التحالف الوطنيّ الكرديّ في سوريا ….بين الواقع و المأمول

31

ستير قاسم

ستير قاسم

تحت شعارات مألوفة معروفة اختزلت مطالب الشعب الكردي في سوريا بدولة ديمقراطية تعددية برلمانية لا مركزية، عُقد المؤتمر التأسيسي الأول للتحالف الوطنيّ الكرديّ في سوريا، ليسجّل بذلك رقماً جديداً في لائحة الأطر السياسيّة الموجودة في الساحة الكرديّة في سوريا (Tev- Dem, ENKS), إطاران موجودان على الأرض ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما من الخلافات البينيّة الضّيقة, تبعدهما ليس عن بعضهما بقدر ما تبعدهما عن الجماهير الكرديّة، التي تكاد تفقد الأمل في حركتها السياسية و تياراتها.

التحالف الوطنيّ الكرديّ في سوريا مولودٌ جديد سبقت ولادته تجمّع لخمسة أحزاب سياسيّة كرديّة لها وجود تاريخي وجماهيري ودور في التاريخ النضالي للحركة الكردية فيما سمي بكتلة أحزاب المرجعيّة السياسيّة الكرديّة في سوريا، والتي ضمت(الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا”البارتي”،حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا”يكيتي”، حزب الوفاق الديمقراطيّ الكرديّ السوريّ، حزب اليسار الديمقراطيّ الكرديّ في سوريا، حركة الاصلاح – سوريا)، و كان أول أهداف هذه الكتلة إعادة إحياء المرجعيّة السياسيّة الكرديّة؛ إحدى البنود الثلاثة الهامّة لاتفاقية دهوك التاريخية التي تم توقيعها في اقليم كردستان العراق و برعاية كردستانية، وحاولت خلال فترة من الزمن تقريب وجهات النظر بين الاطارين الموجودين وتضييق هوّة الخلاف والتوتر في العلاقة بينهما, محاولات لم تُكتب لها النجاح، لأسباب باتت معروفة للجميع, تتلخص بتبني سياسة المحاور والاتكاء عليها إلى درجة التماهي، وبدلا من أن يكون لهذه السياسة-لو كانت عقلانية ومنضبطة اكثر- تأثيرات ايجابية في تحديد شكل العلاقة بين الكرد في سوريا والكرد في أجزاء كردستان الأخرى, أصبحت عبئا تنوء تحت ثقله هذه الأطر ولم تستطع أن تفصل بين روابط الأخوة القومية بين مختلف التيارات القومية والايديولوجية الموجودة حكما وبين المزاجيات الشخصية والاهواء الذاتية.

وبعد عام من العمل المشترك بين أطراف الكتلة ومن أجل تحقيق الهدف الثاني لهذه الكتلة وهو استقلالية القرار الكردي في سوريا عملت على تشكيل إطار سياسي جديد يضم إضافة إلى الأحزاب المذكورة فعاليات من المجتمع المدني ونخبة من المستقلين وتنظيمات المرأة, فكان المؤتمر الأول للتحالف الوطني في سوريا .

في المشهد العام وفي واقع مأساوي تعيشه الساحة السورية بشكل عام والكردية بشكل خاص من حروب طاحنة على مدى خمس سنوات والتهديدات الارهابية للمنطقة الكردية وحالة الهجرة المجنونة التي تعيشها والتي أصبحت تهدد ديموغرافيتها القومية والتي تعود لأسباب شتى أبرزها الوضع الأمني غير المستقر، وتردّي الوضع المعيشي للناس, والهوة العميقة التي باتت تتسع بين الحركة السياسية وجماهيرها نتيجة لخيبات الامل واليأس من إيجاد كلمة توحّد الموقف السياسيّ الكرديّ في فرصة تاريخيّة قلما سنحت للشعب الكردي في سوريا لتحقيق حقوقه القومية والسياسية والثقافية .

في ظل هذا الواقع وكل الموجودات المادية والفكرية المتباينة تبدو مَهَمّة هذا التحالف صعبة في لملمة هذه الموجودات في حالة سياسية متزنة تحمل بوادر الأمل في تحقيق حالة قومية سياسية مجتمعية سويّة تعيد للشعب ثقته بحركته السياسية وللحركة زخمها ودورها الذي أصبح في الحالة الراهنة هو الداء.

هذا المولود الجديد يحتاج إلى جهود جبارة و حقيقية تنطلق من الواقع بكل تحدياته و تتجاوز سلبياته لتحقيق المهام التي اضطلع بحملها و يحتاج إلى تكاتف كل مكون من من مكوناته ودعوة المستقلين ليلعبوا دورهم الذي همش سابقا، و تعزيز دور الحركة النسائية و الذي من خلال نتائج المؤتمر كان متواضعا ،و يجب دعمه و وتفعيله أ كثر في الواقع العملي.

ولعل الأيام القادمة تبين لنا جديّة وأهمية دور التحالف الوطني الكردي في سوريا ومدى تفاعله جماهيريا وشعبيا، وقدرته على استقطاب النخب الفاعلة في المجتمع واكتساب ثقة الأغلبية الصامتة، والتي لن تبقى صامتة بعد الآن في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية المتسارعة، لتلعب دورها بعيدا عن القوالب السياسية النمطية، والتي لم تستطع أن تكون عامل جذب فعال، وأن تساهم في بناء مستقبل باتت ملامحه تلوح في الأفق، مستقبل لطالما حلم به أبناء الشعب الكرديّ ولم يستطع أن يحقق الحلم نتيجة لعوامل دولية واقليمية أقوى من إرادة الشعوب. وعوامل ذاتية تمثلت في التشتت والتشرذم والفرقة, ولعلّ من يستطيع أن يمثل طموحات وإرادة الشعب الكردي حقيقة، هو من يؤمن بوحدة الخطاب والموقف الكرديين كما جاء على لسان أحد قياديي التحالف.

ويبقى الأمل معقودا ولكن إلى حدود ليست بواسعة, ترقبه تطلعات ومتطلبات شعب عانى الكثير ولم يعد يرضى بالقليل.

نُشر هذا المقال في العدد 38 من صحيفة “Buyerpress”

2016/3/1

02

التعليقات مغلقة.