً في بلدة ( كفرتخاريم ) شمال حلب, ورفع علم الثورة, واتصل بالشريف ناصر في المعرة, أواخر أكتوبر / تشرين الثاني / 1918, ووضع نفسه تحت تصرفه. ففوّضه الشريف ناصر بالاستيلاء على انطاكية وتحريرها باسم الشريف حسين. فدخلتها قواته بمساعدة صبحي بركات, أحد زعمائها, ورفع عليها أيضاً علم الثورة العربية, وشكل إدارة محلية لحكم المنطقة في قرية الريحانية على الحدود التركية.

إن من تسخر منهم يا عُبيد هم من بني جلدة يوسف العظمة والهنانو وغيرهم من المناضلين الوطنيين وهم كثر. فأين أنت وأمثالك من الديمقراطيين المتنورين منهم.؟ يقيناً ما تتبجح به لايقل سقاطةً ووضاعةً عما أورده الملازم محمد طلب هلال أوائل الستينات في كراسه المعنون: ” دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية” حيث جاء فيه: ( إن الذي حدا للإسراع بإصدار هذا الكراس هو الظروف الخاصة التي تمر بها محافظة الجزيرة اليوم, وخطورة المرحلة الحالية)…(إذاً يمكننا القول بأنه ليس هناك شعب بمعنى الشعب الكردي ولا أمة بمعنى الأمة الكردية …ولغته ليست بالأصل إلا لهجات خاصة كلغة ” النور ” ليس أكثر ..ص8 ).

والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة أليس سبب هذا الكم الهائل من القوى البشرية التي باتت معطلة عن العمل وضاق بها سبل العيش هي تلك الرؤى والسياسات المنتهجة من لدن أمثالك من جهابذة الفكر القومجي العروبي؟ وكأحد النتائج المباشرة والملموسة للاحصاء السكاني الاستثنائي الجائر في المنطقة الكردية( الجزيرة )الذي تم بموجبه تجريد مئات الألوف من الكرد المواطنين السوريين من جنسيتهم السورية؟ وبالتالي زجّ ذريتهم من الشباب أصحاب الطاقات والمؤهلات العلمية العالية في سوق الخدمات والمهن التي لا تليق بمؤهلاتهم وملكاتهم الفكرية.

كذلك قرار القيادة القطرية لأحد أحزابك الجبهوية التقدمية ذو الرقم 521 تاريخ 24/6/1974 المتضمن تنفيذ الحزام العربي في الجزيرة ميدانياً والاستيلاء على الأراضي الزراعية والحاصل الناتج منها من أصحابها (البويجيه) الأصليين وتوزيعها على المستوطنين الجدد أبناء البطة البيضاء القادمين من ضفاف الفرات. ومع هذا وذاك ينبري أحدهم ممن جاد عليه الكرم الخليجي والتركي بحفنة من الدولارات بخطبة عصماء, وينصحنا بالتخلص من شكوكنا وأن نتغلب على عدم ثقتنا بأخواننا وشركائنا السوريين من امثال عيد وزمرته الكيلوية، وأن نندمج في الجماعة الوطنية السورية، وأن نلعب الدور الذي لعبناه سابقا في تاريخ سورية.

مثل هذه المواقف والتصريحات لم تفاجئنا, لأنها باتت اسطوانة مشروخة على مسامعنا, ولم تأتي إلا غيظاً وكيداً, على حالة الأمان والسلم النسبيين التي تحظى بها المناطق الكردية في سوريا, والانتصارات التي تحققها وحدات حماية الشعب من (YPJ,YPG ) وجيش سوريا الديمقراطية على الإرهاب وداعميه, خاصة الضربات الموجعة التي أصابته في مقتل مؤخراً في كلٍّ من الشدادة وريف حلب الشمالي.

* سلمى مردم بك – اوراق جميل مردم بك –الطبعة الثانية 1994 .

نُشر هذا المقال في العدد 38 من صحيفة “Buyerpress”

2016/3/1

01

التعليقات مغلقة.