طالبت الحركة السياسية الكرديِّة والجماهير الكرديِّة طيلة العقود الماضية بحقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية، ومنذ تأسيس الدولة السورية والكرد محرومون من أبسط حقوقهم وفي مقدمتها اللغة وتعلمها.
ومع خروج الجيش الفرنسي من سوريا بدأت تتشكل نواة دولة تسير في ركب الدول التي انتهت من حالة الاستعمار الغربي والأوربي, وبدأت الحكومات في سوريا بفتح بعض المعاهد وتفعيل الجامعات الموجودة سابقاً كجامعة دمشق وحلب، محاولة سدّ النقص في مجال التعليم والتدريس بسرعة فائقة لكنَّها فشلت في المرحلة الأولى كون المدرسين الذين تخرجوا وتمّ توزيعهم على الخارطة السورية لم يسدوا ذلك النقص حتى لثلاث محافظات سورية.!، وساد فراغ تعليميّ بعض المحافظات ومن ضمنها المناطق الكرديَّة تجسّد بنقص المدارس سوى بعض الكتاتيب التي كانت تدرّس فيها أصول الفقه والدين.
بقيت المناطق الكردية على هذا الوضع حتى بداية الخمسينات, وعند إعلان الوحدة بين سوريا ومصر كانت المناطق الكرديَّة تفتقد إلى التعليم ونظم التدريس فقامت الدولة الاتحادية بجلب مدرسين من مصر وإرسالهم إلى المناطق الكرديِّة لسدِّ هذا الفراغ التعليمي فيها, ثم بدأت بإصدار المناهج التدريسية للمدارس وكانت تتضمن في طيّاتها صوراً وحكايا وقصائد عن قادة الثورة السورية وكذلك عن بطولات جمال عبدالناصر.. يروي الكثير ممن عاصروا تلك المرحلة التعليمية أن المدرسين كانوا يحاولون ترسيخ ثقافة جمهورية مصر وقائدها جمال عبدالناصر في أذهان التلاميذ الكرد، وتجلَّى ذلك الترسيخ حين قدوم عبدالناصر إلى مدينة قامشلو ومعرفة الصغار قبل الكبار شخصيّة الضيف النازل في ربوعهم حق المعرفة.
والحقيقة أن الدولة السورية لم تتمكن حينها من تغطية المناطق الكردية بالمدرسين, وانتهج حزب البعث حين استيلائه على السلطة سياسات خاصة بالمناطق الكردية لحرمانهم من لغتهم الأم ومنع التحدث بها في مراكز الدولة, كما وغيَّر مناهج التربية والتعليم وصبّ جلّ اهتمامه على نهج حزب البعث العربي الاشتراكي وبطولات قائده الأسد الذي استلم جميع مفاصل الحزب والدولة والجيش في سوريا.
يشهد الشارع الكرديّ في روجآفاي كردستان امتعاضاً شديداً من المنهاج الجديد الذي أصدرته هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية الديمقراطية باللغة الكردية في العام الدراسي الجديد2015- 2016 متناسياً مطالبته طيلة عقود ستّة بالتعليم بلغته الأم.
إن إعداد المنهاج التعليمي للحلقة الأولى من المرحلة الابتدائيّة من جانب هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية وتخصيص صفحات منه لإيديولوجية خاصة بحزب واحد في روجآفاي كردستان خلق استياءً كبيراً لدى المواطن الكردي.. كان حريّاً بلجنة الإعداد التي عملت على إصدار المنهاج التعليمي أن تأخذ بالحسبان نضال الحركة الكرديِّة في سوريا وتضمين مواد مرتبطة بقادة وسياسيين ومثقفين لعبوا دوراً في التاريخ في روجآفاي كردستان.
عدا عن ذلك تتسائل النخب الكرديّة التربويّة؛ هل تفي أشهر معدودات لتخريج مدرسين أكفّاء بوسعهم التماشي مع منهاج جديد “عليهم أولاً قبل طلبتهم”, ومعظمهم ممن فشلوا دراسيّا وتركوا مقاعدهم قبل الآن, ولا يتعدّى سقف تحصيلهم العلمي المرحلة الإعداديّة أو الابتدائيّة ربّما…؟
كيف لهذه الشريحة المتدنيّة ثقافيّاً إقناع مجتمع برمّته, منهم الطبيب, والمهندس, والمحامي, والمعلّم, بحجج – لـُقّنوا بها في معاهد- ما أنزل التعليم بها من سلطان..!؟ إذاً, المعضلة تكمن في الآلية وليست العمليّة.
والسؤال الذي أنهك حناجر الأهالي.. هل كانت اللجنة التي أعدّت المنهاج الدراسيّ أكاديمية ومتمكنة من إنجاز هذا المشروع الذي طالما حلم به الشعب الكردي في روجآفاي كردستان..؟؟ وهل سيستكمل المنهاج مستقبلاً بمعاهد وجامعات كرديّة..؟
وبحسب الشأن العام, يبدو أن المدارس الكرديَّة التي يدرَّس فيها هذا المنهاج ستفتقر إلى تلاميذها, بينما ستعجّ المدارس ” الخاصّة ” ومدارس الأحياء العربية والتي تدرَّس فيها منهاج حزب البعث ونظامه بهم.
ليس للكرديّ.. في هذه الأيام التي فتحت فيها المدارس أبوابها إلا أن يفكر بإرسال طفله إلى مدرسة في حيّ ” طيّ ” لتعلّم منهاج النظام ولا يرسله لتعلّم منهاج الإدارة الذاتية.!!
التعليقات مغلقة.