الكرد في صحافة الغرب

156

إعداد: هشام عرفات *

هشام عرفات ‫‬

القوى الإقليمية والمجتمع الدولي (وعدوا الكرد – خذلوهم – ثم خانوهم) فلا عجب أن تقوم تركيا بضرب الكرد على مرأىً من العالم.

يستطرد الصحفي البريطاني روبرت فيسك مأساة الكرد منذ بدايات القرن المنصرم وحتى الوقت الراهن في مقال منشور في الإندبندنت الاسبوع الماضي وحائز على أكثر من 22 الف مشاركة:

منذ نشأة الكرد حتى الآن وهم يتعرضون للخيانة، وفي الشرق الأوسط حصلت كل دويلة صغيرة محتملة على وعود بالحرية بعد الحرب العالمية الأولى، وحتى الكرد أرسلوا وفدا إلى فرساي للمطالبة بدولة وحدود آمنة.

وبموجب معاهدة سيفر التي أبرمت عام 1920عقب الحرب العالمية الأولى بين الإمبراطورية العثمانية و قوات الحلفاء حصل الكرد على دولة صغيرة لهم على أراض كانت تابعة لتركيا العثمانية، إلا أنه بعد أن وصل إلى حكم تركيا الزعيم القومي كمال أتاتورك قام بالاستيلاء على أراضي تلك الدولة الصغيرة. وبعد ذلك اجتمعت الدول المنتصرة في الحرب العظمى في لوزان على مدى عامي 1922 و1923 وتخلت عن الكرد وكذلك الأرمن. وبذلك صار الكرد مشتتين ما بين الدولة التركية الجديدة وسورية التي كانت خاضعة للانتداب الفرنسي وإيران والعراق التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني. تلك كانت مأساة الكرد منذ ذلك الحين، وكان للقوى الاقليمية كافة ضلعاً في هذه المأساة. وهكذا صار الكرد ألعوبة بين تلك القوى الوحشية كالأتراك والعراقيين العرب من جهة والقوى الساخرة المتهكمة كالبريطانيين والأمريكان من جهة أخرى. لذلك لا نستغرب عودة الأتراك إلى قصف واضطهاد الكرد وعلى مرأىً من العالم.

عندما ثار الكرد على نظام صدام حسين بالعراق في السبعينات من القرن الماضي ساندتهم الولايات المتحدة مع شاه إيران. ثم قام وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر بترتيب صفقة بين إيران والعراق يقوم الشاه بموجبها باستلام الأراضي التي كان يطالب بها مقابل تخليه عن الكرد. وزيادة على ذلك قام الأمريكان بقطع امداد السلاح عن الكرد الذين قتل صدام منهم نحو 182 ألف. وعلى ذلك علّق كيسنجر آنذاك أنه “لا ينبغي الخلط بين السياسة الخارجية وبين العمل التبشيري.”

قد نظن أن الكرد تعلموا من تلك الدروس بعد كل ذلك الخذلان، ولكن في بداية حرب الخليج الأولى على الكويت قام الأمريكان ومن خلال محطة الاذاعة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الواقعة في السعودية بحث الكرد ليثوروا ضد صدام حسين، ففعل الكرد وبذلك دفعت أمريكا آلافاً من الكرد إلى الموت مرة أخرى. وبعد فضْح أمر اللعبة الأمريكية، قاموا بإنشاء منطقة “آمنة” في شمال العراق بعد نزوح الاف من الكرد الى تركيا هربا من نيران المعارك. وبعد ذلك تبين أن هذه المنطقة الآمنة شمال العراق كانت مجرد وهم.

وعندما خططت الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق من خلال كردستان عام 2003، وجد الكرد أن الأتراك خططوا لإرسال اربعين الف جندي مع القوات الأمريكية. وقد كان هدف تركيا من ذلك عرقلة سيطرة الكرد على كركوك والموصل، حيث خشيت أنقرة من أن إقامة شبه دولة كردية تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق يمكن أن يشجع كرد تركيا على المطالبة بالمثل.

وعندما خاض كرد العراق الحرب ضد داعش العام الماضي، وقرر الأمريكان استخدام الكرد مرة أخرى، وقفت تركيا ترقب بقلق كيفية تحول إقليم كردستان إلى طليعة معركة الغرب ضد داعش. وكانت كوباني ستالينغراد مصغرة والدفاع عنها من قبل الكرد ذوي التوجه الماركسي جعل الاحساس التركي بالذل أكثر إيلاما. فمقاتلي القوات الموالية لحزب العمال الكردستاني على طول الشريط الحدودي شمال سورية باتوا أبطالاً في نظر العالم.

إلا أن تركيا ستعمل جاهدة لتغيير هذه النظرة الإيجابية للعالم تجاه مقاتلي القوات الموالية للـ (PKK). لذلك عندما قامت داعش بضرب الكرد الذين كانوا يسعون للمساعدة في إعادة إعمار كوباني بواسطة انتحاري في سروج وبعد ادعاء الـ (PKK) مسؤوليته عن قتل شرطيين تركيين، قررت تركيا قصف الـ(PKK) بذريعة الحرب ضد داعش. وبذلك كان الأمريكان سعداء بإعادة فتح قاعدة إنجرلك الجوية في كردستان تركيا، وتجاهل العالم والمجتمع الدولي أن المقاتلين الإسلاميين كانوا يتمتعون بحرية العبور عبر الحدود السورية-التركية.

أن تركيا بحملتها الجوية مؤخراً تسير على خطى باكستان نحو الفساد الشامل، وذلك عندما أصبحت باكستان قناة لعبور الأسلحة والمقاتلين إلى أفغانستان في الثمانينات وبدعم أمريكي، حيث قامت باكستان بدعم المجاهدين وحركة طالبان والجماعات الإسلامية الأخرى.

أما بخصوص الكرد، فهل سمعوا بما قاله آرثر هاريس، قائد سرب طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني الذي ساعد في سحق الانتفاضة العراقية 1920؟ إذ قال: “الكرد والعرب يعرفون الآن ماذا يعني التفجير الحقيقي من حيث الإصابات والأضرار. فبغضون 45 دقيقة يمكن محو قرية بأكملها وقتل وجرح ثلث سكانها.” هكذا يشعر الأتراك ايضا.

نشر المقال ف يالعدد 25 من صحيفة Buyer تاريخ 15 / 8/ 2015

 

*هشام عرفات: مترجم كردي من روجافا ومراسل جريدة الاندبندنت البريطانية في كردستان.

hisham-arafat@hotmail.com

——————————————————————–

التعليقات مغلقة.