التحولات السياسية والعسكرية الأخيرة خاصة بعد زيارة الأسد لروسيا
“ في ردها على لعبة المفاوضات الروسية حول المهلة الزمنية لرحيل الأسد اشترطت أنقرة قبل اجتماع فيينا؛ بقاء الرجل رادفياً لأشهر ستة لا أكثر؛ أما السعودية فقد حذرت من تأجيج الضربات الروسية في سوريا مشاعر الشارع العربي. مؤكدة أن تصرفات الدب الروسي تغذي حربا لا يمكن أن تنتهي إلا مع خروج غير مشروط للأسد”
من الواضح أن التدخل الروسي العسكري في سوريا كان نتيجة لمفاوضات بين الدول المعنية بالأزمة السورية واستعمال الروس لورقة بشار الأسد في هذه المفاوضات وذلك بهدف الحفاظ على مصالحها الحالية، ومصالحها في سوريا المستقبل أيضاً مع إعطائها ضمانا لسلامة العلويين وعائلة الأسد، وهذا التدخل جاء لمساندة نظام الأسد الذي أوشك على الانهيار حتى في بعض مناطق سيطرته، وليس كما اعتقد البعض استعادة مناطق قد خسرها.
ثلاثة أسابيع ونيف على الغارات الروسية المكثفة كغطاء جوي من أجل هجوم بري واسع، لكنه لم يحقق أي خرق في موازين القوى للأطراف المتصارعة؛ أما كانت النتيجة فقط, الزيارة المفاجأة لبشار الأسد لموسكو عشية اللقاء الرباعي في فيينا، والتي تعتبر الأولى له منذ بداية الأزمة السورية قبل أربع سنوات؛ وخلال هذا اللقاء صرح بوتين والأسد على “ضرورة التوافق على العمل السياسي المكمل للعمل العسكري”، باعتقادنا هذه التصريحات بمثابة أجوبة واضحة للرئيس الروسي عن تدخلها العسكري المتفق عليه بين دول لها علاقة بالأزمة السورية، أجوبة سوف تكون محور النقاش على طاولة الحوار بين وزراء الخارجية لكلاً من أمريكا وروسيا والسعودية وتركيا، واستكمالاً للتغيرات في مواقفها حول بقاء الأسد في مرحلة المفاوضات لإيجاد صيغة للحل السياسي.
انتهى لقاء الأسد مع بوتين ليتم الإعلان عن لقاء رباعي في فيينا بين وزراء خارجية لأربع دول معنية بالشأن السوري، لكن شيءً من عدم التوافق في الرؤى وحتى الكثير منه سبق اللقاء وهنا تضيع تماما إمكانية الوقوف عند حدود التنسيق والتنافس والتباعد في علاقات القوى المنغمسة في الصراع السوري ويصبح من غير الواضح أيضاً، تصور كل تلك القوى لسوريا في مرحلتها الانتقالية ودور بشار الأسد في تلك المرحلة، يختلط الحابل بالنابل خصوصاً عندما تتحدث موسكو عن مهلة تضمن بقاء صديقها الأسد رئيساً لتلك المرحلة لمدة لا تتعدى أشهراً ستة، وتعود عن كلامها فورا وتصبح الأشهر الستة ثمانية عشر شهرا، واشنطن نفسها التي خططت لهذا اللقاء مع موسكو أطلت قبيلها لتنتقد التدخل الروسي العسكري في سوريا، واعتبرت إن الأمر يساهم في تعزيز قوى العدو المشترك “داعش” وليس العكس، أما تركيا احد اللاعبين المحددين في خطة موسكو فقط اعتبرت أن تجاوبها مع الدعوة للقبول بالأسد جزء من المرحلة الانتقالية، ما رده إلا إشارات تلقتها عن استعداد الروس للنظر في مصير الأسد، لكن في ردها على لعبة المفاوضات الروسية حول المهلة الزمنية لرحيل الأسد اشترطت أنقرة قبل اجتماع فيينا؛ بقاء الرجل رادفياً لأشهر ستة لا أكثر؛ أما السعودية فقد حذرت من تأجيج الضربات الروسية في سوريا مشاعر الشارع العربي. مؤكدة أن تصرفات الدب الروسي تغذي حربا لا يمكن أن تنتهي إلا مع خروجاً غير مشروط للأسد.
وبصرف النظر عن طموح كلاً من روسيا وإيران في سوريا، ومن منهما تحتل الريادة في لعبة إنقاذ شخص الأسد تحديدا، لم يفت روسيا أن تذكر الجميع بان إيران، وكما تعتقد؛ لاعب لا يمكن إقصائه في المفاوضات، فبدأ اللقاء الرباعي بتصريح قالت فيه: انها واثقة بأنه لا آفاق للمحاولات الرامية إلى حل الأزمة السورية من دون مشاركة إيران، تصريحا ملغما باستفزاز من موسكو. لم يتأخر رد الرياض عليه أو بالأحرى هو تذكير من الرياض لموسكو بحقيقة تدركها هذه الأخيرة جيدا وهي أن إيران جزء من المشكلة ولن تكون جزء من الحل .
سوف تستمر روسيا بعملها العسكري في سوريا محاولة فرض واقع ميداني جديد، ترضخ له قوى دولية وإقليمية من أجل القبول بالحل السياسي الروسي، واهمة بأنها سوف تنجح، ولن يبقى سوى السوريين هم من سيدفعون الضريبة جوعا وحرمانا وتشريدا وتدميراً.
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 30 بتاريخ 2015/11/1
التعليقات مغلقة.