مشاهد يومية في حياة مواطن الأمة الديمقراطية

29

 

                                                                                                                                                                            إبراهيم خليل

مشاهد-يومية-في-حياة-مواطن-الأمة-الديمقراطية
إبراهيم خليل

تعكس الصحافة حياة عامّة الشعب وخاصته في عيون أرباب السلطة وأهل الحل والعقد في الحكومة ممن لا يتسع وقتهم للنزول إلى الشارع ولا تسمح لهم ظروفهم الأمنيّة بالاختلاط بالعامة وتسقط أخبارهم ومعالجة مشاكلهم بشكل مباشر. وهي مكلفة من جهة أخرى باطلاع الشّعب على الأحكام والقرارات والأخبار والمستجدات المحليّة منها والعالمية ومساعدته عبر عرض بانوراما الآراء المتباينة والمتناقضة على تكوين رأيه وليس تكوين رأيه بالنيابة عنه.

ليس من مهمة الأديب أو الصحفي مُدعي الاستقلاليّة الحكم بشرعية سلطة حاكمة من عدمها كما هو الحال عندنا في “روجآفا كردستان” لأن ذلك من شأن المؤسسات والأحزاب والحركات السياسيّة المعارضة لتلك السلطة وشأن جهازها الإعلامي الحزبي فقط.

وليس من مهمة الصحفي التطبيل والتزمير لإنجازات أي حاكم أو أية سلطة حاكمة, مهما قدمت لشعبها من خدمات, لسبب بسيط هو أنها تؤدي واجبها وأنها موجودة في مكانها ذاك لتنجز للشعب وتخدمه وتقدم له ما يحتاج شأنها شأن الأب الذي يربي عياله ويطعمهم من لحم كتفيه, إن اضطر, غير منتظر جزاءً ولا شكورا.

ومما يدور في الشارع الروجآفي ( أو ما تبقى منه ) من كلام يتناول حكومة الإدارة الذاتية ولا يصادف آذاناً مصغية نقتطف ما يلي لعلّ وعسى أن تقع عليه عيون رائية وتعالجه عقول راجحة:

إنّ الترويج ضمناً لشعار ” التحرير أولاً ” يعني فيما يعنيه تأخير التنمية والديمقراطية إلى ما بعد الانتهاء من إنجاز عملية التحرير وهو بهذه الصيغة شعار مضلل وخطير لن يحقق تحريراً ولا تنمية ولا ديمقراطية بل سينتهي بأن يكرِّس ديكتاتورية عسكرية بغيضة تطيل أمد هذا “التحرير” عقوداً وعقوداً وتبتز به شعبها تماماً كما فعل النظام البعثي في بغداد ويفعل حتى اليوم في دمشق. والأولى تسيير خطوط التحرير والتنمية والديمقراطية معاً على التوازي.

إنّ جرّ “وحدات حماية الشعب” الباسلة إلى الميدان السياسي خلال جلسات الحوار الكردي – الكردي واحتكار طرف سياسيّ ما حقّ التحدث باسمها والتباهي بإنجازاتها يشبه أن يضع أحد المتحاورين مسدساً على طاولة المفاوضات.

أن يترافق الخلاص من حكم النظام البعثي في روجآفا بإطعام المواطن الديمقراطي رغيفاً أسمر – لئلا نقول أسود – يحتوي بالإضافة إلى كوكتيل طحين الرز والشعير بعض الكائنات الدقيقة المُحنطة والحصى وقشور النخالة والبرسيم فهذا لن يقنع المواطن الديمقراطيّ أنّه يؤدي بعض واجبه تجاه دماء الشهداء الزكية بل يعني أنه سيتساءل عن مصير أطنان الحنطة البيضاء المغربلة الخارجة من مخازننا وأنّه سيتحسر على كيس الخبز الحكومي الأبيض ( أبو15 ليرة).

إن فرض التجنيد الإجباري على عموم أبناء شعوب روجآفا قبل التوافق على عقد اجتماعي لا يعني فتح باب الواجب الوطني أمام جميع أبناء الوطن لأداء ضريبة الدم بل يعني فتح باب الهجرة والنزوح والتواري على مصراعيه ويساهم مساهمة غير مباشرة في استنزاف العقول والزنود والتغيير الديموغرافي, والأولى دراسة الاكتفاء بنظام التطوع الذاتي حالياً على الأقل من باب ” سدّ الذرائع “.

إن اعتقال المعارضين السياسيين وزجّهم, دون مذكرات قبض قانونية, في السجون بتهم جنائية ملفقة خدعة سلطويّة بدائية جداً وهي لا تعني ولن تنتج ( ضبع ) المعارضة وكمّ أفواهها إلا في أذهان مريضة بداء التوحّد بل تعني ظهور الأعراض الأولى لمرض السرطان البعثي الستاليني نعوذ بالله منه.

إن السكوت عن الفاسدين والمتربحين – في كواليس الإدارة الديمقراطية ودهاليزها- لا يعني أن الشّعب لا يعرفهم أو لا يعرف المتنفذين المتسترين عليهم، لكنه يعني أن هؤلاء الوالغين في دماء الشهداء يسيرون بالإدارة في طريق تحويلها إلى سلطة (الأمر الذي يحذر منه أوجلان شخصياً في معظم مؤلفاته).

إنّ مسميات “الحزب الديمقراطيّ” و” الإدارة الديمقراطية ” و ” الأمة الديمقراطية ” الرومانسية الرائعة تتناقض تماماً مع سلوكيات بدائية فوضوية وإجراءات متعسفة كالتي بات ” المواطن الديمقراطي ” يشهدها مؤخراً في كانتون الجزيرة, ومن ذلك :

إقامة ” محاكم شعبية ” في الهواء الطلق تجعل مصير المتهم المسكين رهناً باقتراحات ارتجاليّة ومزاجيّة ينطق بها رفاق ورفيقات من عامّة الجمهور المحتشد من حوله في إشارة إلى حالة من ضحالة التّشريع وفوضى القوانين. وهذه الشعبوية ليست إشراكاً للشعب في إقرار العدالة إلا في منظور حكومة كلانية مثل حكومة الكتاب الأخضر. أما الحالة الصحية فهي الالتزام بمحاكم شعبية تُقام ضمن مباني القصور العدلية المختصة وبإشراف قضاة ومحامين ووكلاء نيابة محترفين ونزيهين ومستقلين.

تشكيل هيئة حاكمة ( مجلس قضائي ) في إحدى مدن كانتون الجزيرة من ساعاتي ومعلم وكيل وطالبة حقوق وزوجة شهيد ( له الرحمة والمجد ) لا يعني الرقي بمستوى أبناء الشعب طبقياً بل يعني شيئاً أمراً واحداً مقيتاً هو تقديم عنصر الولاء على عنصر الكفاءة.

صدور قرار إعلامي يقضي بسحب تراخيص العمل في روجآفا من قناتين فضائيتين ( كردية وعربية ) بذريعة أنهما تلفقان الأكاذيب وتحرضان على الكراهية لا يعني أننا بذلك نصون آذان أمتنا الديمقراطية من سماع الزيف وانتشار الحقد والعنصرية بين مكوناتها بل يعني فقط أننا لا نتحمل الرأي الآخر ولا نفهم حرية التعبير إلا وفق التعريف المضحك التالي : ” أنت حر في أن تكون تابعاً لي وتقول كقولي أما أن تنشر ما يخالف أيديولوجيتي الصائبة والتعاليم الفذة، فهذا يعني أنك تخالف الحقيقة المطلقة ولذلك عليك أن تخرس”.

 

نشر المقال ف يالعدد 25 من صحيفة Buyer تاريخ 15 / 8/ 2015

التعليقات مغلقة.