النظر من الزاوية المناسبة

31

 

علي جل اغا 1كما أشرتُ سابقاً, في مقال, بأنه لاضير أن يكون الكرد رأس رمح حاد لاستراتيجية أمريكية أوربية, شرط أن تكون هذه الاستراتيجية واضحة المعالم والأبعاد, بعدما أثبت الكرد وبجدارة قدرتهم على التصدي لأعتى التنظيمات ارهاباً وقسوة ولا شك – أنهم أي الكرد – ماضون في مسيرة حافلة بالانتصارات والمكاسب وما لايمكن نسيانه الجهود الأمريكية وبصماتها البارزة لا سيما في تقديم الدعم المادي والمعنوي والعسكري, سواء بالسر أو بالجهر والعلن, ولكل منها أسبابها الموجبة. بكل الأحوال إن دل ذلك على شيء فليس سوى نجاح اللوبي الكردي وحسن فهمه لمعطيات الأحداث إلى حد ما, استطاع من خلاله إدراج القضية الكردية بكل ملفاتها الشائكة إلى جوقة الأحداث الجارية في المنطقة وبحرفية متقنة هذه المرة تختلف عن سابقاتها بالشكل والأطر وحتى الوسائل, فالسماء لاتمطر ذهباً ولا فضة كما يقال, هذا من ناحية, ومن الناحية الأخرى بات ملف القضية الكردية في أجزاء كردستان الأربعة حجر أساس لأي حلّ قد يفضي إليه سواء التفاهمات أو النزاعات المسلحة على الأقل الجارية على أرض كردستان, ابتداءً من الانتصارات الباهرة التي حققتها قوات البيشمركة الشريك الأوحد للغرب على الإرهاب واستياء تركيا من تطورات الأحداث في بيت قصيدها, سيما النجاح الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطية HDP  ودخوله البرلمان التركي آنفاً, مما دعا الساسة الأتراك لأن يكشروا عن أنيابهم بفم غيرهم, فسارعوا بكل أساليبهم الملتوية إلى دعم وتحريض كل ما هو مألوف وغير مألوف ضد الكرد في كردستان سوريا وخارج حدود دولتها وذلك درءاً لقيام أي كيان كردي على حدودها قد تحدو كردستان الشمالية حدوه, فالامتعاض والاستياء من جانب الحكومة التركية خير دليلين على عدم حسن نيتها في أي انبثاق أو إشراقة أمل تظهرها تركيا لحل القضية الكردية, سواء على أراضي كردستان الشمالية أو حتى على أراضي الأجزاء الأخرى من كردستان, ورغم كل المعوقات والعراقيل التي تضعها تركيا أمام أفق أي حل قد يلوح, سواء كانت من صناعتها أومما استوردتها, لم تفلح حتى الآن على الأقل في توقف عجلة الانتصارات التي يحققها الكرد يوماً بعد يوم وأكثر فأكثر, حتى بعد محاولاتها في تأليب المعارضة السورية ضد كل ما يمت بصلة للمشروع الكردي, الذي أضحى قاب قوسين أو أدنى, بالعكس تماماً فقد انقلبت كل مخططاتها ضدها وأضحت تخشى الطريق الأخضر هولير – البحر المتوسط, أكثر من خشيتها من سيطرة المقاتلين الكرد على المناطق الكردية المحاذية لحدودها والتي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من المشروع الكردي الكبير, ومطالبتها حزب الاتحاد الديمقراطي الـ PYD  العدول عن ذلك ولكن دون جدوى, إضافة إلى أن طلبها قوبل بالرفض, وبات جلياً لها أكثر من قبل قراءة المشهد السياسي, فانتصار كوباني بجهود البيشمركة والـ (YPG)(YPJ) والاشراك الرمزي لبعض فصائل الجيش الحر إضافة إلى إمداد هذه القوات بالسلاح والعتاد إضافة إلى قصف مواقع الارهابيين من قبل طيران التحالف الدولي المدعوم أمريكياً, وكذلك عجز تركيا من انتزاع ولو تصريح بسيط من حكومة اقليم كردستان يسبغ صفة الارهاب على حزب العمال الكردستاني PKKمنذ نشوئه حتى الآن رغم ضغوطاتها بشتى الوسائل ورغم عضويتها في الناتو الذي يعتبر أكبر حلف دولي ووجود قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها /انجرليك/ .

فلا يتبادر لذهن العاقل شكّ بأن كلام المنسق الأمريكي للتحالف الدولي عبث إعلامي عندما أدلى بتصريحه الذي أثلج صدور الكرد فقال: ” لقد وضع داعش نفسه في مأزق باجتياحه مدينة كوباني الكردية” ,وأردف قائلاً : “سنمضي قدماً في دعم ومساندة القوات الكردية ” ,وجاء هذا تزامناً مع تصريح السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان بأنه سيرسل قوات إضافية إلى مدينة كوباني الكردية أو أية بقعة من كردستان إذا اقتضت الحاجة ,أليس هذا دليلاً إضافياً على أن الكرد أصبحوا الآن رقماً صعباً في المعادلة الدولية الخاصة بالشرق الأوسط ؟ كما أن لهم حصة الأسد في الدول التي تحتل كردستان على الأقل, وهم الآن على مسافة مرمى حجر من الهدف, فإعادة صياغة ورسم خارطة جديدة اعتماداً على ملفات قديمة سبر في أعماق التاريخ  الشرق أوسطي وهي قادمة لاريب فيها كقدوم الساعة ,وما يجري الآن ليس سوى لعبة مصالح دولية بامتياز وما علينا نحن الكرد سوى أن نكون يقظين ونكون العين الساهرة في محطاتنا كي لا يلوك القطار بعيداً عنا حتى نستطيع أن ننظر من الزاوية التي نراها مناسبة, وألا ننسى بأن القوة ترتب إذناً ضمنياً في كل زمان وكل مكان .

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 2015/8/1

التعليقات مغلقة.