الادارة الذاتية .. حالة مؤقتة أم نموذج لسوريا المستقبل؟

26

 

1000    نورالدين عمر
نورالدين عمر

سوريا كدولة قومية عروبية وككيان مركزية حكمها طاغية وحزب قومي عنصري وشوفيني تلاشت فعليا مع سيطرة الجماعات والفصائل المسلحة على مساحات واسعة تضم محافظات كاملة ومدن وبلدات عديدة، وسوريا اليوم هي عبارة عن مجموعة من الدويلات والامارات  تتصارع فيما بينها وأصبحت سمة الحرب هي الحرب الأهلية والطائفية وأن كان جميع القوى المتصارعة تتهرب من هذه الحقيقة. ويمكن تقسيم الخريطة العسكرية والسياسية لسوريا ألى أربعة مناطق رئيسية وهي:

1- مناطق سيطرة النظام وحلفائه والتي لم تعد تشكل سوى 25%من اجمالي مساحة سوريا ومركز ثقلها هي المناطق الساحلية ذات الاغلبية العلوية.

2- مناطق سيطرة الدولة الاسلامية التي اصبحت تشكل 40% من مساحة سوريا ومركزها مدينة الرقة التي أعلنها التنظيم الارهابي كعاصمة لخلافته المزعومة.

– مناطق سيطرة جبهة النصرة وحلفائها من الحركة الاسلامية المتطرفة مع بعض الفصائل المحسوبة على الجيش الحر وهي تتركز في مناطق درعا وإدلب وحلب و تشكل بحدود 20% من مساحة سوريا.

– مناطق سيطرة الوحدات الكردية مع بعض فصائل المحسوبة على الجيش الحر. وتتركز أساسا في مناطق الجزيرة وصولا الى كوباني وعفرين و تشكل 15% من مساحة سوريا تقريبا.

وهذا المناطق ما تزال في حالة اشتباك وتداخل وتغير دائم وليس هناك أية حدود مرسومة حتى الآن.

ومع التدخل الدولي والاقليمي المباشر في سوريا وخاصة القصف الجوي لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأخيرا القصف الجوي الروسي الكثيف فأن الصراع اتخذ أبعادا خطيرة قد تحدث اصطدامات بين تلك المحاور الدولية التي تقاتل على الارض السورية.

ورغم أن كافة القوى الدولية والاقليمية وحتى المعارضة والنظام تدعي أن الحل سيكون سياسي وأن الحل العسكري لن يأتي إلا بمزيد من القتل والدمار، ولكن الاصرار على مواصلة الحرب هو السّمة البارزة في مواقف وتصرفات هذه القوى.. باختصار ليست هناك أية ثقة بالحل السلمي والتفاوضي والكل يريد تحقيق نصر ولو جزئي على الارض ويصرّ على الشروط التعجيزية التي تعقد الحلول أكثر.

فتنظيم داعش مصرّ على تمدد خلافته المزعومة وجبهة النصرة وحلفائها كذلك ليس لديهم البديل عن الدولة الاسلامية وإسقاط النظام والفصائل التي تدّعي الاعتدال كذلك مصرة على اسقاط النظام بأي وسيلة كانت، والنظام غير مستعد لأي تنازل، ويبقى ربما الكرد فقط من يطرحون الحلول الوسطية التي قد توقف نزيف الدم الجاري.

وكمبادىء, فان أغلب المكونات في سوريا السوريين متفقة تقريبا على ان الحل هو في بناء وطن ديمقراطي تعددي يحقق العدالة بين كافة أبناءه دون تمييز، ولكن في التفاصيل تكمن المشاكل غير القابلة للحل.

فسوريا بلد متعدد القوميات والطوائف والاديان والمذاهب ولا يمكن أن نتحدث عن الحل دون إعطاء الحقوق المشروعة لكافة القوميات والأديان والمذاهب, وإعطاء الحقوق ليس تقسيما كما يدّعي البعض بل بالعكس فان إنكار الحقوق هو الذي شجع ويشجع على التقسيم.

النظام الديمقراطي في بلد متعدد القوميات والمذاهب ومع وجود أقليات، عليه أن يراعي خصوصيات كل فئة، وادعاء ان المواطنيين متساوون أمام القانون لا يكفي لإقناع مجتمع عاش لاكثر من 40سنة تحت ظل النظام الديكتاتوري وحرّم من كافة حقوقه الاساسية, ولم يعد بالإمكان إدارة سوريا عبر نظام مركزي متشدد, ويجب البحث عن حلول أكثر انفتاحا وأكثر عقلانية.

العديد من دول العالم والمجتمعات الديمقراطية والمتحضرة لجأت إلى صيغ الفيدراليات والكانتونات والحكم الذاتي واللامركزية لإدارة شؤونها ولم يؤدي ذلك الى تقسيمها أو إضعافها بالعكس كانت سببا في تطورها وازدهارها. أما الدول التي لم تحقق النجاحات وتفككت مثل العراق فان المشكلة ليست في صيغة الفيدرالية بل ان الفيدرالية ربما هي الشيء الوحيد الايجابي الموجود بالتجربة العراقية، فالذي دمّر العراق هو الفكر العنصري الذي مايزال تحت تأثير الفكر البعثي والعفلقي والذي ينكر حقوق الغير وليست صيغة الفيدرالية كما يدعي البعض من العروبيين.

وفي سوريا, إذا كانت الاطراف السياسية تبحث عن حل فان الحلول التي تعطي كافة القوميات والطوائف و الحقوق المتساوية والعادلة وعبر شراكة حقيقية تتخذ النظام الفيدرالي او الحكم الذاتي الواسع للاقاليم أو نظام الادارات الذاتية في المقاطعات، هي  الحلول التي ستجعل من سوريا دولة ناجحة ومتطورة تحقق مطالب كافة المكونات وتحافظ على سوريا من التقسيم والتدمير.

ولكن لا المعارضة السورية ولا النظام السوري يقتربان من الحلول التي تحقق العدالة لكافة المكونات والقوميات ويصران على التعامل العنصري مع الجميع ويرون في الدولة المركزية الحل غير القابل للنقاش. ومعاداتهم لتجربة الادارة الذاتية في غربي كردستان هي نابعة من هذا الموقف العنصري الذي ينكر حقوق المكونات الأخرى.

فتجربة الكرد في روجآفا او في المناطق الكردية من الجزيرة الى كوباني وعفرين كانت نموذجا شبيها بنموذج الفيدرالية او الحكم الذاتي، وبدل من أن تقوم المعارضة السورية بدعم هذه التجربة وتشجعها اتخذت موقف المعاداة والتهجم عليها واتهامها بتهم باطلة لا أساس لها من الصحة. و نحن لا نركز على موقف النظام هنا لانه بالاساس نظامٌ بعثيٌ قائم على انكار كافة الحقوق ولا ينتظر منه أي مواقف ايجابية تجاه القضية الكردية والقضايا الديمقراطية الاخرى، ولكن المعارضة التي رفعت شعاراتها البراقة تبينت في أول امتحان لديمقراطيتها كم هي عنصرية ولا تحمل أي مشروع ديمقراطي تجاه حل قضايا الشعوب والقوميات والأقليات في سوريا، و الشعارات التي رفعتها ما كانت إلا ستارا لتخفي بها وجهها العنصري تجاه كافة المكونات وليس تجاه الكرد فقط.

وتجربة الادارة الذاتية في (غربي كردستان ) وبكل ما تتضمنه من أخطاء ونواقص هي افضل من تجربة النظام وافضل من كافة تجارب الفصائل المحسوبة على الجيش الحر في العديد من المناطق السورية وافضل من تجارب كل القوى والفصائل الاسلامية والسلفية والجهادية التي تدعي الاعتدال.. باختصار هي تجربة الادارة الأفضل والأنجح في سوريا حتى الآن. و لذلك فان معاداتها لا يعبّر إلا عن العنصرية من طرف الذين ادعوا انهم معارضيين ديمقراطيين,. فتجربة الادارة الذاتية ليست انفصالا كما يتم اتهامها ومشاركة كافة المكونات فيها هي إحدى اثباتات ذلك وهي تتضمن جملة من النواقص والاخطاء والملاحظات, ولكنها ايضا نموذج لادارة المناطق السورية ذات المكونات والقوميات العديدة وشبيهة لاقليم أو أقاليم  فيدرالية وهي بحاجة إلى المزيد من التطوير والتجديد من كافة النواحي وهذا ما لا ينكره أحد، فحتى المسؤوليين في الادارات الذاتية المعلنة في روجافا يعترفون بالنواقص والمعوقات التي يواجهونها. ولكنه النموذج الذي يمكن النقاش حوله للتعايش ومشاركة المكونات في تسير شؤونها بنفسها مع تطوير الجوانب الديمقراطية فيها دوما.

الأهم هو الجوهر وليس الاسماء, فاسم الادارة ليس مهما بقدر جوهرها ومضمونها، فسواء أأسميتها النظام الكونفدرالي أو الفيدرالي أو أقاليم الحكم الذاتي أو الادارة الذاتية أو نظام الكانتونات أو النظام اللامركزي يظل الجوهر والمطلب الأساسي هو إدارة كافة المكونات والقوميات لنفسها بطرق ديمقراطية بعيدة عن التحكم والتسلط، وعبر شراكة حقيقية مع كافة المكونات والقوميات والطوائف في ظل دستور عصري ومؤسسات ديمقراطية وقضاء مستقل واعتراف دستوري بحقوق كافة الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 30 بتاريخ 2015/11/1

 

27123

 

 

 

التعليقات مغلقة.