الكرد ودوّامة الأزمة السورية – الائتلاف المعارض نموذجاً
بنكـين وليـكا
بدأت الأزمة السورية كحراك جماهيري وشبابي ثوري معبّر عن طموح وتطلعات الشعب السوري في تحقيق الحرية والكرامة.
جاءت هذه الثورة كنتيجة حتمية بعد نضوج الظروف الذاتية والموضوعية لها. فبالنسبة للظروف الذاتية كانت لطبيعة النظام الاستبدادي الذي دام أكثر من أربعين عاماً بعقلية وأيديولوجية ضيقة ومعتمدة على شعارات قومية لا تخدم سوى كيفية بقاءه واستمراره. من خلال نهج الحزب الواحد يقود الدولة والمجتمع بفكرٍ شموليّ وفرديّ.
أما موضوعياً فكان للتدخل الأمريكي في العراق بالشكل المباشر وما رافقه من الأحداث في المنطقة دوراً مساعداً لنضج هذا العامل، أما العامل الأساسي فكان بدء مسيرة الربيع العربي في تونس وانتقاله لليبيا ومصر ووصولاً إلى سورية.
بعد أن دغدغدت هتافات وشعارات المتظاهرين في شوارع هذه الدول مشاعر السوريين أيضاً، وانتقال عدوى اللاخوف من هذه الدول إلى سوريا وبالفعل خرجت الناس للتظاهر مرددين شعارات هادفة ومعقولة ومطالبين بالإصلاحات الدستورية والإدارية والاقتصادية, ولكن لم يجدوا من يتجاوب مع مطالبهم في أجهزة الدولة, بل العكس, التجأت السلطة إلى أسلوب قمع التظاهرات أملا منها بالقضاء عليها بالطرق الكلاسيكية متناسية الظروف الإقليمية والدولية التي تمر بها المنطقة, فازداد عدد المتظاهرين وازداد وحشية التعامل معهم. وازدادت حدة الشعارات حتى وصلت لاسقاط النظام أو رحيله, وازدادت معها قمع الأجهزة الأمنية لها وبنزول الجيش إلى الشارع, سال الدم السوري في العديد من المدن, وبين هذا وذاك, وسيلان الدم في الشارع, وبوجود الجيش انشق عدد من عناصره وأخذ موقف معاكس للمهام الموكل إليه من قبل قيادته, ووقف في صف المتظاهرين وبدأت الثورة بالعسكرة. هذا ميدانيا أما في وسائل الأعلام ودهاليز دبلوماسية الدول كانت هناك أمور أخرى.
فكما فرض النظام العسكرة على هذه الثورة عملت تلك القوى الخارجيّة على “أسلمتها” وإظهارها بأيديولوجية دينية وكان ذلك واضحاً مع مرور الأسابيع الأولى من عمرها, وإطلاق أسماء دينية على أيام الجمع بعيدة عن ثقافة هذا الشعب والمساهمة في إنشاء كتائب وألوية مقاتلة بأسماء طائفية دينية ومذهبية سعياً منها لزيادة حدة استقطاب الشارع. وكلما ازدادت ضراوة المواجهات زادت معها الشحنات الطائفية.
تحولت هذه الثورة إلى دوامة عنف وازدادت معها التشدد الديني والمذهبي وبدأت ألاعيب السياسة الدولية تفعل فعلتها على أرض سورية. التي سهلت الظروف لإطالة عمر هذه الأزمة وتشابكت أحداثها وفقدت بوصلتها أو بالأحرى خرجت من أيدي أصحابها, وأصبحت سوريا وشعبها مسرحاً للتناقضات الدولية. وفيما كان الشعب ينزف دماً, كانت دوائر الدول ذات المصالح تعمل على رسم خارطة مصالحها واستراتيجياتها.
هذه الظروف والأجواء التي كانت سائدة على الأرض وفي دوائر المطبخ الدولي، التأثير السيء على مسيرة المعارضة السورية، والتي هي أصلا تعاني من الهشاشة في بنيتها. فانقسمت المعارضة إلى صفين أو قسمين. فتشكلت هيئة الائتلاف السوري لقوى المعارضة والثورة والتي هي الجزء الأكبر والأهم والمعترف به تقريباً في أغلب دول العالم وهيئة التنسيق. التي لها محدودية الفعل والاعتراف وحتى القبول الجماهيري، أن هيئة الائتلاف تتألف من أحزاب وهياكل سياسية وبعض الشخصيات المستقلة.
تفاءلت الناس بداية خيراً بهذه الهيئة, ولكن مع ازدياد تعقيد الأمور على الأرض، ازداد وضعه سوءاً وأخذت التجاذبات والتنافرات والهزات تنتقل إلى بنيتها, مما ساعد في فقدان بوصلتها السياسية ومرجعيتها الشرعية واصبحت العديد من الكتل المكونة لها توابع للقوى الإقليمية والدولية, وبدل من أن ينقلوا هموم ومآسي الشعب السوري إلى هذه الدول اصبح العديد من أطرافها ينفذون أجندات هذه الدول. بغض النظر من انسجامها أو تناقضاتها مع المصلحة العليا التي هي مصلحة الشعب السوري. وحتى حاولت العديد من القوى الإقليمية إصباغها بصبغتها الإيديولوجية. فهذه كانت طبيعة العلاقة بين هيئة الائتلاف وحلفائها من الدول الإقليمية خاصة, زادت من انتشار الفساد والبيروقراطية والمحسوبية بين مكوناتها, وحتى قرار تعين رئيسها أو أعضاء هيئتها مرهون أو خاضع للقوى التي تسيطر عليها.
وبما أن المجلس الوطني الكردي في سوريا جزء مهم في هذا الائتلاف فأنه عانى الأمرّين, الأول هو ضعف وهشاشة بنية شركائه, والثاني ما يعانيه هذا المجلس أصلا من حالة استرخاء وجمود في أدائه.
إن الحالة البنيوية للمجلس ليست أفضل مما هو عليه حالة هيئة الائتلاف! وكانت النتيجة إرباك سياسي بين أعضاء المجلس من جهة وبين المجلس وبقية الأطراف المكونة لهيئة الائتلاف من جهة أخرى، فكما لم تستطع هيئة الائتلاف إقناع المجتمع الدولي بعدالة قضية الشعب والمساهمة في إيجاد حلول ومخارج لهذه الأزمة ووقف نزيف دمه المسال, لم يستطع المجلس الوطني الكردي إقناع هيئة الائتلاف بعدالة ومشروعية حقوق شعبه الكردي الذي يمثله, كما لم ينجح في إقناع حتى بعض الأطراف المكوّنة لهذه الهيئة, ولم يتمكن من فرض نفسه كشريك حقيقي له, لا حاضراً, ولا مستقبلاً, وحتى نكون منصفين لهذه القضية, والقصد كيفية تعامل هيئة الائتلاف مع الملفّ الكردي, علينا أن نوضح ما لنا وما علينا في هذا الجانب قلنا سابقا إن ضعف شخصية المجلس الوطني الكردي سياسياً وذلك بسبب معاناته من أمور عديدة أهمها: بنيته وعقليته في التعامل بين أعضائه. و إن لعمليات المد والجزر التي عانى منها المجلس منذ بداية تأسيسه وتعامله مع القضايا الأساسية التي تهم هذا المجلس بعقلية حزبوية كلاسيكية لا تستطيع أن تواكب تطور وتسارع الأحداث وانتقال الآفات التي أصابت هياكلها التنظيمية إلى أروقة هذا المجلس, وفقدان المصداقية والثقة بين أعضاء هذا المكون. أفقده السيطرة على نفسه وسياسته, هذا من جانب ومن جانب آخر، وما يتعلق بهيكلية الائتلاف فهو إن أغلب الأطراف المكونة لديها تشوّه فكري وثقافي, وهي أسيرة عقليتين أيديولوجيتين باستثناء بعض القلة القليلة منهم.
ومنهم من هم أصحاب الأيديولوجية الاسلاموية الضيقة همّها الوحيد تبديل رئيس سوريا من علوي إلى سني, وإظهار سوريا على أنها دولية إسلامية, وبنظرها ستحل كافة القضايا من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، أما العقلية الثانية فهي بقايا اليسار القومي العربي وبقايا العلمانيين السوريين والذين هم بالأصل أسيرو الأفكار الشموليّة.
وهذا ما لاحظناه من خلال العديد من النقاشات والحوارات التي كانت تجرى بين هيئة الائتلاف والمجلس الكردي. وكان تهربهم للعديد من الاستحقاقات المرحلية التي كانت ستخدم سوريا عامة والكرد خاصة في المستقبل. كان دائماً التصادم مع هذه الجدران المتخشبة. وأحياناً كانوا يحاولون تزيين رفضهم لهذه الاستحقاقات بطرق دبلوماسية لبقة مثلاً: الإدّعاء بأننا غير مخولون بإقرار الحقوق المشروعة لهذا المكون, وأحياناً بأنه من المفروض أن تؤجل مثل هذه الأمور إلى ما بعد نجاح الثورة وبناء سوريا المستقبل. لكن كلها كانت حجج غير منطقية وأدلة واضحة على أنهم لا يفكرون بمنطق الشريك الحقيقي والموضوعي .
بين هذا وذاك فقد المجلس الوطني الكردي جزءً من فعاليته بين جماهيره ومؤيديه، نتيجة وجوده في جسم الائتلاف وأصبح هذا الوجود مدار بحث ونقاش وحتى سجال بين أغلب المثقفين والشباب وحتى الساسة الكرد وبين مكونات هذا المجلس نفسه.
لذلك ما يتطلب من المجلس في هذه المرحلة هو إما فرض نفسه كشريك حقيقي وانتزاع حقوق شعبه والاقرار به ضمن كافة وثاق وأدبيات هيئة الائتلاف وإما البحث عن وسائل وأدوات أخرى لإيجاد حل لهذا الوجود الهزيل داخل جسم الائتلاف.
من لم يستطع أن يتقبلك كشريك وهو معارض, لا يستطيع أن يعترف بوجودك وحقوقك وهو حاكم, والحل برسم المجلس الوطني الكردي!!؟
نُشر هذا المقال في العدد (31) من صحيفة “Buyerpress”
2015/11/15
التعليقات مغلقة.