التاريخ الكردي يعيد نفسه في بعض فصوله
التدخل العسكري لموسكو الى جانب النظام السوري بدعوى محاربة الإرهاب خلط الأوراق وجعل الجميع يعيد حساباته – مع أن الروس كانوا موجودين خلف الستار منذ بداية الأزمة – إلا أن التدخل المباشر أعطى رسالة واضحة للقوى الدولية والإقليمية المعنية بالملف وكذلك المعارضة السورية والجماعات الإرهابية مفادها أن لموسكو أيضاً خطوطها الحمراء التي لن تسمح بتجاوزها مهما كلّف الأمر, فالدبّ الذي استفاق من السبات الشتوي ويلقي بثقله على المنطقة لن يترك قاعدته في شرق المتوسط وإن اقتضى ذلك إعلان حرب عالمية ثالثة. ومخطئ من يقول بأن هناك اتفاق من تحت الطاولة بين الروس والامريكان بشأن التدخل العسكري المباشر في سوريا وكذلك يتوهم من يعتقد بأن الروس سحبوا البساط من تحت اقدام الإيرانيين وأن تدخلهم في المنطقة يسير دون تنسيق واتفاق تام مع طهران هي عملية مكاسرة إرادات بين موسكو وواشنطن وتقاسم أدوار وتقاطع مصالح مع إيران التي تجد في سورياً خندقها الأمامي ومحافظة من المحافظات الإيرانية كما لبنان.
اللوحة السورية باتت أكثر تعقيداً مع الأعمال الإرهابية التي طالت باريس وتحريك الدول الأوربية أساطيلها العسكرية باتجاه المتوسط تحت هاجس الخوف من أن تقدم الجماعات الارهابية التي تتبنى الفكر الجهادي على الضرب في عواصم أوروبية أخرى اجتمعت المجموعة الدولية لدعم سورية في ١٤ تشرين الثاني ٢٠١٥ في فيينا لمناقشة سبل وضع حد للصراع السوري وإقامة هيئة حكم انتقالية وتحقيق الانتقال السياسي والدعوة لعقد مؤتمر وتقرر اختيار العاصمة السعودية الرياض – لعقد المؤتمر الذي التم شمله في ٩-١٠كانون الأول للخروج برؤية موحدة للمفاوضة مع النظام بحضور بقايا الجيش الحر في مناطق درعا وإدلب وممثلي الكتائب الاسلامية التي لاتختلف من حيث المنهج الإرهابي عن داعش وجبهة النصرة وتم اقصاء ممثلي الشعب الكردي ووحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية وممثليها السياسيين عن حضور المؤتمر بقرار وفيتو تركي – ومن جاء المؤتمر باسم الكرد حضر تحت عباءة الآخرين ولم يسمع له صوتاً – اجتماع الرياض أظهر على إن المعارضة السورية لم تعد تملك من أمر قرارها السياسي شيئاً وهي تقاد وتسير وفق مصالح القوى الإقليمية وخاصة تركيا التي لا تريد الحل إلا بما يخدم مشروعها الإسلاموي ولعبت دوراً كبيراً في إجهاض الثورة السورية عبر دعم الجماعات الارهابية، ولا يؤمل من الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكلت للتفاوض أن تحقق أي إنجاز أو خرق دبلوماسي في جبهة النظام وزحزحته من أجل خطو خطوة وإن محدودة باتجاه إيجاد حل سلمي للأزمة لأن من حضر الرياض لا يمتلك القوة التي تمكنه من فرض الحل وفق توافقات جنيف ١ في ظل اختلال توازن القوة لصالح النظام بعد التدخل العسكري المباشر لروسيا ، وسيطرة الجماعات الإرهابية على مساحة كبيرة من الجغرافية السورية والنظام ليس في وارد الجلوس مع الهيئة التي انبثقت من مؤتمر الرياض وهو ماض في خياره العسكري وكسر عظم القوى المعارضة بمختلف مسمياتها تحت شعار مكافحة الاٍرهاب ،
الدور الايراني المتنامي في المنطقة ونشر التشيع دفعت الدول الاسلامية على تشكيل التحالف العسكري الإسلامي وهي جبهة سنية تضطلع فيها السعودية وتركيا بدور القيادة ، الصراع المذهبي يظهر على السطح بقوة في المعارك التي تدور رحاها اليوم في اليمن وسوريا والعراق يذكرنا بالصراع الايراني الصفوي العثماني وانقسام العالم الاسلامي بين المعسكرين الشيعي والسني, التدخل العسكري تحت عناوين دينية سيزيد من الانقسام والشرخ في صفوف الشعب السوري وثورته التي باتت رهينة للمجموعات الجهادية الإسلامية ومصالح الدول الإقليمية، وحكومة العدالة والتنمية التي فشلت في تسويق مشروع العثمانية الجديدة في البلدان التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي تريد العودة من خلال هذا الحلف, والتسلل للمنطقة تحت عنوان مكافحة الجماعات الجهادية التكفيرية من أجل ضرب وإضعاف الكرد إثر بروز دورهم في مكافحة الاٍرهاب وبعد الفشل في إقناع حلفائها في حلف الناتو بإقامة منطقة عازلة وعجزها عن تشكيل قوة عسكرية تحت عنوان المعارضة المعتدلة تستطيع السيطرة على منطقة جرابلس واعزاز لذلك تحاول من خلال هذه الحلف تحقيق أهدافها وإعادة خلط الأوراق ، ويشكل العدوان العسكري التركي السافر على شعبنا الكردي في شمالي كردستان والتحرش بوحدات حماية الشعب والمرأة والتعدي على سيادة العراق والتجاوز على الأراضي السورية أول خطوة باتجاه تحقيق مطامعها. وحلم العودة للسيطرة على اراضي الدولتين يراود ساسة تركيا لذلك فهم يهتبلون الفرص للتدخل العسكري المباشر نجاح الكرد مع بقية المكونات من عرب وسريان أشور في إدارة مناطقهم المحررة من الاستبداد والإرهاب وتأسيس ادارات ذاتية في ثلاث مقاطعات ونجاح وحدات حماية الشعب في طرد الدواعش من كوباني وتل ابيض وتطورات المشهدين السوري والعراقي في غير صالح تركيا أربك حكومة اردوغان وأوغلو التي تخشى تغيير في خرائط المنطقة لغير صالحها. والتي ستكون لها تداعياتها على تركيا المرشحة للتفتت فيما لم يحتكم حكامها لمنطق العقل واستمروا في حربهم ضد الشعب الكردي ، بعض القوى الكردستانية تحاول إعادة التاريخ الكردي في بعض فصوله لحسابات عائلية وحزبية وتسليم مفاتيح كردستان للسلطان العثماني الجديد كما فعلها الشيخ ادريس البدليسي إلا أن وعي الشعب الكردي كافية لإفشال مخططاتهم
المنطقة مقبلة على متغيرات كبيرة ، من المؤسف ان نقول بان الحرب ستطول في المنطقة ،ويمكننا توصيفها بأنها حرب عالمية ثالثة مركزها الشرق الأوسط أدواتها ووقودها شعوب الشرق ومقدرات بلادهم ستنجلي غبار المعركة عن خرائط جديدة ، الفرصة التاريخية سانحة امام الكرد لقيادة المرحلة وتبوأ الدور القيادي على الصعيد السوري فيما إذا تجاوزوا خلافاتهم مهام تاريخية تقع على عاتق مجلس سوريا الديمقراطية الذي انبثق من مؤتمر ديريك والمؤمل منه أن يصبِح المظلة الجامعة للقوى الديمقراطية السورية
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 34 بتاريخ 2016/1/1
التعليقات مغلقة.