سوريا من الدولة إلى اللادولة
منظر الطائرة الحربية الروسية وهي تتهاوى بعد اصابتها من قبل صاروخ تركي عزز من إمكانية تغيير بعض قواعد اللعبة الجارية على الأرض السورية.
الحادثة بحد ذاتها تدخل في إطار رفض التدخل الروسي الذي هو التدخل الشرعي الوحيد في سوريا بناء على طلب الحكومة السورية التي ما زالت شرعية بنظر الأمم المتحدة بدليل استمرار تواجد مندوبها في هيئة الأمم المتحدة ولهذا فان استهداف الروس بالنيابة عن الامريكان هي رسالة للجانب الروسي الذي تدخل من اجل انقاذ ما تبقى من النظام وفرض واقع جديد لحماية هيبتها العالمية ومصالحها الإقليمية،
لقد فرض التدخل الروسي اشراك ايران في المحادثات الدولية حول سوريا وكذلك جعل من الحل السلمي وعدم التطرق لمستقبل الرئيس السوري في مؤتمر فيينا الأخير كشرط لبدأ التفاوض بين المعارضة المشتتة والنظام المتهالك, تلك المفاوضات التي لا يمكن التكهن بنتائجها كما لا يمكن التكهن بنهاية الحرب الاهلية السورية بالرغم من الجو الإيجابي السائد بين دول القرار, لكن الحقائق على الأرض غير ذلك, فالمعارضة التي ستشترك في التفاوض لا تملك أية قوة على الأرض ان كان الائتلاف أو هيئة التنسيق التي تدور الاحاديث حول تشكيل الطرفين لوفد مشترك برعاية سعودية للمشاركة في التفاوض مع النظام الامر الذي لا يترك ادنى شك بان المشكل سيستمر لان القوى الرئيسية الأساسية التي تملك السيطرة على الأرض لن تشترك في المفاوضات وستستمر في إدارة الحرب حتى لو اتفق الطرفان على هدنة ما, لان المجموعات المسلحة المسيطرة على الأرض اذا استثنينا القوات الكردية التي لها مرجعية سياسية وتدافع عن الجزء الكردستاني الملحق بسوريا , فإن المجموعات الأخرى –داعش وجبهة النصرة –ومن يتبعهما كأحرار الشام والجند الأقصى والمهاجرين .. والعديد من الكتائب الأصولية لن تلتزم باي اتفاق ممكن فهي تقاتل من اجل السيطرة على كامل بلاد الشام والعراق كأحد موجبات الحرب الجهادية التي تقودها تلك المجاميع لوضع الأسس الأولية للخلافة الإسلامية والتي تعتمد على مبدأ الغزو عسكريا والجهاد عقائديا” هذه القوى ومن خلفها الدول الداعمة لها –تركيا , قطر السعودية –لا تريد أي حل للازمة السورية التي يستفيدون منها في تقوية موقعهم الإقليمي وبالنسبة لتركيا هناك عدة عوامل تجعلها ضد أي حل دون ان تصرح بذلك واكثر تخوفاتها هي من أن الستاتو الحالي الذي يتمتع به الشعب الكردي , الإدارة الذاتية ووحدات حماية الشعب والمرأة المتحالفة مع القوى الدولية لن تستطيع اية اتفاقية أو حل تقويضها ,كما أن حكومة العدالة والتنمية التركية تستثمر قضية اللاجئين خدمة لأغراضها السياسية مع الاتحاد الأوربي وهي بالحقيقة الحكومة التي تتحكم بإرادة وقرارات المعارضة السورية من الائتلاف والعديد من المجموعات والكتائب المسلحة الأصولية بمعظميها .
يبدو أن تركيا بفعلتها تلك قد حاولت أيضا ضرب الجهود الفرنسية الرامية الى تشكيل تحالف مع الروس للتنسيق المشترك في ضرب الإرهابيين داخل سوريا والعراق، لا أدري هل ستأثر اسقاط الطائرة على تل كالجهود ام لا ولكن ما يمكن توقعه أن روسيا ستكون متشددة في شروطها للموافقة أكثر من قبل، وذلك بالقبول بتسريع إيجاد مشتركات لخارطة طريق تبدأ من الانتخابات تنبثق منها حكومة انتقالية، بدل هيئة حكم انتقالية كما تطالب به الائتلاف السوري وهذا ما تتردد الدول الغربية الموافقة عليه.
لقد كانت قرارات فيينا 2 منعطف جدي في مسيرة الازمة السورية لأنها ولأول مرة خلصت الى نتائج موضوعية يمكن الانطلاق منها لوضع تصور يمكن طرحه ومناقشته مع كافة أطراف الصراع، ولكن العقبة الكبرى في تنفيذ أي اتفاق يمكن التوصل اليه بين قوى المعارضة السياسية –ما عدا الكردية منها-هي في تنفيذه على الأرض، لان اغلبية الكتائب كما ذكرنا سابقا ضد الحوار واي اتفاق مع النظام لان أهدافها كما ذكرنا تختلف عما تصبو اليه الشخصيات السياسية المنضوية داخل اطر المعارضة المختلفة.
أكثر القوى سيطرة على الأرض اذا استثنينا القوات الكردية ( وحدات حماية الشعب والمرأة) هي القوى الراديكالية الإرهابية التي ترفض تمثيل اية جهة لها ولا يمكن تحقيق الامن والاستقرار في سوريا الا بالقضاء على تلك المجموعات وهذا في المدى المنظور يمكن اعتباره حلما سيستمر بدغدغ أدمغة الكثيرين لان تلك القوى موجودة ضمن المدن والقرى في اغلبية المناطق , هذه الحقيقة التي لا يعيرها اعداءهم أهمية , ان استمرارية وبقاء وقوة داعش وجبهة النصرة واتباعهما أتية من مصدرين رئيسيين , الدعم الخارجي وللدول –كتركيا وقطر والسعودية –مساهمة كبيرة في استمرارية قوتها والحاضنة الشعبية التي تتواجد تلك القوى داخلها , ولهذا أي اتفاق لن يكتب له النجاح اذا لم يتم انهاء وضع تلك المجموعات وهذا محال في المرحلة الحالية
باختصار نجاح اية عملية سياسية في ظل الأوضاع الراهنة أمر غير ممكن، في ظل التعنت التركي السعودي ودعمهما للقوى المتطرفة والمجموعات الإرهابية كأحرار الشام وجبهة النصرة ناهيكم عن ترك الحدود التركية مفتوحة أمام داعش لجذب المجاهدين وإدخال الأسلحة والمساعدات،
يبدو أن من خلق تنظيم القاعدة خطط لاستمراريتها عشرات السنين لا بل أكثر فهي التي تساعد على خلق الفوضى وتأجيج الصراعات وتفعيل الحروب وهذا ما يجري في سوريا التي اكتملت فيها كل أسباب الحرب الاهلية والطائفية التي خلقت شرخا داخل المجتمع السوري لا يمكن ردمه بسهولة كما تبغي الدول النافذة، ناهبكم عن تدمير البنية التحية بأكملها , لقد تحولت المشكلة السورية الى ازمة عابرة للقارات , تتدخل فيها كل القوى العالمية وكذلك الجماعات الدينية الأصولية ولهذا من الصعب الحديث عن حل في المنظور القريب لان تناقضات المصالح الدولية قد تجذرت على الأرض السورية والمنطقة بشكل عام , روسيا وحلفاءها من جهة وامريكا وحلفاءها من جهة أخرى الكل يريد فرض مشروعه وتسليط اتباعه على الإدارة وهذا ما يؤدي الى عدم التوافق على الأرض ,
الاحتمالات الأكثر واقعية هي دوام الصراع وبقاء التقسيم الموجود وان كانت حدود كل دويلة في تمدد وتقلص نتيجة المعارك بين مختلف الكتائب والقوات ولكن ما هو مؤكد بأن المستفيد الأول هي الإدارة الكردية إذا استمرت في الاستفادة من التناقضات بين مختلف الدول وعززت من بنيتها الاجتماعية والسياسية ووضعت مبدأ المحاسبة قيد التنفيذ وجذبت الكفاءات وكذلك لو وحدت ادارات المقاطعات الثلاثة وعززت البنية التحتية والاقتصادية وفتحت السبل أمام دمقرطة المؤسسات والإدارات تحضيرا للفترة المقبلة التي ستدوم طويلا”.
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 32 بتاريخ 2015/12/1
التعليقات مغلقة.