المساعي الدولية لحل الأزمة السورية بين التحدّيات والتمنيات
رغم فقدان السوريين الثقة بالمجتمع الدولي وبجدّية سعيه لحل الأزمة السورية, التي تكاد تـُنهى عامها الخامس ودمّرت فيها الحرب أكثر من نصف سوريا وقضت على البنية التحتية وشـُرد وهُجّر أكثر من نصف سكانها ناهيك عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين, حيث أثبت المجتمع الدولي عجزاً غير مسبوقٍ تجاه هذه الأزمة, بل أن قواه العظمى متّهمة بتعمّد إطالة عمر الأزمة لتحقيق أجندات ومصالح على حساب الدّم السوريّ, لكن مع ذلك يتطلع السوريون إلى أن يفضي الحراك الدبلوماسي الذي تشهده الساحة الدولية من رياض إلى فيينا ونيويورك هذه المرة إلى شيء جدّي يوقف نزيف الدّم السوريّ وتكون بداية النهاية لعذاباتهم ومعاناتهم.
لا يُخفى على أحد حجم التعقيدات التي أصابت القضية السورية على مدى السنوات الخمس الماضية بعدما تحوّلت سوريا لمسرح مفتوح للإرهاب الذي استدرجه النظام من كل بقاع الأرض, وكذلك لكل اللاعبين الدوليين والاقليميين لتصفية حساباتهم على الأرض السورية وخرجت بذلك القضية نهائيا من أيدي السوريين لتصبح في عهدة اللاعبين الكبار وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ولتستخدم القضية السورية ورقة في “بازار” المساومات لتسوية خلافاتهم الأمنية والاقتصادية والسياسيّة, ولذلك يبدو مستبعدا أية تسوية موضعية للقضية السورية بمعزل عن حلّ حزمة من القضايا الخلافية بين هذه الدول المتصارعة ويخشى السوريين أن تكون المحاولات الأخيرة من رياض إلى فيينا ونيويورك مجرد فصل من فصول إدارة الأزمة ويكون مصيرها كمصير جنيف2 وأن لا تنتج شيئا للسوريين سوى دورة جديدة من الحرب أكثر ضراوة وإيلاما قد تستدرج معها دول اخرى للغوص في المستنقع السوري.
ثمّة معطيات ومؤشرات تقدم بعض التفاؤل بإمكانية وجود إرادة دولية جامعة جدّية هذه المرة بعد أن وصلت تداعيات الأزمة السورية إلى مديات بعيدة في المحيط الاقليمي والدولي وفي مقدّمتها مشكلة الإرهاب, حيث باتت سوريا حاضنة خصبة منتجة لأشكال جديدة من الإرهاب والتطرّف أشد خطورة في وسائله من إرهاب تنظيم القاعدة نفسه, وباتت معظم دول العالم في مرمى هذا الإرهاب بفعل موجات اللاجئين السّوريين الهاربين من جحيم الحرب إلى مختلف بقاع الأرض.
ثانيا هناك مخاوف جدّية من الصدام المباشر بين القوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية وفي الأجواء السّورية وبالتالي تصبح سوريا منطلقا لحرب عالمية ثالثة مع تعدّد وتنوّع التحالفات والجبهات التي تحارب الإرهاب في سوريا وكان آخره التحالف الإسلامي الدولي وأن تتكرر حوادث إسقاط الطائرات الحربية كما حصل مع طائرة سوخوي الروسية التي أسقطتها الطائرات التركية وتتحول الأزمة السورية إلى حرب إقليمية ودولية طاحنة تتوسع مداها نحو حرب عالمية.
إذاً هذين العاملين الرئيسين ربما كانا وراء التحرّك الدبلوماسي الأخير واجتماعات فيينا والرياض وصدور القرار الدولي 2254 بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدوليّ.
ولكن بالمقابل ثمّة مؤشرات ومعطيات سلبية لا تفيد حتى اللحظة بأن التسوية السياسية ستكون ممكنة في المدى القريب:
أولا: القرار الدولي الصادر عن المجلس الأمن رغم أنه يبدو قرارا إيجابيا من حيث المبدأ وينصّ على وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة وتشكيل هيئة حكم انتقالية في غضون ستة أشهر حيث سيتم خلال هذه الفترة وضع دستور جديد للبلاد يُصار بعدها لإجراء انتخابات عامّة تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة خلال ثمانية عشر شهرا, كما يضم القرار إجراءات بناء الثقة كفتح ممّرات إنسانية والسّماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى جميع أنحاء سوريا والإفراج عن المعتقلين, وخاصّة النساء والأطفال منهم, وامتناع كل الأطراف عن الهجمات ضدّ المدنيين, وكذلك شمل القرار عودة النازحين وتقديم المساعدات للدول المستضيفة للاجئين, إلا أن القرار حسب الدارسين له ينطوي على غموض مقصود في الكثير من بنوده يحتمل تأويلات وتفسيرات متناقضة ويفتح المجال للأطراف المتفاوضة مساحات واسعة من المناورة والهروب من الاستحقاقات وخاصة من جانب النظام, وتجربة القرارات غير الملزمة الصادرة عن مجلس الأمن عموما لا توفر مساحة كبيرة من التفاؤل بأن هذا القرار سيجد طريقه للتطبيق في القريب العاجل بالإضافة إلى ذلك ,فان القرار يفتقد إلى الآليات التنفيذيّة وقوة الإلزام, بل ترك للأمين العام للأمم المتحدة وضع بعض الآليات ومراقبة تنفيذ القرار وتقديم تقارير دورية لمجلس الامن.
ثانياً: القرار الدوليّ لم يتطرّق إلى مصير رأس النظام السوري الذي تعتبر المعارضة رحيله شرطا أساسيا للمباشرة في المفاوضات ونجاحها, وهذا يجعل مصير المفاوضات مع غياب أي تحديد لمصير الأسد عملية عبثيّة, إذا ليس من المتوقع أن يقبل أو يجرؤ أن يقبل أي طرف من المعارضة إلى الذهاب إلى التفاوض دون الحصول على ضمانات تؤكد عدم مشاركة بشار الأسد على الأقل في المرحلة ما بعد الانتقالية.
ثالثاً: مشكلة الخلاف في تعريف الإرهاب في سوريا وتحديد المجموعات الإرهابية التي لن يشملها وقف إطلاق النار: وهذه ثاني أكبر عقدة يواجها المجموعة الدولية العاملة على التسوية السياسية في سوريا حيث يختلف الأطراف الدولية والإقليمية في تحديد المجموعات الارهابية اختلافا كبيرا وجذريا, ما عدا عن جبهة النصرة وتنظيم داعش, فالمجموعات التي تعتبرها بعض الدول الاقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر وتشاطرها الرأي إلى حدّ ما الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية مجموعات ثورية تعتبرها روسيا وإيران والنظام السوريّ مجموعات إرهابية لا تشملها وقف إطلاق النار وبالتالي يبقى عملية وقف إطلاق النار في ظلّ هذه الخلافات والهوّة الواسعة بين الأطراف المتداخلة بالنزاع السوريّ عملية لا معنى لها, وبالتالي الحديث عن تسوية سياسية ناجحة تؤدي إلى إنهاء العنف وإنهاء الأزمة بين النظام والمعارضة ضرب من المستحيل.
رابعاً: رغم أن مؤتمر الرياض كانت محطّة هامّة وخطوة متقدمة لتوحيد المعارضة, مع وجود ملاحظات وانتقادات جوهريّة على هذا المؤتمر وخاصّة ما يتعلق منها بتمثيل المكونات سيما تمثيل المكون الكرديّ والهروب المتعمّد من أي التزام بحقوق المكوّنات السورية وخاصة المكوّن الكردي الذي يتجاوز تعداده ال 15% من الشعب السوري وهذه العقدة شكّلت على مدى السنوات الماضية إحدى أهم كبوات المعارضة السورية إذا لم تستطع أن تقدم تطمينات للمكوّنات السورية بأنها ستضمن حقوقها في سوريا المستقبل, ولم تستطع أن تخرج من كونها تمثـّل طيف محدّد من السوريين إلا أن من الواضح أن موسكو بصدد تمييع وحدة وفد المعارضة وترفض بأن يكون مؤتمر الرياض الجهة الحصريّة المخوّلة بتحديد هيئة التفاوض التي تمثل المعارضة, وجاء القرار الدولي 2254 أيضا ليبقى المشكلة معلقة وترك للمبعوث الدولي لسوريا استيقان دي مستورا أمر البتّ فيها, ولذلك من الممكن أيضا أن يبقى هذا الإشكال لغماً آخراً يفجّر جهود التسوية السياسية في أية لحظة سيما أن المعارضة تقول أنها قدمت تنازلات كبيرة حتى الآن, وليس لديها ما تقدمه, وأن أية تنازلات أخرى ستخرج التسوية السياسية عن مضمونها.
هذه المعطيات والتعقيدات والتحدّيات الكبيرة تجعل مساحة التفاؤل بنجاح محاولات التسوية السياسية للأزمة السورية ضئيلة جداً ومع ذلك ليس في يد السوريين سوى التفاؤل بهذا البصيص من الأمل لعلها تنقذهم مما هم فيه.
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 34 بتاريخ 2016/1/1
التعليقات مغلقة.