مؤتمر الرياض تحت مجهر كردي
” عاد المشاركون الكرد بخفي حنين دون أن يُوجّهوا أيّ نقد أو ملاحظة حول عقد المؤتمر من حيث الحضور وجدول الأعمال، ولم يُسجّلوا أي موقف على طريقة حضورهم كماً وكيفاً، ولم يُبدوا أي اعتراض على ما صدر عن المؤتمر نصاً ومضموناً، فقد كان حضورهم شكلياً أكثر منه بروتوكولياً، فقد جمّلوا صورة المؤتمر وشرعنوا انعقاده، وبالفعل كانوا مهمشين في جلسات المؤتمر ومناقشاته، ومهملين في صياغة قراراته، وغائبين في لجانه وهيئاته، فقط تم ذكرهم في المقدمة تحت مصطلح الأكراد على وزن الأعراب (والأعراب أشد كفراً ونفاقاً)”
فشلت الأطراف المتصارعة في وعلى سوريا في حسم المعركة لصالح أحدها عسكرياً في ظل تدويل الأزمة وتفاقمها، فاضطرت اللجوء إلى الحل السلمي برعاية وإدارة دولية (روسيا وأمريكا)، وكانت البداية من جنيف (1)، ولأجل بلورته عقدت عدة لقاءات ومؤتمرات ابتداءً بجنيف (2) مروراً بموسكو وانتهاءً بالقاهرة في الوقت الذي كان مشروع مؤتمر الرياض مطروحاً وقائماً، وتم تأجيل عقده لانشغال المملكة بخلافاتها الداخلية ( ضمن العائلة المالكة) وبعدها بأحداث اليمن عند تدخلها على رأس حلف عربي ضد الحوثيين وأنصار الرئيس علي الصالح غداة توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة (5+1)، إلا أن التدخل الروسي المباشر في سوريا سرّع من وتيرة المساعي لعقده، لاسيما بعد اعتماده في مؤتمر فيينا مؤخراَ ضمن الترتيبات والتحضيرات اللازمة لمؤتمر نيويورك المقرر انعقاده لإقرار خارطة طريق جديدة لترجمة نصوص جنيف (1) عملياً على أرض الواقع. إن ازدياد الدور الإيراني وتمدده كحلف شيعي، وتصاعد الحركات الإسلامية المتطرفة واتساع رقعة المنظمات الإرهابية، التي باتت تهدد مصالح دول المنطقة وأمنها، وبالمقابل فشل الحلف السنّي وفي مقدمته الثالوث المتنفذ (تركيا، قطر، سعودية) في تمرير سياساتها وتنفيذ أجنداتها في الدول الساخنة والمضطربة مثل ليبيا ، مصر وبخاصة سوريا، فاضطرت إلى تغيير استراتيجيتها واجراء التفاهم والتنسيق فيما بينها للحدّ من خسائرها وإخفاقاتها، ولمواجهة التهديدات الجديّة والمباشرة عليها، ولدفع الضغوط والاتهامات التي تتلقاها من قبل حلفائها الغربيين بانفضاح أمرها، وهو تحوّل معظم الفصائل المسلحة التي كانت تموّلها وتدعمها في كل من سوريا والعراق وغيرها إلى حركات إرهابية منظمة (كجبهة النصرة ومثيلاتها) تهدد الأمن والسلام والاستقرار في العالم أجمع، لذلك بحثت عن وسائل لاحتواء تلك المنظمات والمجموعات المحسوبة عليها وضبطها، كي تضمن التزامها بما تقرره الشرعية الدولية، عبر المؤتمرات الخاصة بالأزمات القائمة (والسورية تحديداً)، والتي تشارك دول الثالوث في أعدادها وإدارتها وصياغة قراراتها. تأكيداً على ما سبق، فقد تزامن عقد مؤتمر الرياض مع إعلان تحالف الـ35 دولة سنيّة (إسلامية –عربية) بقيادة السعودية لإعادة ترتيب الأوراق وتحصين المواقع لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة مستقبلاً في ضوء تبدل ظروف وشروط اللعب(العمل) إقليمياً ودولياً لمنع أنظمتها الحاكمة من الانهيار ودولها من الانقسام. استضافت المملكة السعودية الكيانات المتفق عليها من قبل الثالوث السني وبمشاركة الأردن المكلفة من مؤتمر فيينا بتمييز الفصائل المسلمة الإرهابية من المعتدلة، فكانت الصبغة السائدة على المؤتمرين هي العروبية والإسلاموية، حيث اجتمع الأصولي سلوكاً والمتطرف فكراً والمتعصب تنظيماً تحت سقف واحد، باستثناء شخصيات مستقلة وكيانات منضوية تحت أطر مشاركة، والتي لا دور لها ولا تأثير في المخطط المرسوم للمؤتمر ومخرجاته، هذه من جهة، ومن جهة أخرى فقد تم تجاهل بعض الأطراف ذات التواجد الفعلي المؤثر على الساحة سياسياً وعسكرياً عن سابق دراسة وقرار كأحزاب المرجعية الكردية والإدارة الذاتية في المناطق الكردية ومؤسساتها . تم إقصاء الكرد لغايات مبيّتة كمكوّن رئيسي تزيد نسبته عن 15% من النسيج الوطني والتاريخي لسوريا أرضاً وشعباً، وعدم دعوتهم ككتلة مستقلة وتجاهلهم كأحزاب سياسية معارضة وفصائل عسكرية مقاتلة على الأرض ضد الاستبداد والإرهاب، فاقتصر الحضور الكردي على أشخاص محدودين ضمن وفود الكتل المشاركة كالائتلاف السوري، ومجردين من خصوصيتهم القومية بدون ورقة عمل أو مشروع سياسي أو رؤية، فهم لا يمثلون إرادة جميع الأطياف والتيارات الكردية، ولا يعبرون عن آرائهم ومواقفهم، وقد أصدرت بعض الأطراف بيانات بهذا الشأن . لهذا فقد عاد المشاركون الكرد بخفي حنين دون أن يُوجّهوا أيّ نقد أو ملاحظة حول عقد المؤتمر من حيث الحضور وجدول الأعمال، ولم يُسجّلوا أي موقف على طريقة حضورهم كماً وكيفاً، ولم يُبدوا أي اعتراض على ما صدر عن المؤتمر نصاً ومضموناً، فقد كان حضورهم شكلياً أكثر منه بروتوكولياً، فقد جمّلوا صورة المؤتمر وشرعنوا انعقاده، وبالفعل كانوا مهمشين في جلسات المؤتمر ومناقشاته، ومهملين في صياغة قراراته، وغائبين في لجانه وهيئاته، فقط تم ذكرهم في المقدمة تحت مصطلح الأكراد على وزن الأعراب (والأعراب أشد كفراً ونفاقاً)، لا بل أكثر من ذلك(أنكى من ذلك) قبولهم الجلوس مع ممثلي كيانات ومجموعات عنصرية إرهابية (كأحرار الشام) التي استباحت دماء الكرد وأعراضهم وممتلكاتهم في گري سبي(تل أبيض) وسري كانييه (رأس العين) وشيخ مقصود وغيرها، وتوقيعهم على وثيقة صادرة عن المؤتمر، تتجاهل وجود الكرد ورؤاهم وحقوقهم، التي حصرتها في حدود المواطنة في دولة عربية إسلامية ولامركزية إدارية، ضاربةً عرض الحائط الوثائق الموقعة سابقاً بين القوى الكردية والأطر السياسية الرئيسية القائمة(كالائتلاف وهيئة التنسيق) بشأن سوريا الجديدة، والتي تؤكد على أن تكون اتحادية ديمقراطية تعددية علمانية، ودولة دستورية لكل أعراقها وأديانها وطوائفها، يحفظ حقوق مكوناتها ولاسيما الكرد وفق العهود والمواثيق الدولية. وفي ظل التنافس الدولي وتضارب المصالح والأجندات، فإن مؤتمر الرياض لن يكون الإطار النهائي والشامل للمعارضة، بقدر ماهو ترويض وتسويق للقوى المعارضة المتطرفة، ولن تكتمل اللوحة بغياب قوى رئيسية فاعلة على الساحة السورية، التي يصعب تجاوزها وتهميشها، كما أنه بذات الوقت الذي ينعقد فيه مؤتمر الرياض كان ينعقد مؤتمران آخران أحدهما لمعارضة الداخل في دمشق، وثانيهما لقوى سوريا الديمقراطية في ديريك، وهما مؤشران بارزان ورسالتان واضحتان للمجتمع الدولي بأن مؤتمر نيويورك المزمع عقده قريباً برعاية أممية، وما سيتمخض عنه من مقررات سيكون ناقصاً ما لم يُلحق بكيانات وضمانات، لأجل تلافي الهفوات والثغرات في الحل السلمي الجاري، وذلك بإشراك كافة الأطراف الداخلة في الأزمة والمعنية بها والمتضررة منها، وأخذ آرائها ومشاريعها وأجنداتها بعين الاعتبار، لتحقيق التوافق والتوازن بين المحاور المتصارعة، وبالتالي إمكانية تطبيق الحلول السياسية الممكنة والمناسبة، وإلا فإن الأزمة ستدوم مع استمرار التعارض في السياسات والمخططات بين أقطاب تلك المحاور وسيستمر مسلسل القتل والتدمير والتهجير مع استمرار مسلسل عقد المؤتمرات ذات الصلة إلى ما لا نهاية. أخيراً، ولأجل مواكبة الكرد للحراك القائم والالتحاق بالعملية السلمية الجارية لإثبات الحضور والمشاركة فيها، يجب على القوى الكردية إجراء مراجعة ذاتية، بجدية ومسؤولية، لاستغلال الفرصة التاريخية الراهنة، وذلك بنبذ الخلافات البينية والبحث عن القواسم المشتركة بما يخدم القضايا القومية المصيرية، وتبدأ بالحوار والاتفاق على ورقة عمل كردية موحدة كتلك الصادرة عن اتفاقية دهوك بين الإطارينTev-Dem و ENKS، تتضمن آليات وأسس تنظيم العمل المشترك كتشكيل المرجعية وتكوين الرؤية السياسية وتوحيد المؤسسات الإدارية والعسكرية والأمنية بعد تعديلها وتطويرها بما يحقق التوافق والتشارك، والانطلاق منها لتحديد خبراء أكفاء يمثلون الكرد في جميع مراحل العمل السياسي وكافة المحطات التفاوضية والانتقالية والتأسيسية والانتخابية،… ليكونوا شركاء حقيقيين في الوطن وبنائه ومستقبله، يضمن حقوقهم القومية والوطنية والديمقراطية كاملاً دون نقص أو تشويه .
التعليقات مغلقة.