مستقبل القضية الكردية مرهون بهذه اللحظات التاريخية

27
720    نصرالدين ابراهيم
نصر الدين إبراهيم سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )

جاء تأسيس المجلس الوطني الكردي في سوريا كخطوة تشاركية توافقية, بهدف توحيد الجهود والمواقف, ولكن مع  ظهور العقلية الاستعلائية, وهيمنة بعض الأحزاب على قرار المجلس الوطني الكردي أفقده فاعليته القائمة أساساً على مبدأ التشارك والتوافق, فأخذ بالضمور والتلاشي تدريجياً من خلال جملة من الحجج والذرائع المخطط لها”

 

إن ما تشهده الحركة الوطنية الكردية في سوريا من واقع ٍ مليءٍ بالفوضى, من حيث هذا الكم من الخلافات المزعومة والتناقضات المرهونة بالأجندات, والتي أدت إلى المزيد من التشرذم والتشتت في الأحزاب وأطرها, بلغت درجة غير مستساغة,  تشتت الشارع الكردي على إثرها أيضاً بين هذا وذاك, وأحياناً طغى على الكثير من الجماهير حالة من اليأس, أو حتى اللامبالاة تجاه المشهد السياسي الكردي, والالتفات إلى الحياة اليومية بعدما تضاءل الأمل في إيجاد حلٍّ عامٍ من قبل الحركة السياسية.

الآن, ومع هذه المعطيات, نستطيع القول, أن الحركة الوطنية الكردية, أو بالأحرى, القضية الكردية في سوريا تشهد أكبر منعطفٍ تاريخي تمر به منذ التأسيس وحتى يومنا هذا, إنها المرحلة المصيرية التي ستقرر فيها الصورة المستقبلية للشعب الكردي, هذه الصورة المتوقفة على مدى الإعداد الدقيق للعامل الذاتي, استثماراً للعامل الموضوعي المتاح بشكلٍ غير مسبوق لنا.

بدأت الثورة السلمية في سوريا منذ ما يزيد عن الأربعة سنوات, لتعتبر حينها الحركة الكردية نفسها جزءاً منها, ولاعباً أساسياً على الساحة السورية كلها, كونها الأقدم والأكثر تنظيماً وجماهيراً وخبرةً, وكانت الضرورة الموضوعية  في ذاك الوقت تتحتم علينا البحث عن مظلة سياسية جامعة وشاملة للشعب الكردي وحركته السياسية, لتكون بمثابة الممثل الشرعي له وعن تطلعاته القومية المشروعة في ظلِّ هذه الفرصة السانحة له لنيل حقوقه. وعلى إثر ذلك جاء تأسيس المجلس الوطني الكردي في سوريا كخطوة تشاركية توافقية, بهدف توحيد الجهود والمواقف, ولكن مع  ظهور العقلية الاستعلائية, وهيمنة بعض الأحزاب على قرار المجلس الوطني الكردي أفقده فاعليته القائمة أساساً على مبدأ التشارك والتوافق , فأخذ بالضمور والتلاشي تدريجياً من خلال جملة من الحجج والذرائع المخطط لها .

كان من حسن الحظ بالنسبة لنا أن الحركة السياسية الكردية, وعلى اختلاف مشاربها, كانت وما تزال متفقة على الاستراتيجيات, وخاصةً  مسألة حلّ القضية الكردية في إطار وحدة البلاد, ومسألة عدم القبول بأي شكل من أشكال التدخل العسكري في المناطق الكردية سواء من قبل النظام السوري أو المجموعات الإرهابية أو حتى فصائل الجيش الحر.. ولكن للأسف الشديد, وفي مشهدٍ فريدٍ من نوعه, استطاعت الخلافات في الثانويات أن تطغى على الساحة السياسية, وتتسبب في تعطيل أية خطوات عملية للإسراع في  تحقيق الانجازات التي طالما ناضلنا في سبيل تحقيقها.

لذلك, ومنذ بداية الأزمة السورية كانت أولوياتنا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) واضحة وشفافة, نابعة من المصلحة القومية العليا لشعبنا, من حيث أن المنطلق في أي نضال  في هذه المرحلة يستند على المصلحة القومية, وأيضاً تحريم الصراع الكردي – الكردي, والحفاظ على سلمية الثورة في المناطق الكردية, وكذلك حمايتها من أية عمليات عسكرية, والعمل من أجل صيغة توافقية بين مكونات الحركة السياسية ..إلى ما هنالك من أولويات أثبتت الأيام والوقائع  مدى صوابها.

وعليه كان من الضرورة بمكان, العمل بشكل سريع و جادّ, بغية التمكن من تلافي ما يمكن تلافيه من خلل في الأداء السياسي الكردي في سوريا, وإمكانية تحقيق استقلالية القرار السياسي الكردي, ومع تأمين التنسيق العالي مع القوى الكردستانية, على أساس المصالح المتبادلة واحترام كل منا لخصوصية الآخر …لذلك جاءت فكرة تشكيل إطار سياسي جديد ينطلق من الالتزام الثابت بقضية ومصالح الشعب الكردي في سوريا, والعمل من أجل الإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي على أرضه التاريخية وحلّ قضيته وفق العهود والمواثيق الدولية في إطار وحدة البلاد, كذلك التفاعل الايجابي مع العامل الدولي، ومواكبة المتغيرات والمناخات الايجابية المتاحة … وصولاً إلى بلدٍ ديمقراطي تعددي برلماني لا مركزي.

وعليه ما زالت كتلة أحزاب المرجعية السياسية الكردية في سوريا تسعى بكامل طاقاتها من  أجل وضع أسس وقواعد واضحة لبلورة مشروع سياسي وآليات عمل بهدف الوصول إلى بناء إطار سياسي يعيد التوازن إلى صفوف الحركة الوطنية الكردية ومنفتح على القوى والفعاليات المجتمعية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني . ونبذ الانعزالية والتقوقع.

ومن خلال التطورات الحالية على الساحة الكردية والوطنية والكردستانية, يمكننا القول أنّ أمامنا آفاقٍ كبيرةٍ للانطلاق بهذا المشروع, لإعادة تصحيح ما سبق, وتحقيق ما كنا نناضل من أجله منذ عشرات السنين … خاصةً أن هناك بوادر لتقبل هذه الفكرة من لدن الشارع الكردي, وحتى العديد من قواه السياسية, التي باتت تدرك أية أخطاء جسام وقعت فيها خلال الفترة الماضية من عمر الثورة السورية.

هنا نكرر ما قلناه سابقا, بأن التاريخ سيتذكر أولئك المناضلين في هذه المرحلة التاريخية والمصيرية لشعبنا الكردي بالقدر الذي قدموه من تضحيات, لا بالقدر الذي حققوه من مكاسب .

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 30 بتاريخ 2015/11/1 

 

27123

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.