لا منطقة آمنة كما يريد المنطق التركي !

26

طه الحامد

طه الحامد
طه الحامد

تروّج الحكومة التركية منذ سنة عن نيتها إقامة منطقة عازلة في الشّمال السوري تحت حمايتها وحراستها, وقد كتبت بعض التقارير في الأسابيع الفائتة إنّ تركيا وأمريكا قد توافقتا على إنشاء المنطقة المذكورة.

إلا إنّ ما هو غير معلوم إنّ تلك المنطقة أقل بكثير مما يروج لها اردوغان, فهي عبارة عن منطقة سوف يتم تجميع حوالي مليونين لاجئ سوري يعيشون الآن في تركيا بمعنى إنه سيكون مخيماً كبير جداً للاجئين السوريين على أراضي سوريا غير خاضعة لسلطة أي جهة عسكريّة. وبهذا سوف يتم تخلص أردوغان من هذا العبء الكبير بطريقة ذكية حيث يرضي قطّاع واسع من المعارضة التركية ويظهر نفسه أمام السوريين كمُنقِذ وحامي لهم، ومن جهة أخرى يفتح الطريق مع دمشق ليكون شريكاً في الحلّ السلميّ وحاضراً بقوة في تجارة إعمار سوريا مستقبلاً كما كان تاجراً ومساهماً في تخريبها.

والأهم من كل ذلك أنّ المنطقة المقترحة تقع بين مقاطعتي كوباني وعفرين الكرديتين ويعلم أردوغان إنّ وجود داعش فيها مؤقت وإنّ وحدات حماية الشّعب سوف تخرج داعش منها كما أخرجتهم من كَري سبي والحسكة وجبل كزوان وغيرها من المدن والمناطق, لهذا هو يريد أن يستبق التحرير بإخراج داعش بطريقة بهلوانيّة عبر حلق لحاهم وإلباسهم لباس آخر تحت أسماء سكان محليين وكتائب المعارضة التي تنتمي إلى تلك الجغرافية وموالية لتركيا.

لكن الولايات المتحدة تتفادى الالتزام بأيّ مخطط كهذا رغم تراخيها بعض الشيء مع النشاط العسكريّ التركي بعد اتفاقها مع أردوغان حول استخدام قاعدة أنجرليك الجويّة وبكثافة.

والولايات المتحدة تدرك صعوبة تجاوز الجيش التركي الحدود البرية لدولة مازالت قائمة حسب العرف الدوليّ لأنّ قوانين حلف الناتو واتفاق نشر صواريخ الباتريوت عام 2013 على الحدود التركية قد قيّد فعلياً حركة الجيش التركي وكانت تلك الصفقة أصلاً لقطع الحجج أمام الأتراك حول مزاعمها الأمنية والأخطار المحتملة على حدودها مع سوريا, فأيّ تحرك للجيش التركي العضو في حلف الناتو سوف لن يترك الروس صامتين إزاء ذلك.

وبدلاً من ذلك اقترح حلفاء تركيا في الناتو عليها إقامة جدار خراساني على طول 910 كيلو متر مدعومة بوحدات رقابة إلكترونية ووحدات جوية وبرية.

وهذا ما حصل إثناء اجتماع الناتو في 26 تموز 2015 تحت البند 4 الخاص بالدّفاع المشترك عن حدود دول الناتو.

ولم توافق أي دولة في ذلك الاجتماع على أي تدابير عسكريّة أو مشاركة تركية فعليّة في إنشاء منطقة آمنة خارج حدود الناتو في تركيا.

وعلى الصعيد التركي- وبعيداً عن الهوبرة الإعلامية الإردوغانية – ففتح جبهات نشطة ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني وأيضاً كما تحاول تركيا إقناع الرأي العام العالميّ بأنّها تحارب داعش، فلن توفر الأمن المزعوم لتركيا ولن تجعل اللاجئين السوريين الذين سيتم نقلهم في مأمن من ضربات النظام إن كانت تلك المنطقة تحت سيطرة مُسلَّحة من قبل المعارضة السورية.

وإضافة إلى ذلك استمرار الحرب ضد حزب العمال وداعش من شأنه أن يحدث ردّات وهزّات عنيفة في الداخل التركي وإدخال البلاد في أجواء عسكرية رهيبة يعيق تشكيل أي حكومة ائتلافية أو إجراء انتخابات مبكرة ضمن الظروف تلك التي ستؤدي إلى خسارة أردوغان المزيد من الأصوات.

في النتيجة ممّا سبق إن أردوغان أراد تحريك المياه وإثارة الأمواج لعل وعسى يستطيع استنهاض الأصوات القوميّة التركيّة ودفعها لتصوِّت له وإظهار نفسه كرجل قومي حريص على الأمّة التركية، ومن جهة أخرى وضع منافسه- اللدود حزب الشّعوب الديمقراطية- في وضعٍ يدفعه إلى أن يعلن مواقف نارية وغير محسوبة احتجاجاً على ضرب قواعد حزب العمال الكوردستاني وثم الاستناد على ذلك لحظره أو منع بعض قادته من العمل السياسيّ بحجة دعم الإرهاب والذهاب إلى الانتخابات بغياب ذلك الحزب نتيجة قرار قضائي يخطّط له منذ الآن.

نشر المقال ف يالعدد 25 من صحيفة Buyer تاريخ 15 / 8/ 2015

التعليقات مغلقة.